عراقيل عديدة تعترضها.. هل ستجري الانتخابات العراقية في موعدها منتصف 2021؟

IKRG parliamentary elections
نواب عراقيون يرجحون إرجاء الانتخابات جراء المعضلات التي تواجهها (الأناضول)

يدرك العراقيون أن عام 2021 قد يكون الأهم منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، إذ وفقا للتعهدات الحكومية، فإن انتخابات تشريعية مبكرة ستجرى في 6 يونيو/حزيران القادم، بعد أن أدت المظاهرات الشعبية التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي ومجيء حكومة مصطفى الكاظمي، التي جعلت الانتخابات على رأس أولوياتها.

ورغم أن الحكومة ماضية في التحضير للانتخابات؛ إلا أن عراقيل عديدة ما زالت تعترضها وسط تأكيد حكومي على إجرائها وتوقعات باحتمالية تأجيلها.

العزاوي يرى أن قانون الانتخابات الجديد لا يحد من التزوير (الجزيرة)

الانتخابات أم التأجيل؟

توقعات كثيرة ترصدها الجزيرة نت من خلال العديد من أعضاء مجلس النواب العراقي؛ إذ يرى النائب عن تحالف القوى العراقية، رشيد العزاوي، أن الجميع يريد إجراء الانتخابات في موعدها، غير أن معضلات كبيرة تعترض ذلك، مشيرا أن قانون الانتخابات الجديد لا يحد من التزوير، الذي حصل في انتخابات عام 2018.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد العزاوي، الذي يشغل منصب الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي، أن الانتخابات ستؤجل حتى أكتوبر/تشرين الأول 2021؛ بسبب العراقيل والضبابية، التي تعترض إجراءها في موعدها المقرر.

إعلان

أما الرأي الحكومي، فجاء على لسان مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات، عبد الحسين الهنداوي، الذي يرى أنه لا يوجد عوائق أمام إجرائها بموعدها المعلن، وأن قانون الانتخابات بات جاهزا ونافذا بعد نشره في الجريدة الرسمية، فضلا عن إقرار البرلمان مؤخرا قانون تمويلها.

وبحسب حديث الهنداوي للجزيرة نت، فإن مفوضية الانتخابات ماضية في إكمال متطلباتها فيما يتعلق بالتحضيرات اللوجستية وإصدار البطاقات الوطنية للتعريف بالناخب المعروفة بالبطاقة البايومترية (تعتمد على بصمتي العين والإصبع) وجدولة بقية الإجراءات، كاشفا عن ازدياد عدد أعضاء الفريق الانتخابي الأممي يوما بعد آخر.

وبالذهاب إلى الكتلة الكردية، يكشف النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شيروان الدوبرداني عن كثير من العراقيل، التي قد تقف أمام إجراء الانتخابات في موعدها، خاصة ما يتعلق بالمفوضية والوضع الأمني والاستهداف المتكرر للسفارة الأميركية ببغداد وأرتال الدعم اللوجستي التابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة واغتيال الناشطين.

طلوبي رجح تأجيل الانتخابات إلى عدة أشهر بعد موعدها المعلن (الجزيرة)

ليس هذا فحسب، حيث يشير الدوبرداني في حديثه للجزيرة نت إلى وجود توجه برلماني لتأجيل الانتخابات حتى أكتوبر/تشرين الأول القادم من أجل الشروع في تعديل قانون مجالس المحافظات المنحلة عام 2019، وبالتالي إجراء الانتخابات التشريعية ومجالس المحافظات (مجالس الحكم المحلي) في موعد واحد لتخفيف الأعباء الاقتصادية.

ومن خلال ما سبق، يبدو أن هناك قناعة برلمانية بأن تأجيل الانتخابات قادم لا محالة، فكتلة "سائرون" التابعة للتيار الصدري تبدي هي الأخرى ترجيح تأجيل الانتخابات حتى أكتوبر/تشرين الأول أو ديسمبر/كانون الأول القادم، بحسب النائب صباح طلوبي.

وعن إصرار الحكومة على إجرائها في موعدها، فإن البرلمان أوفى بما عليه عبر سن قانوني الانتخابات الجديد والتمويل؛ غير أن الأزمة المالية الحالية، التي بدأت تتفاقم قد تدفع لتأجيلها عن موعدها المعلن، وفق ما صرّح به طلوبي للجزيرة نت.

