ثلاثة عقود من رئاسة مبارك.. رتابة ممتدة بدأت صاخبة وانتهت بثورة

مبارك
شخصية مبارك الرتيبة انعكست على فترة رئاسته لمدة ثلاثين عاما لكنها انتهت بثورة شعبية صاخبة (مواقع التواصل)

محمد عبد الله-القاهرة 

رغم أنه كان أقلهم من حيث كاريزما الزعامة وذيوع الصيت والشهرة، فإن الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك استمر في الحكم ثلاثة عقود كاملة، أي ما يزيد على مجموع فترتي حكم الرئيسين السابقين (جمال عبد الناصر وأنور السادات) اللذين امتد حكمهما من 1956 وحتى 1981. 

بعد زعامتين كبيرتين، ملأتا مصر والعالم صخبا وجدلا وحروبا، وخليطا من خطابات رنانة مجلجلة وخطوات سياسية مفاجئة، جاء مبارك ليعكس الاتجاه ويرسخ أطول فترة هدوء في التاريخ المصري الحديث، لكنها للمفارقة انتهت بواحدة من أكثر أحداث مصر سخونة وهي ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. 

المسيرة السياسية الحقيقية لمبارك بدأت في أبريل/نيسان 1975، عندما اختاره السادات نائبا له. ثم أصبح رابع رئيس للجمهورية في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1981، بعد اغتيال سلفه أثناء عرض عسكري كان يجري في ذكرى انتصار أكتوبر على إسرائيل، وهي البداية الصاخبة التي بدأ بها مبارك فترة رئاسته الرتيبة.

ويعتبر خبراء بالشؤون السياسية والعسكرية تحدثت إليهم الجزيرة نت أن السادات كان أول من فهم شخصية مبارك، والتي كانت أقرب إلى الموظف الرتيب المطيع منها إلى الموظف النابه المجتهد، مضيفين أن مبارك عندما وصل الحكم اكتفى بلقب بطل حرب أكتوبر وسيد الاستقرار الداخلي والإقليمي وانعكس تفكيره التقليدي في بقاء وزراء ومقربين منه لعقود في مناصبهم.

إعلان

ويقسم الخبراء حكم مبارك إلى فترتين، الأولى بدأت منذ 1981 وحتى 1995، وكانت تقليدية هادئة محافظة على المستويين الداخلي والخارجي، إلا من أزمة حرب الخليج، حيث كان يتحكم فيها رجال الدولة التقليديون، من الشرطة والموظفين البيروقراطيين، مع الحفاظ على الحد الأدنى للمعيشة، وتوفير دعم التموين والطاقة والكهرباء والمياه. 

الفترة الثانية بدأت منذ 1995 وحتى 2011، بدأ مبارك يفقد فيها سياساته التقليدية بشكل متسارع، حيث تغولت الدولة البوليسية، خاصة جهاز أمن الدولة سيئ الصيت، كما بدأت سياسة خصخصة شركات القطاع العام التي شابها الفساد، وظهر أباطرة رجال الأعمال، وتراجعت قيمة الجنيه وبالتالي ارتفعت الأسعار، وهيمنت حاشية نجله جمال على مقاليد البلاد، خاصة في ظل الحديث عن التوريث الذي اعتبره البعض القشة التي قصمت ظهر نظامه.


فهم شخصية مبارك
الباحث بالشؤون العسكرية محمود جمال، يرى أن "اختيار السادات لمبارك نائبا له هو المفتاح الذي يقودنا لفهم طبيعة وشخصية ونفسية مبارك بلا منازع".

وأضاف الباحث الذي يدير وحدة الرصد والتوثيق بالمعهد المصري للدراسات السياسية "السادات كان ديكتاتورا، سعى لمنع أي مراكز قوى منذ بداية حكمه، وقام بما يسمى ثورة التصحيح، وأطاح بأي شخصية قوية حوله، ثم جاء بمبارك، لماذا؟ لأنه كان شخصية ضحلة الأفق، ضيقة التفكير، بلا أطماع، باختصار: رجل وظيفة". 

وتابع "لذا عندما قرر السادات اختيار نائب له، اختار أضعف شخصية في الجيش، حتى يأمن أي تهديد من النائب الجديد، والذي بدأ فترة حكمه هادئا مسالما دون ضجيج، أو خطاب شعبوي حتى عام 1991، وهو التاريخ الذي تنازل فيه عن السلطة فعليا لأسرته وحاشيته، بعد التخلص من قائد الجيش القوي والمؤثر المشير محمد أبو غزالة، وخلا لمبارك وجه مصر".

وأكد الباحث للجزيرة نت أنه منذ ذلك التاريخ ومبارك يدير المشهد من خلال أشخاص مقربين على رأسهم زوجته سوزان، ورئيس الديوان زكريا عزمي، ووزير الدفاع المشير حسني طنطاوي، ووزير الإعلام صفوت الشريف، ورئيس مجلس الشعب فتحي سرور.

إعلان

ولفت إلى أن مبارك كان عسكريا روتينيا، وكان يعتبر حرب أكتوبر 1973 آخر الحروب، وأن السلام خيار إستراتيجي، وهو ما ألان له عريكة الغرب.


ليس متغطرسا
من جانبه يرى السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية سابقا أن مبارك استفاد سياسيا من وجوده كنائب للرئيس سبع سنوات، وتعامل مع مستشاره السياسي أسامة الباز، فاتسعت رؤيته للعالم، وفهم معنى منصب رئيس الجمهورية لاحقا، مضيفا "كان هادئا كامنا، ولكنه نجح في إعادة مصر لحظيرتها العربية لأنه لم يسع إلى زعامات خارجية". 

وأضاف الأشعل بحديثه للجزيرة نت "من خلال تعاملي معه بحكم طبيعة عملي في الخارجية، حافظ مبارك على علاقات جيدة بعيدة عن التصادم مع الجميع باستثناء أفريقيا، خاصة بعد محاولة اغتياله الفاشلة في أديس أبابا عام 1995، ومنذ ذلك التاريخ تراجع دوره كرئيس فعلي لحساب زوجته وأسرته وحاشيته".

وأشار السفير إلى أن مبارك لم يكن متغطرسا بقدر ما كان هادئا رزينا، وكانت بداياته في العقد الأول تختلف عن نهاياته في العقدين الآخرين بسبب كبر سنه.

وأكد أن الرئيس الراحل كان مغيّبا فترة احتقان الشارع وقيام ثورة يناير، وكان يظن أنها مؤامرة من المجلس العسكري ضده بسبب موضوع توريث ابنه جمال.


بلا كاريزما 
من جانبه يقول المرشح الرئاسي السابق أيمن نور "مبارك كان حاكما عسكريا بلا طموح أو كاريزما تميزه عن سابقيه" مشيرا إلى أنه اعتزل الحكم الداخلي بشكل فعلي قبل 15 عاما من الإطاحة به في ثورة يناير. 

وفي تصريحات سابقة للجزيرة نت، قال نور إن مبارك ترك إدارة الحكم لزوجته وأبنائه وحاشيته المقربة التي كانت ترى في مشروع مبارك الجديد الحاكم المقبل، واعتكف هو في منتجعه الخاص بشرم الشيخ، وكان بعيدا عن اتخاذ القرار، مشيرا إلى أنه كان سهل الانقياد من قبل زوجته وحاشيته، رغم عناده في أمور داخلية كثيرة.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان