عبد الرحمن أحمد-القاهرة
من جديد عاد الحديث عن "الملثم" الذي يستهدف خط الغاز بين مصر وإسرائيل، إثر تفجير خط غاز في منطقة بئر العبد شمالي سيناء أول أمس الأحد، وذلك بعد حوالي أسبوعين من بدء ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر، في صفقة أثارت جدلا كبيرا بين المصريين.
وبالتزامن مع تفجير خط الغاز؛ عادت الهجمات التي تستهدف عناصر القوات المسلحة المصرية في سيناء مرة أخرى؛ فقد قالت مصادر للجزيرة إن خمسة من أفراد الجيش المصري قتلوا في استهداف آلية عسكرية بمدينة الشيخ زويد شمال سيناء.
وقالت مصادر أمنية في تصريحات نقلتها وكالات أنباء، إن ستة مسلحين ملثمين زرعوا مواد متفجرة تحت الأنبوب، الذي يقع في منطقة التلول على بعد ثمانين كيلومترا غرب مدينة العريش، ثم فروا إلى الصحراء قبل وصول الشرطة أو الجيش، ولم تسجل أي إصابات بشرية.
وبينما ذكرت مصادر للجزيرة أن المهاجمين استهدفوا الخط الدولي بين مصر وإسرائيل، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر أمنية وشهود عيان أن الأنبوب محلي يزود بالغاز محطة الكهرباء بالعريش والمنطقة الصناعية والمنازل، إضافة إلى مصانع الإسمنت بوسط سيناء.
تاريخ الملثم
رغم إعلان تنظيم ولاية سيناء مسؤوليته عن الحادث في وقت لاحق أمس الاثنين، فإن طريقة التفجير ونسبتها إلى مسلحين ملثمين أعادت للمصريين ذكريات الملثم الغامض الذي نسبت إليه حوادث التفجير المتكررة لخط الغاز الطبيعي المصري المتجه إلى إسرائيل عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وهو نفسه الخط الذي يستخدم الآن في الاتجاه العكسي أي لاستيراد الغاز الإسرائيلي.
تسع سنوات كاملة مرت على التفجير الأول لخط أنابيب شرق المتوسط، الذي ينقل الغاز الطبيعي المصري من العريش إلى عسقلان في الأراضي المحتلة، وتحديدا في 5 فبراير/شباط 2011.
وخلال حوالي عام ونصف العام كان عنوان "تفجير خط الغاز في سيناء" ضيفا دائما على وسائل الإعلام، بتفاصيل تكاد تكون واحدة باستثناء الرقم المتصاعد لمرات التفجير، الذي وصل لأكثر من 15 مرة خلال تلك الفترة.
ومع كل تفجير كان يتم تحميل المسؤولية لمجموعة من الملثمين مجهولي الهوية، وصار لقب الملثم موضع تندر من قبل المصريين، وتحول إلى بطل شعبي في عيون الكثيرين.
الفاعل مجهول
رغم كونه مجهولا فقد حظيت عمليات الملثم بترحيب فئة كبيرة من رافضي تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، الذي تم بموجب صفقة وصفها المعارضون بالمشبوهة، عقدها نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، لقيت معارضة شعبية واسعة.
ولم تعلن وقتها أي جهة مسؤوليتها عن هذه التفجيرات، وهو ما أثار التكهنات بشأن منفذيها وأهدافهم، فرغم إعلان جهات أمنية مرارا امتلاكها معلومات عن منفذي الهجمات، فإنه لم يتم القبض على أي متورط، كما لم تمنع وعود السلطات بزيادة تأمين خط الغاز عمليات استهدافه المتكررة.
دفع هذا الأمر نشطاء ومراقبين إلى اتهام المجلس العسكري الحاكم وقتها، بالوقوف خلف هذه التفجيرات، إما بالتقاعس والإهمال، أو بالتواطؤ لدوافع عديدة منها إلهاء الشعب عن المطالبة بإجراء الانتخابات وتسليم السلطة، أو للحصول على دعم دولي بدعوى مواجهة جماعات إرهابية في سيناء تهدد إسرائيل.
واعتبر الناشط السياسي الراحل محمد يسري سلامة في مقال بعنوان "يوميات إجهاد الثورة" في أبريل/نيسان 2012، أن عمليات الملثم في تفجير خط الغاز جزء من أحداث كثيرة "يستعملها القائمون على إدارة البلاد والإعلام من أجل الإلهاء والتضليل والاستنزاف والإجهاد والتخويف والتسلية والتسفيه والتشتيت، وغير ذلك من وسائل إجهاض الثورة والاحتيال عليها".
