"مستقبل وطن".. حزب السيسي أم ظهير الدولة؟

مسموح فقط بالبيع في الشوارع لمؤسسات السلطة الأمنية والسياسية. (تصوير خاص لمنفذ بيع تابع لحزب مستقبل وطن القريب من السلطة ـ 2019).
حزب مستقبل وطن ينفي كونه حزب الرئيس لكن معارضين يرونه كذلك (الجزيرة)

يحظر الدستور المصري أن يترأس رئيس الدولة حزبا سياسيا، لكن "مستقبل وطن" يبدو على أرض الواقع حزب السلطة والرئيس عبد الفتاح السيسي، كما يقول معارضون يرون أنه نسخة معدلة لما كان يعرف في السنوات الماضية بـ "ائتلاف دعم مصر".

بالضغط على أيقونة التعريف بحزب "مستقبل وطن"، الأبرز حاليا في مصر، عبر موقعه الإلكتروني، تظهر صورة كبيرة للسيسي في الواجهة، وقبل نحو أسبوعين تم انتخاب رئيس الحزب عبد الوهاب عبد الرازق رئيسا لمجلس الشيوخ الذي يمثل الغرفة الثانية للبرلمان المصري.

وسيطر حزب مستقبل وطن على نحو 70% من مقاعد مجلس الشيوخ، كما أن مرشحيه حققوا انتصارات كبيرة في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب (الغرفة البرلمانية الأولى)، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، علما بأن المرحلة الثانية الأخيرة تجري حاليا.

وتعزز دلائل الفوز المتوقع للحزب في انتخابات مجلس النواب اعتقادا يكرره مغردون، أغلبهم معارضون، على نطاق واسع بأن "مستقبل وطن" هو "حزب السيسي". ويقول هؤلاء إن الحزب "يكرر تجربة الحزب الوطني، الذي ترأسه الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981-2011)، وكانت ممارساته سببا في الإطاحة به في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

كما يرون أن الحزب يتلقى "دعما كبيرا من الدولة لإدارة الحياة البرلمانية والسيطرة عليها، في ظل استحواذ متوقع على المجلسين البرلمانيين".

لا انفراد بالسلطة

ردا على بعض هذه الدلائل، قال "مستقبل وطن"، عبر بيان في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إنه لا "يسعى إلى أن يكون شبيها لأي أحزاب، لا في الشكل أو الأداء السياسي بأي حال من الأحوال". وشدد على أنه "يرفض تماما أن يُعاد إنتاج أشكال وأساليب سياسية قديمة"، وأنه "حريص على مصلحة مصر وشعبها".

كما تحدث الحزب عن أنه "يريد حياة سياسية بعيدة كل البعد عن أي مغالبة سياسية أو انفراد بالسلطة"، علما بأنه ينفي منذ نشأته عام 2014، وعبر أكثر من تصريح لمسؤوليه، كونه حزبا للرئيس أو مقربا منه.

أما من زاوية الدولة، فالسيسي منذ أن تولى الرئاسة عام 2014 يرفض أن يترأس حزبا، وعن دور الدولة في دعم الأحزاب السياسية قال في تصريح للصحفيين يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2019 إن "الدعم السياسي موجود"، وأضاف "أنا لست طرفا ضد أحد، وليس عندي حزب حاكم (..) هناك أكثر من 100 حزب، ممكن يكونوا 4 أو 5 كيانات"، في إشارة إلى دمج الأحزاب.

الرؤساء والأحزاب

ووفق المسار الذي يعتمده السيسي حتى الآن، فهو أول رئيس لمصر لا يقف خلفه تنظيم أو حزب سياسي معلن، فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر (1956-1970) أسس "الاتحاد الاشتراكي" في 4 يوليو/تموز 1962، كتنظيم موحد يقود الحياة السياسية بمصر.

وكذلك أسس الرئيس الراحل أنور السادات (1970-1981) الحزب الوطني في 1978 بعد تجربة لحزب مصر، واستمر في عهد مبارك، حتى حله بحكم قضائي بعد ثورة 2011.

كما انتمى الرئيس الراحل محمد مرسي (2012-2013) لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، قبل حل الأول وحظر الثانية، عقب الإطاحة بمرسي من الرئاسة صيف 2013 في انقلاب عسكري قاده السيسي عندما كان وزيرا للدفاع.

ولا يمكن تغيير المسار الذي يتحدث عنه السيسي إلا بتعديل دستوري، فالمادة 140 من الدستور المصري تنص على أنه "لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة". ولم تُمس تلك المادة في تعديلات دستورية أُقرت في 2019، وسمحت للرئيس بإمكانية البقاء في السلطة حتى بعد 2030.

من ائتلاف إلى حزب

مع حلول انتخابات برلمان 2015، كان ائتلاف "دعم مصر"، المكون من قائمة مستقلين وأحزاب بينها "مستقبل وطن"، هو أكبر كتلة برلمانية، واعتُبر الائتلاف آنذاك الداعم الأول للسيسي، ومع تواتر الحديث في الشهور الأولى من 2018 عن اتجاه لتحويل الائتلاف إلى حزب سياسي، ظهرت معارضة قانونية وسياسية من مؤيدين للنظام.

فتغيير عضوية النائب من ائتلاف إلى حزب سيصطدم بالمادتين (110) من الدستور و(6) من قانون مجلس النواب، وهما تنصان على إسقاط عضوية النائب حال تغير أحد شروط العضوية، كالصفة أو الانتماء الحزبي اللذين انتُخب على أساسهما.

