بعد عامين من القوة الغاشمة.. لماذا لم يتوقف نزف الدم في سيناء؟

رغم إعلانات النصر المتكررة.. استهداف الجنود في سيناء متواصل
شهدت الأيام الماضية تصاعد العمليات العسكرية ضد قوات الجيش في سيناء (الجزيرة)

 عبد الله حامد ومحمد عبد الله-القاهرة

"استخدام القوة الغاشمة في مواجهة المتطرفين".. رغم هذا التكليف الحاد والمهلة التي حددها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بثلاثة أشهر فقط للقضاء على الإرهاب، فقد امتد الأمر لتدخل "العملية الشاملة سيناء 2018" عامها الثالث، وسط تصاعد هجمات المسلحين، وسقوط ضحايا من أفراد الشرطة والجيش.

وشهدت الأيام الماضية تصاعد العمليات العسكرية، بعد فترة من الهدوء النسبي، حيث شن مسلحون أول أمس هجوما على أحد الارتكازات الأمنية مما أسفر عن سقوط سبعة عسكريين بين قتيل وجريح، وفق المتحدث العسكري. في حين قالت مصادر محلية للجزيرة إن الهجوم أسفر عن مقتل ثمانية عسكريين بينهم ضابطان.

كما أفادت مصادر للجزيرة بمقتل قائد اللواء 134 مشاة ميكانيكي التابع للفرقة 18 بالجيش الثاني ومرافقه، في تفجير استهدف سيارته أمس الثلاثاء على الطريق الدولي شرق مدينة بئر العبد شمال سيناء.

بدورها قالت وزارة الداخلية إنها قامت بــ "تصفية 17 إرهابيا" في مدينة العريش بشمال سيناء أثناء "مداهمة إحدى البؤر الإرهابية" موضحة أن الأمن نجح في "إحباط مخطط إرهابي كبير خلال الفترة الحالية".

مطلع فبراير/شباط الماضي، استهدف مسلحون أحد أنابيب خط الغاز في قرية التلول شرق مدينة بئر العبد شمال سيناء بعدة عبوات ناسفة. 

ورغم ارتقاء الجيش إلى المرتبة التاسعة العالمية في تصنيف أقوى جيوش العالم -وفق موقع غلوبال فاير باور- تساءل البعض لماذا لم تنجح المهلة الزمنية ولا القوة الغاشمة ولا التطور العسكري في وقف نزف الدماء، خاصة وأن باحثين في الشأن العسكري والسيناوي يقدرون أعداد المسلحين بالمئات فقط.

نجاح أم فشل؟
يقدّر الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء محمود زاهر نسبة نجاح القوات المسلحة في تنفيذ مهامها بنحو 85% من المستهدف.

لكنه يضيف -في تصريحات للجزيرة نت- أن الاعتماد فقط على المواجهة المسلحة "يشكل استنزافا للقوات المسلحة" ويحذر من محاولة جر الجيش إلى استنزاف قدراته، قائلا "من الإستراتيجيات الدولية أنه كلما تعلو في قوتك تجد من يزيد العداء ويفرق جهودك، سواء في الغرب أو الجنوب، وهكذا".

وأشار إلى أن "سيناء مركز أساسي في الإستراتيجية الدولية بخصوصية قناة السويس والفلسطينيين، خاصة أن بها ثلاث مدن مهمة إستراتيجيا وهي بورسعيد والسويس والإسماعيلية".

 
في المقابل، قال الباحث بالشؤون العسكرية المصرية محمود جمال "الجيش المصري منذ 2011 في حالة حرب مع التمرد المسلح في شمال سيناء من خلال سبع عمليات عسكرية، آخرها كانت العملية الشاملة التي لم تحقق هدفها الرئيسي في القضاء على العمليات المسلحة". 

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن مقاتلي ما يعرف بولاية سيناء مئات وفق بعض التقارير والإحصاءات المعنية "ولكن الأزمة تكمن في اتباع الحل العسكري، وما يجري نتيجة تهميش شبه جزيرة سيناء منذ اتفاقية كامب ديفيد". 

ورأى أن تركيز الجيش على العمليات العسكرية أوجد حاضنة بين أهالي سيناء، مطالبا بتغيير الإستراتيجية الأمنية المتبعة في سيناء لأنها لم تحقق أي نجاحات، بل على العكس تضاعفت خسائر الجيش، ويقع المزيد من القتلى في صفوف الضباط الذي يشهد لهم بالكفاءة.


المعالجة الخاطئة
من جهته قال الناشط السيناوي أبو الفاتح الأخرسي "التنظيم المسلح في شمال سيناء استطاع أن يستوعب زخم الحملة العسكرية ضده منذ عامين، وبدأ في شن هجمات خاطفة وفي مناطق تم إخلاؤها من السكان تماما" مضيفا "ولا يبدو هناك أفق لوقف هذه العمليات في المنظور القريب، طالما كانت المعالجة أمنية وعسكرية فقط". 