صفقة العار
لم يستبعد البعض وقتها تورط إسرائيل في مثل هذه الهجمات، رغم ما يبدو من ضرر ظاهري يصيبها جراء التفجيرات وما تبعها من إلغاء صفقة الغاز، حيث كانت بداية مرحلة جديدة حصلت خلالها تل أبيب على تعويضات ضخمة وفتحت الباب أمام صفقات تصدير غاز إسرائيلي إلى مصر.
ففي أبريل/نيسان 2012 ومع التفجيرات المتتالية لخط الغاز، أعلنت الشركة المصرية القابضة للغاز إلغاء اتفاق تصدير الغاز لإسرائيل، وبرر رئيس الشركة آنذاك، محمد شعيب إلغاء الاتفاق بخلافات تجارية لا مخاوف أمنية، مشيرا إلى "إخفاق الطرف الآخر في الوفاء بالتزاماته في التعاقد".
وتزامن مع ذلك صدور حكم قضائي في يونيو/حزيران 2012 بسجن وزير البترول المصري الأسبق سامح فهمي، ورجل الأعمال حسين سالم لمدة 15 عاما لتورطهما في تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار بخسة "كبدت الدولة قرابة 715 مليون دولار"، قبل أن يتم تبرئتهما لاحقا في فبراير/شباط 2015.
لجأت إسرائيل إلى التحكيم الدولي عقب إلغاء الاتفاق، ومهدت تبرئة المسؤولين المصريين المتورطين في الصفقة الطريق أمام صدور قرار التحكيم الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2015 بإلزام مصر -ممثلة في الشركة المصرية القابضة للغاز- بدفع تعويض قدره 1.76 مليار دولار لشركة الكهرباء الإسرائيلية.
استغلت إسرائيل الغرامة المفروضة على مصر لفرض صفقة أخرى تقبل فيها تل أبيب بتخفيض التعويض الذي تدفعه القاهرة إلى نحو نصف مليار دولار، مقابل عقد اتفاقيات تلزم مصر بشراء 85 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي على مدى 15 عاما.
ووصف مسؤولون إسرائيليون تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر بأنه أهم اتفاق بين البلدين منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979.
ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في 15 يناير/كانون الثاني 2020، رغم وجود معارضة واسعة له داخل مصر، وما يمثله من مخاطر على الأمن القومي المصري وفق العديد من الخبراء، فضلا عن إعلان مصر عن اكتشافات متتالية من الغاز بما يجعلها ليست في حاجة لاستيراد المزيد.
وبينما تقول الحكومة المصرية، إن شركات خاصة هي من تستورد الغاز الإسرائيلي لنقله إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعي المسال في مصر، تفيد تقارير إعلامية بأن الشركة المسؤولة عن الصفقة تمتلكها المخابرات المصرية، على غرار رجل الأعمال الراحل حسين سالم، الذي أكد بعد ثورة يناير أن كل أعماله الخاصة في تصدير الغاز، كانت تابعة لجهاز المخابرات المصرية.
عودة الملثم
مع بدء تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر توقع الناشط الحقوقي السيناوي عيد المرزوقي أن يلجأ النظام المصري إلى الملثم مجددا، ليكون ورقة ضغط خارجية على إسرائيل لتوفير مزيد من الحماية والدعم الدولي لنظام السيسي، وداخليا لحشد الدعم الشعبي بدعوى الوقوف ضد الإرهاب.
وبالفعل، لم يمض أكثر من أسبوعين حتى وقع التفجير الجديد وعاد الملثم إلى دائرة الضوء، ورأى مراقبون أنه بجانب الأسباب السابقة، فإن هذا الحادث قد يكون ذريعة للسلطات المصرية لإخلاء مناطق سكنية جديدة في سيناء وتهجير أهلها.
ومع ورود أنباء أن الانفجار استهدف أنبوب غاز محليا وليس أنبوب الغاز الدولي، رأى البعض أن "هذا التفجير قد يكون ذرا للرماد في عيون المرتابين في توقف تفجيرات الملثم بمجرد وصول النظام الحالي للحكم".
ورأى آخرون أن مثل هذه العمليات قد يتخذها النظام الحاكم ذريعة لتبرير زيادة جديدة في أسعار الغاز، يتحمل عبئها المواطنون البسطاء.