المصالحة الخليجية على الأبواب.. أزمة الصيادين تعري سياسات النظام الحاكم في البحرين
محمد السيد-الجزيرة نت
بعد قرابة عقدين على طي الخلاف الحدودي بينهما بقرار من محكمة العدل الدولية، أثار افتعال البحرين لأزمة الصيادين مع قطر جدلا واسعا في أوساط المهتمين والمتابعين للأزمة الخليجية، وذلك في خضم الجهود الهادفة لإنهاء الأزمة خلال مباحثات القمة الخليجية المزمع عقدها في 5 يناير/كانون الثاني المقبل بالرياض.
فقد أجمع محللون ونشطاء بحرينيون على أن النظام الحاكم في المنامة يستغل المواطنين ومشاكلهم لمهاجمة دولة قطر عبر أزمة الصيادين المفتعلة، التي يهدف من خلالها إلى ضرب المصالحة الخليجية، والهروب من الإقرار بكذبه وأخطائه السياسية.
ووصفوا اتهامات البحرين لقطر في أزمة الصيادين بمحاولة الهروب ورمي المسؤولية على الغير، كما تكشف ما سموه زيف ومراوغة المنامة، التي تركز جل اهتمامها على البحث عن كيفية وضع العراقيل أمام المصالحة الخليجية، والترويج بأن الدوحة تتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.
وأرجع المحللون، خلال ندوة بعنوان "معاناة الصيادين في البحرين على صفيح الخلافات الإقليمية" عقدت عبر التواصل المرئي، الأزمة إلى السياسات الفاشلة للنظام الحاكم في المنامة على مدار عقود، والتي تسببت بتدميرٍ، أفقد السواحل البحرينية مقوماتها البيولوجية بصورة ظهرت نتائجها السلبية من خلال القضاء على المصائد الطبيعية، وانخفاض مخيف في الثروة السمكية، وتدمير تام لبيئة أشجار القرم.
وأوضح الناشط السياسي البحريني، عبدالغني الخنجر، أن النظام الحاكم في البحرين يستغل المواطنين وأزماتهم من أجل تحقيق مصالحه السياسية، متسائلا عن مكان النظام الحاكم عند وفاة الصياد الراحل محمد حيان؟ ولماذا اختلف موقفه الآن من القضية ووجه الاتهام لدولة قطر؟.
وقال الخنجر للجزيرة نت إن الشعب البحريني بريء من النظام الحاكم في المنامة، الذي لم يراع أن أهل الخليج أشقاء وأخوة تربطهم علاقات قرابة ونسب، كما لم يراع الأعراف والتقاليد العربية والتعاليم والمفاهيم الدينية.
وأضاف أن أزمة الصيادين مفتعلة، وهي محاولة من النظام الحاكم في البحرين لتأجيج الصراع الخليجي في ظل اقتراب المصالحة، ومساومة القطريين لتحقيق بعض المكاسب، خاصة أن ترسيم الحدود بين المنامة والدوحة تم منذ فترة في إطار دولي وبموافقة الدولتين.
ودار نزاع حدودي لسنوات طويلة بين قطر والبحرين على المياه والجزر الصغيرة، وتم حله من محكمة العدل الدولية في 2001؛ لكن بعد الأزمة الخليجية في 2017 حدثت اتهامات خرق الحدود وتوقيف صيادين.
ويرى الخنجر، الناطق باسم حركة "حق" المعارضة، أن أسوأ ما في النظام البحريني هو فرض البؤس والشقاء على المواطنين، واستخدامهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فضلا عن الحنث بجميع وعوده في توفير أراض ومساكن لهم، بجانب حرمانهم بلادهم واقتصار دخولهم إلى 4 جزر فقط من أصل 33 جزيرة، تحول أغلبها إلى ملكية خاصة للعائلة الحاكمة والمتنفذين.
أزمة مستعصية
"وش لك بالبحر وأهواله ورزق الله على السيف"، بهذا المثل المتوارث عن الأجداد تحسر الناشط البيئي والحقوقي البحريني جعفر يحيي على أحوال الصيادين في بلاده، فبعدما كانت الأسماك وفيرة على الشواطئ، باتوا الآن يقطعون مسافات بعيدة في عرض البحر في محاولة للبحث والصيد.
