الهند.. الفلاحون يحاصرون نيودلهي وحكومة مودي تواجه أزمة جديدة
دخل إضراب الفلاحين الهنود، اليوم الاثنين، يومه الخامس ضد سياسات حكومة رئيس الوزراء ناريندار مودي الزراعية، والتي يصفونها بأنها معادية لهم ومؤيدة للشركات التجارية الكبرى، وأصبحت نيودلهي تحت الحصار بعد إغلاق مداخلها لمنع دخول الفلاحين الغاضبين.
ويحيط مئات آلاف الفلاحين بالعاصمة الهندية بعد توقيف آلاف الجرارات والسيارات والباصات، التي كانت تقلهم من 6 ولايات متاخمة للعاصمة عند حواجز أقامتها الشرطة على كل الطرق، وهي تستخدم العصي والغازات المسيلة للدموع ومضخات المياه؛ لمنع تقدم المتظاهرين، الذين قرروا أن يعسكروا على مداخل نيودلهي رغم البرد القارص.
وإلى جانب هؤلاء، تم منع أعداد كبيرة من الفلاحين من التحرك نحو نيودلهي من عدة ولايات بوسط وجنوب الهند، وذلك بإقامة الحواجز على الطرق الرئيسية، وهم يتظاهرون على طرق رئيسية في ولاياتهم، مما عطل حركة النقل بصورة كبيرة في أنحاء البلاد.
وكانت المظاهرات قد اندلعت في بعض الولايات، وخصوصا ولاية البنجاب (شمالا)، حيث جلس آلاف الفلاحين على خطوط السكك الحديدية والطرق العامة منذ شهرين، مما عطل المرور بصورة تامة.
وحين لم تستجب لهم الحكومة المركزية قرروا الزحف نحو نيودلهي لأجل الضغط على حكومة مودي.
وأعلن الفلاحون أنهم سيستمرون في حصارهم للعاصمة الهندية إلى أن تستجيب الحكومة لمطالبهم.
أزمة متجددة
وتعد مظاهرت الفلاحين أمرا معهودا في الهند؛ إلا أن المظاهرات الحالية تعد الأكبر من نوعها فى تاريخ البلد.
وكانت مظاهرات مماثلة قد اندلعت في ولاية البنجاب سنة 1976 ضد لوائح الحكومة، التي كانت تمنع الفلاحين من بيع منتوجاتهم الزراعية خارج ولايتهم، ومن ذلك الوقت سمح لهم ببيع منتوجاتهم في أي مكان بالهند.
والسلطات تقرر الحد الأدنى لأسعار بعض المنتوجات مثل الرز والقمح؛ مما يحمي مصالح الفلاحين في بلد يشهد تقلبات كبيرة في أسعار المواد الغذائية حسب وفرة أو ندرة العرض.
وبدلا من أن يستمع إلى مطالب الفلاحين، زعم رئيس الوزراء مودي في خطابه الإذاعي، يوم السبت، أن القانون الزراعي الجديد استجاب لمطالبهم، وأنه فتح أمام الفلاحين إمكانات لم تكن متاحة لهم من قبل، وأنه جاء استجابة لمطالبهم القائمة منذ زمن طويل.
وهذا هو التحدي الكبير الثاني الذى تواجهه حكومة مودي خلال هذه السنة، إذ سبق أن استمرت المظاهرات ضد قانون الجنسية المجحف بحق المسلمين لأكثر من 3 أشهر في بداية العام، ولم يتمكن من تفريقها سوى باستغلال اللوائح لكبح جائحة كورونا فى نهاية مارس/آذار.
وقبل يوم من بدء الزحف نحو العاصمة، حرق الفلاحون دُمى تمثل مودي مع رجال أعمال كبار فقزت ثرواتهم عشرات المرات خلال حكم مودي.
وكان حرق الدمى بمناسبة عيد دسهرا، الذي تحرق فيه دمية الملك رافانا الشرير، حسب الأساطير الهندية، ما يعني أن الفلاحين ينظرون إلى مودي كحاكم شرير.
مطالب المحتجين
وتكتسب هذه المظاهرات أهمية خاصة؛ لأن الهند بلد زراعي، فنحو 80% من سكانها مرتبطون بالزراعة.
وأهم سبب للاحتجاجات الحالية هو سماح القانون الجديد للشركات الخاصة بفتح أسواق زراعية خاصة بها في أي منطقة، مع إشارات من مسؤولين إلى أن الحكومة ستغلق الأسواق الزراعية الحكومية تدريجيا؛ مما يعني أن الأسواق الخاصة ستبقى وحدها بعد سنوات قليلة في الميدان.
ويرى الفلاحون أن هذا التغيير سيؤدي إلى سيطرة الشركات الكبرى على الأسواق الزراعية وفرض أسعار هابطة على الفلاحين.
وهم يطالبون بإلغاء هذه الأسواق الخاصة، وتعميم سياسة تحديد الأسعار الأدنى للمنتوجات الزراعية في كل أنحاء الهند.
ويخاف الفلاحون من خصخصة القطاع الزراعي في إطار سياسة مودي الرامية إلى خصخصة قطاعات كثيرة تدريجيا، وقد بدأ بالفعل بيع شركات حكومية كبيرة، مثل منظومة القطارت والمطارات، رغم اعتراضات شديدة على هذه السياسة.
معاناة الفلاحين
والقطاع الزراعي هو القطاع الوحيد الذي سجل تقدما بنسبة 3.4%، بينما سجل الاقتصاد الهندي بمجمله انكماشا بنسبة 24% في ظل جائحة كورونا.
ورغم هذا، يظل القطاع الزراعي مهملا تماما حيث لا تصل إلى الأرياف الخدمات الطبية والتعليمية والمصرفية إلا نادرا.
وأظهرت دراسة نشرها مؤخرا مركز دراسة المجتمعات النامية أن نحو 76% من فلاحي الهند يريدون ترك مهنتهم؛ بسبب قلة الأرباح والانتقال إلى مهن أخرى في المدن.
وتظهر أخبار من وقت لآخر عن انتحار فلاحين؛ لثلاثة أسباب رئيسية، وهي فشل مواسم زراعية، وتدني قيمة محاصيل زراعية معينة في بعض المواسم بسبب كثرة الإنتاج، وعجز الفلاحين عن دفع ديونهم التي يأخذونها من مرابين محليين بنسب عالية جدا، بينما تحجم البنوك العادية عن إقراض صغار الفلاحين.
وتقول أرقام السجل القومي الهندي للجرائم إن أكثر من 296 ألف فلاح انتحروا منذ سنة 1995، وفي ولاية ماهاراشترا وحدها انتحر 60 ألفا خلال سنة 2014؛ أي بمعدل 160 انتحارا كل يوم، بسبب تدني قيمة محاصيلهم وفشلهم في تسديد ديونهم للمرابين.
وأبدى وزير الداخلية أميت شاه استعداده للتباحث مع مندوبي منظمات الفلاحين الشهر القادم، بشرط أن ينقلوا إضرابهم إلى ميادين حددتها الحكومة؛ لكن المتظاهرين رفضوا هذا العرض قائلين إن الميادين ستتحول إلى سجون لهم.
ويمكن التكهن بأن حصار الفلاحين للعاصمة سيطول، ولن ينتهي إلا بعد استجابة الحكومة الهندية لمطالبهم.