وأوضح الأخرسي -في حديثه للجزيرة نت- أنه بمقاييس الحكومة التقليدية استطاع الجيش أن يحد من قدرة التنظيم على شن هجمات لفترات محدودة، لكن بالنظر للعمليات الأخيرة فواضح أن التنظيم أعاد ترتيب أوراقه من جديد بشن المزيد من الهجمات. 

وألقى الناشط السيناوي باللوم على السلطات لصمتها عن ما قال إنها "انتهاكات متواصلة ترتكب بحق أهالي سيناء في ظل غياب مبدأ العقاب بحق من يأمر بها أو يرتكبها" مطالبا بضرورة تقديم أرواح السيناويين على أي هدف عسكري.

 
بدوره قال الناشط السيناوي عيد المرزوقي إن الحادث الأخير يؤكد فشل خطط إنهاء الحرب، مما يضاعف المأساة بشكل عام على الأهالي وعلى الجنود ضحايا هذه الخطط.

واعتبر المرزوقي -في حديثه للجزيرة نت- أن ما أسفرت عنه العملية الشاملة حتى الآن هو تآكل مدن سيناء وتدمير شبه كامل للاقتصاد، لافتا إلى أن مزارعي مدينة بئر العبد لا يستطيعون الذهاب إلى مزارعهم نتيجة التشديد الأمني هناك، مما ألحق بهم خسائر مهولة في موسم جنى الزيتون، علاوة على أن مدينتي رفح والشيخ زويد "لم يبق بهما زرع قائم".

وطالب بضرورة إيجاد مسار وعلاج جديدين لأسباب الإرهاب، وذلك عبر التفريق بين من قُتلت عائلته فتحول إلى طالب ثأر، وبين صاحب فكر داعشي (تنظيم الدولة) فالأول -رأيه- يمكن علاج أزمته بالتعويضات والمصالحات وإعادة بناء الثقة، لا اتباع سياسة الأرض المحروقة بحق الجميع.


صفقة القرن
في سياق متصل، ذهب البعض لاتهام المستفيدين من تطبيق "صفقة القرن" بتدبير العمليات، حيث قال الناشط السياسي سامح أبو عرايس "لم يستغرب زيادة العمليات الإرهابية في سيناء الأيام القليلة الماضية بعد توقفها لفترة" واعتبرها ردا على رفض مصر صفقة القرن في كلمتها بالجامعة العربية وتأكيدها على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

وفي منشور عبر موقع فيسبوك، قال الناشط المعروف بتأييده للحكومة "الإرهاب في سيناء تقف وراءه إسرائيل ومن يدعمونها للضغط على مصر للقبول بصفقة القرن والتطبيع والقبول بالقدس عاصمة لإسرائيل".

ويعود المرزوقي قائلا إن ما يجري في سيناء "كان منذ البداية مرتبطا بمشروع الوطن البديل والمناطق العازلة لصالح أمن إسرائيل، وكذلك لتحقيق مصالح اقتصادية بين إسرائيل والنظام، مثل خطوط الغاز وخلافه".

وأضاف "عزز ذلك اتساع قاعدة العنف وتفريغ المنطقة من سكانها والاستيلاء على أراض شاسعة بها ثروات ربما ستقام عليها مشاريع ضمن صفقة القرن".

 
ومن جانبه، يستبعد الخبير في الحركات المسلحة أحمد مولانا وجود ارتباط بين الحدثين "فالعمليات لم تستهدف الكيان الصهيوني، كما أن سيناء خارج مقترحات الصفقة".

لكن مولانا يقرأ في وقوع العمليات الأخيرة بالتزامن مع ذكرى مرور سنتين على بدء العملية الشاملة "رسالة بأن ولاية سيناء مازالت فاعلاً في المشهد السيناوي، وأن النظام المصري لم ينجح في اقتلاعها من سيناء".

وفي حديثه للجزيرة نت، قال إن الإعلان -عن أن منفذي حادث استهداف كمين الشيخ زويد أربعة بينهم اثنان من غزة- رسالة أخرى بأن العناصر الغزاوية مازالت فاعلة في سيناء، بالرغم من التنسيق بين حركة حماس والنظام المصري لضبط الحدود.

وفي تفاصيل الهجمات الأخيرة ما يستدعي للأذهان عمليات سابقة موسعة، يشن خلالها التنظيم هجمات متوازية على عدد من الكمائن (نقاط التفتيش) المتقاربة بهدف التشتيت، ثم ينقض مسلحوه على الكمين المستهدف أساسا -وهو كمين زلزال 15 في المرة الأخيرة- لاقتحامه.

وطالت هجمات المسلحين ضمن الهجمات الأخيرة رتباً كبيرة في الجيش، بحسب تدوينات لأقارب لهم، لم ترد إشارات عنهم في البيانات الرسمية.

وأعقب الهجوم على كمين زلزال 2 قصف بالطائرات على عدة مناطق بشمال سيناء في ظل انقطاع تام للكهرباء والاتصالات، وفق إفادات سكان محليين.

المصدر : الجزيرة