وقال الإعلامي والبرلماني آنذاك، مصطفى بكري، المقرب من السلطة، في تصريح إن "تحويل (ائتلاف) دعم مصر لحزب سياسي (هو) استهانة بالدستور وانحراف تشريعي، ومجلس النواب لن يعد قوانين لمصلحة أحد".

ومتطرقا آنذاك لما يبدو أنه المخرج الذي اتجه إليه النظام، أضاف بكري "إننا بحاجة إلى تواجد ظهير سياسي للدولة المصرية".

ظهير سياسي

بالفعل، انتهت مرحلة برلمان 2015، وكان ائتلاف "دعم مصر" متصدرا مشهد دعم الرئيس والدولة. وفي المرحلة المقبلة، حيث توجد غرفتان للبرلمان القادم، يبدو أن حزب "مستقبل وطن" هو الأقرب لتسلم الدفة من الائتلاف.

من النشأة يبدو أن "مستقبل وطن"، وفق مراقبين، تم إعداده ليكون أحد الكيانات البارزة في الحياة السياسية المصرية، سواء برغبة من أعضائه أو توجيه من الدولة.

سريعا، صعد شاب يدعى محمد بدران إلى الحياة السياسية، عبر إطلاق حملة بعنوان "مستقبل وطن"، لدعم الدولة والسيسي في مرحلة ما بعد الإطاحة بمرسي، على خلفية كون بدران رئيسا لاتحاد طلاب مصر آنذاك.

ثم تحولت الحملة إلى حزب أسسه وترأسه بدران في أغسطس/آب 2014، وخصه السيسي بالصعود معه على متن يخت "المحروسة"، أثناء افتتاح تفريعة جديدة لقناة السويس، في الشهر ذاته من العام التالي، وراجت تقارير صحفية آنذاك أن الحملة والحزب ظهرا بدعم من الدولة.

وبطريقة دراماتيكية، سافر بدران إلى الولايات المتحدة بهدف معلن هو استكمال الدراسة، مطلع يناير/كانون الثاني 2016، وحصل على دورة سريعة في القيادة والإدارة، قبل أن يستقيل من الحزب إثر أزمات داخلية، عقب تغيبه الطويل بالخارج، وذلك في سبتمبر/أيلول 2016.

بعدها أصبح أشرف رشاد، وهو وجه غير معروف حزبيا، رئيسا جديدا للحزب بالتزكية، في سبتمبر/أيلول 2017، مع نفي متكرر لكونه حزب الرئيس. وآنذاك قال أحمد الشاعر، المتحدث باسم "مستقبل وطن"، في تصريح لصحيفة "المصري اليوم" إن "الرئيس السيسي ليس عضوا بالحزب، ولكننا داعمون له بشكل كبير".

وأضاف "نعمل على أن تكون لنا الأغلبية في مجلس النواب، حتى نتمكن من تشكيل الحكومة، وتقديم حقائب وزارية بخطط ورؤى جاهزة"، رافضا اتهام الحزب بأنه نموذج جديد للحزب الوطني المنحل.

وفي مارس/آذار الماضي، انتُخب عبد الوهاب عبد الرازق رئيسا للحزب، قبل أن يترأس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي مجلس الشيوخ (الذي انتخب في أغسطس/آب)، في ظل فوز حزبه بنحو 70% من المقاعد.

وقال عبد الرازق، في حوار متلفز مع الإعلامي المقرب من السلطة عمرو أديب نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي "إننا حزب داعم للدولة، وفي ظهر الدولة أو ظهير لها، وذلك أمر له شقان، شق أننا نقف مع الدولة، ولكن نتدخل للتصحيح".

رئيس حزب مستقبل وطن عبد الوهاب عبد الرازق (يمين) مع السيسي (مواقع التواصل الاجتماعي)

إنجازات وإيجابيات

وتابع عبد الرازق الذي كان رئيسا للمحكمة الدستورية وأصدر حكما ساعد سلطة السيسي على التخلي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية "بمعيار موضوعي بحت، شاءت الأقدار أن الأداء الحكومي هذه الفترة فيه إنجازات والأمور كلها تسير بإيجابية كبيرة جدا، فلا يعطيك فرصة أن تصطدم أو تعارض، ولا يمنع هذا لو هناك أمور سلبية نراجعها ونقف أمامها".

إذن حزب "مستقبل وطن"، وفق هذه المعلومات وصعوده اللافت والمتكرر، هو الأقرب بقوة في هذه المرحلة لدعم السيسي دون أن يكون حزبا للرئيس، في ظل حظر دستوري، ولا ناطقا باسمه، في ظل رفض الرئيس ذاته أن يكون هناك حزب حاكم.

وهو ما يعزز أن "مستقبل وطن" هو الظهير السياسي لهذه المرحلة، ويتلقى دعما واسعا من السلطات، مثلما كان ائتلاف "دعم مصر" في مرحلة سابقة.

وحسب تجارب السنوات السابقة، فليس من المستبعد أن يتغير هذا الاختيار (مستقبل وطن)، بحسب مقتضيات الظروف السياسية في البلاد، لنرى حزبا أو ائتلافا جديدا يتولى المهمة في وقت لاحق.

وكالعادة، ستقول السلطة إن هذا الحزب أو الائتلاف صعد بإرادة الجماهير، بينما تعزو المعارضة ذلك الصعود إلى إرادة السلطة، وهو جدل لن ينتهي طالما ظل الصراع بين الطرفين "صفريا"، فكل منهما يرغب بالقضاء على الآخر.

المصدر : وكالة الأناضول