التميمي قال إن البرلمان لم يكمل بعد شروط عقد الانتخابات (الجزيرة)

ما العوامل المؤثرة؟

تبرز العديد من العوامل المؤثرة في عقد الانتخابات العراقية في موعدها، بحسب الخبير القانوني علي التميمي، الذي يرى أن البرلمان لم يكمل شروط عقد الانتخابات، فالمحكمة الاتحادية المخولة بالتصديق على نتائج الانتخابات ما تزال معطلة؛ بسبب فقدان نصابها القانوني بعد وفاة أحد أعضائها وتقاعد اثنين آخرين.

وبالتالي، على البرلمان أن يشرِّع قانونا جديدا للمحكمة الاتحادية أو تعديل قانونها النافذ رقم (30) لعام 2005، مشيرا إلى أن أسهل الطرق يكمن في تعديل القانون الساري المفعول للخروج من هذه المعضلة، بحسب التميمي.

ويضيف للجزيرة نت أنه لا يمكن إجراء انتخابات مبكرة ما لم يحلّ البرلمان نفسه قبل شهرين من موعدها المقرر، وذلك وفق المادة (64) من الدستور العراقي، معلقا أن الكتل السياسية لا تأمن أن يحل البرلمان خوفا من المجهول، وبالتالي تبقى ورقة المحكمة الاتحادية الحجة السياسية داخل البرلمان لتلافي الوصول لمرحلة حله.

إعلان

من جانبه، يرد الهنداوي على معضلة المحكمة الاتحادية، معلقا بأنها ليست بذاك التعقيد، وأن بإمكان مجلس النواب حلّها خلال فترة قصيرة، خاصة أن الفترة المتبقية للانتخابات طويلة نسبيا، وتزيد عن 6 أشهر، وهي كافية إذا ما أخذ بعين الاعتبار التجارب الانتخابية السابقة.

وبالعودة إلى العزاوي، حيث يشير إلى مشكلة بطاقات الناخب الإلكترونية، وخشية العراقيين من تكرار تجربة انتخابات عام 2018 التي وصفها بـ"المزورة"، معتقدا أنه ما لم يتم الاعتماد على البطاقات البايومترية، فإن الانتخابات ستشهد تزويرا كبيرا، خاصة أن المفوضية كانت قد أعلنت عن فقدان 1.5 مليون بطاقة ناخب إلكترونية.

الهنداوي يرى أن المحكمة الاتحادية ليست معضلة، ويمكن للبرلمان حلّها خلال فترة قصيرة (الصحافة العراقية)

ما موقف العراقيين؟

ينقسم العراقيون في نظرتهم للانتخابات المبكرة، فمنهم من يرى ضرورة إجرائها لتثبيت بعض المكتسبات، التي جاءت بها مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، وآخرون يرونها ذرا للرماد في العيون، وأنها لن تختلف عن سابقاتها.

وفي هذا الصدد، يقول الناشط من ساحات التظاهر ببغداد، حامد مجيد، إن الانتخابات المبكرة لن تحقق الكثير، وإن الوعود التي أطلقتها حكومة الكاظمي لم تنفذ، ولم يُحاسَبْ قتلة المتظاهرين، ولم تسيطر الدولة أو تضبط السلاح المنفلت.

ووفق مجيد، الذي تحدث للجزيرة نت، فإن جميع الكتل السياسية الحالية تخشى الانتخابات، وتعمل على تأجيلها، فضلا عن أن قانون الانتخابات الجديد لن يلبي طموح العراقيين، بحسب تعبيره.

على الجانب الآخر، يخالف الناشط حيدر حسين التوجه الأول، ليشير إلى أن الانتخابات تعد فرصة سانحة للعراقيين للتعبير عن رؤيتهم بشكل أكبر من جميع سابقاتها، وأن قانون الانتخابات متعدد الدوائر سيحدد المرشحين عن كل دائرة، ولا يخفي في حديثه للجزيرة نت رغبته المشاركة فيها، قائلا "حتى لو لم تحقق جميع تطلعات العراقيين، فإنها ستغير من الوجوه السياسية بما لا يقل عن 50%".