واعتبر جعفر -البحار السابق- أن أزمة الصيادين ليست لها علاقة بدولة قطر، وأنها مستعصية منذ سنوات، وأن السبب الأساسي فيها هو عدم قيام الحكومة البحرينية بمسؤوليتها في المحافظة على البيئة البحرية والثروة السمكية، فضلا عن فتح المجال لشركات الحفر والدفان (ردم البحر)، التي قامت بتدمير الأماكن الغنية بالأسماك، بالإضافة إلى تحويل غالبية الجزر لملكيات خاصة.
وأضاف أن الصيادين في البحرين محاصرون في منطقة الشرق باتجاه قطر، وفي منطقة الشمال باتجاه إيران فقط، وهي منطقة صغيرة جدا لا تكفي لممارسة الصيد مع وجود 1300 رخصة، الأمر الذي يعطي الأفضلية لشركات الصيد الكبيرة مقارنة بالصيادين، الذين ينسحبون يوما بعد يوم في ظل عدم قدرتهم على مقاومة هذا التحدي.
وأوضح جعفر أن كل محاولات جمعية الصيادين ذهبت سدى، وكل مطالبهم بتقليص رخص الصيد وإيقاف الدفان اصطدمت بسياسات الأسرة الحاكمة وولي العهد، التي تركزت على الإثراء من المشروعات الاستثمارية على حساب البيئة البحرية.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، حذرت دولة قطر مرارا من أنها لن تسمح باختراق حدودها البحرية، وأكدت حقها في التعامل بالطرق القانونية مع هذه التجاوزات.
وكانت المنامة قد أكدت في 2010، أن إجراءات قطر تجاه الصيادين البحرينيين المخالِفين "متوافقة" مع القانون الدولي.
التدمير الممنهج
بدوره، أكد الناشط السياسي البحريني محمد صالح أنه لا يمكن رمي عقود من إهمال الثروة السمكية على الخلاف بين البحرين وقطر، وأن مشكلة الصيادين أزمة داخلية تتعلق بالطريقة، التي يدير بها رموز الحكم موضوع الثروة البحرية، والتي وصفها بالتدمير الممنهج من أجل إفقار المواطن وقطع مصادر رزقه.
وأوضح أن سياسة النظام في البحرين هي الهروب من المشاكل، ورميها على دول الجوار سواء كانت إيران أو قطر؛ لكن يجب على النظام أن يعالج مشاكله، ويراجع سياساته الداخلية لإيجاد حل لمشكلة الصيادين.
هذا النظام لا يراعي مصالح شعبه ولا أمنه الغذائي والاقتصادي والسياسي، وافتعل أزمة الصيادين في هذا التوقيت وصدرها إلى الواجهة بهدف إثارة الفتنة بين دول الخليج، والهروب من المصالحة مع قطر، وعدم الإقرار بكذبه وفشل سياسته في الأزمة الخليجية، وفقا لصالح.
وشدد على أن المشاكل، التي سببها النظام الحاكم في البحرين في ظل عدم وجود الرقابة على السلطة التنفيذية، عميقة ولا يمكن أن تحل؛ إلا من خلال سلطة منتخبة من الشعب.
فيما اعتبر الناشط السياسي البحريني الدكتور سعيد الشهابي أن أزمة الصيادين هي وجه آخر لمحنة الشعب البحريني كله، ولن تحل هذه الأزمة إلا بزوال النظام الحاكم، الذي تهدد سياساته في القضاء على تاريخ وحضارة البحرين.
وقال الشهابي إن سياسات النظام الحاكم أصبحت عصية على الإصلاح، حيث إنها تهدف إلى القضاء على تراث وثقافة البلاد والحرف الحقيقية خاصة الصيد، واستبدال السكان الأصليين بسكان أجانب يخضعون للسلطة.
وأضاف أن النظام الحاكم لديه عقدة مع كل ما يعود إلى التاريخ الحقيقي لدولة البحرين، حيث إن النظام لا يريد إلا تاريخ آل خليفة، الذين فتحوا البلاد وبنوها وعمروها.
وتتجه البحرين إلى المشروعات الاستثمارية على حساب البيئة البحرية، والأسوأ من ذلك أن عمليات الدفان، التي تتم بطريقة غير مدروسة وغير قانونية، تسببت بخلو البلاد من المياه الجوفية النظيفة، وفقا للشهابي أمين حركة أحرار البحرين المعارضة.