إعلان

من جهته يقول مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة "غالوب" (Gallup) الأميركية للأبحاث، منقذ داغر، إن "من الناحية العملية لن تكون هناك انتخابات في موعدها، ولا في عام 2021 بصورة عامة، وجميع الكتل السياسية مقتنعة، وتعمل على ذلك".
ويرى داغر في تعليقه للجزيرة نت أن هناك أسبابا موضوعية تتعلق بالتحضيرات اللوجستية والمحكمة الاتحادية والشارع العراقي الغاضب واحتمالية عزوفه عن المشاركة، كلها تجعل من الأحزاب مقتنعة بضرورة تأجيلها.

داغر يرى أن هناك أسبابا موضوعية تجعل الأحزاب السياسية مقتنعة بضرورة تأجيل الانتخابات (مواقع التواصل)

ما حدود التأثير الإيراني والأميركي؟

ومع قرب تولي الإدارة الأميركية الجديدة سدة البيت الأبيض، يرى داغر أن التأثير الأميركي ليس واضحا بعد، ولا يمكن التنبؤ به، إذ إنه يعتمد على عوامل عديدة، منها تعامل الإدارة الأميركية الجديدة مع الملف العراقي، وما قد يطرأ في الداخل الإيراني.

وعن تلك العوامل، يوضح داغر أن الوضع الصحي للمرشد الإيراني علي خامنئي، وإمكانية غيابه عن المشهد سيؤثر في مجمل الملف العراقي والإقليمي، وبالتالي فإن جميع الاحتماليات واردة، منبها إلى تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران إثر استهداف السفارة الأميركية ببغداد مع قرب حلول الذكرى الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، قبل نحو عام.

ويخالف هذا الاستقراء الباحث السياسي، غانم العابد، مشيرا أن التأثير الإيراني في الانتخابات القادمة سيكون أقل حدة بفضل المظاهرات الشعبية الأخيرة، وبالتالي ستستعى إيران للحفاظ على بعض نفوذها بدون أي إمكانية لتعزيزه.

وبالعودة إلى صباح طلوبي، فيؤكد أن الجهات الخارجية تتلاعب بالبلاد منذ عام 2003، وأن إبعاد التدخلات الخارجية عن الانتخابات، وعدم تحريك شخصيات محسوبة على جهات خارجية سيؤدي إلى انتخابات أكثر شفافية، وبغير ذلك سيظل العراق ساحة للصراعات، بحسب تعبيره.

الحمداني: الأشهر القادمة قد تكون حبلى بالمفاجآت في شتى المجالات (الجزيرة)

ما وضع الكتل السياسية؟

تعد الانتخابات القادمة الأكثر غموضا في إمكانية استقراء نتائجها، إذ إنها تأتي مخالفة لجميع الدوارات الانتخابية السابقة، فقانون الانتخابات الجديد يختلف جذريا عن سابقه، فضلا عن أن هناك اعتقادا واسعا لدى الكتل السياسية بأن الجمهور العراقي لم يعد ذلك الجمهور، الذي كانت الكتل السياسية تسيره وفق ما تريد.

إعلان

ويؤكد هذا الطرح النائب صباح طلوبي، الذي يعتقد أن كثيرا من الوجوه السياسية ستختفي في الدورة البرلمانية القادمة، فضلا عن أن البرلمان الجديد سيشهد استبدال 90% من أعضائه، عازيا ذلك للقانون الجديد، وتأثيره في مناطق نفوذ الأحزاب.

من جهته، يعتقد الصحفي رياض الحمداني أن الوضع السياسي في العراق غاية في التعقيد، وأن البلاد الآن تعيش مخاضا عسيرا، وأن الأشهر القادمة قد تكون حبلى بالمفاجآت في شتى المجالات.

ولا يستبعد الحمداني في حديثه للجزيرة نت خروج مظاهرات شعبية كبيرة على غرار ما حدث في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 مع مطالبات أوسع وأشمل، مشيرا إلى الأزمة الاقتصادية الحالية، التي باتت أقسى مما سبق.

ويخلص الحمداني إلى أن الانتخابات القادمة سواء أجريت في موعدها أو تم تأجيلها؛ إلا أنها تتصف بصعوبة استقراء وضع الكتل السياسية فيها، في ظل التعقيدات الداخلية والإقليمية، فضلا عن قانون الانتخابات الجديد متعدد الدوائر، الذي لم تجرب هذه الكتل مكامن نفوذها معه.

المصدر : الجزيرة

إعلان