نفوذ دولي وتشابك مصالح.. هل تستطيع الحكومة العراقية إخراج حزب العمال الكردستاني من سنجار؟

صورة حصرية من سنجار- الشارع الرئيسي في المدينة ويظهر كيف أن الخدمات شبه معدومة هناك
قضاء سنجار ينتظر عودة نازحيه (الجزيرة)

"اتفاق تاريخي" هكذا وصفت حكومتا بغداد وأربيل الاتفاق الذي تم بينهما فيما سُمّي بتطبيع الأوضاع في قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى شمالي العراق، والشروع في إعادة ترتيب أوضاعه وإعماره وإعادة نازحيه. ويسيطر مقاتلو حزب العمال الكردستاني والمتحالفون معه على القضاء منذ استعادته من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، مما أدى إلى استمرار نزوح سكانه.

يقع قضاء سنجار شمال غرب مدينة الموصل (400 كيلومتر شمال بغداد)، ويتبع إداريا محافظة نينوى، ويسكنه خليط من العرب والأكراد والطائفة الإيزيدية، التي نكّل بها تنظيم الدولة خلال سيطرته على القضاء لأشهر عدة في عام 2014 حيث شهدت مجازر بحق الإيزيديين وتشريدهم في مخيمات النزوح، فضلا عن اختطاف التنظيم الآلاف من نسائهم وأطفالهم.

بحسب نص الاتفاق الموقع الذي تناقلته وسائل الإعلام العراقية، ستتولى الشرطة المحلية وجهازا الأمن الوطني والمخابرات العراقية مسؤولية الأمن داخل القضاء، في حين يتم نشر بقية القوات النظامية (الجيش والحشد والشرطة الاتحادية) خارجه، مع تعيين 2500 عنصر أمن جديد من أبناء القضاء، وإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في القضاء بصورة عامة بحيث لا يكون له أي دور في المنطقة، في حين ستتعاون حكومتا بغداد وأربيل في إعمار ما دمرته الحرب في سنجار.

من مواقع التواصل الاجتماعي - محافظ نينوى - نجم الجبوري
الجبوري يرى أن الاتفاق سيسهم في عودة النازحين الإيزيديين (مواقع التواصل)

مخرجات الاتفاق

وعلى ضوء الاتفاق، أكد محافظ نينوى نجم الجبوري أن أكثر من 80% من قضاء سنجار تعرّض للتدمير بفعل الحرب على تنظيم الدولة، مما أدى إلى نزوح سكانه، ولم ترجع له سوى 8 آلاف عائلة إيزيدية بعد سنوات على استعادة المنطقة، وبالتالي فالاتفاق سيسهم في عودة بقية النازحين الإيزيديين شريطة توفير الخدمات والبنية التحتية التي نص الاتفاق الأخير على الشروع في بنائها.

الجبوري، في حديثه للجزيرة نت، أشار إلى أن التفاصيل الأمنية للاتفاق وإخراج حزب العمال الكردستاني يقعان على عاتق الحكومة العراقية والقوات الأمنية، فضلا عن أن الحكومة تعهدت بتشكيل لواء عسكري من أبناء المنطقة.

إعلان

من جهته، أكد النائب عن محافظة نينوى بالبرلمان العراقي قصي عباس أن البرلمان لم يطلع على حيثيات الاتفاق، واصفا إياه بـ"الضبابي"، حيث إن البرلمان العراقي لا يعلم بالتفاصيل الدقيقة لآلية تنفيذ البنود الإدارية والأمنية للاتفاق، فضلا عن أن سنجار تضم عربا وأكرادا وإيزيديين، إلا أن الاتفاق أغفل العرب.

ورغم ما يشير إليه عباس من مآخذ على الاتفاق، فإنه في حديثه للجزيرة نت يرى أنه يعد بادرة خير من الناحية الإنسانية لإعادة النازحين الإيزيديين وإنهاء معاناتهم، مشيرا إلى أن سنجار ومنذ استعادتها من قبضة تنظيم الدولة تعيش حالة عدم استقرار أمني وإداري بسبب وجود تداخل في الصلاحيات والتعقيدات الكثيرة على الأرض.

أما النائبة الإيزيدية السابقة في البرلمان فِيان دَخيل فوصفت في حديثها للجزيرة نت الاتفاق بالتاريخي والمهم، مؤكدة أنه سيسهم في عودة النازحين الإيزيديين الذين تقدر أعدادهم بـ300 ألف نازح في المخيمات، مع تعزيز الخدمات والبنية التحتية لمن عادوا للمنطقة فعليا والذين تقدر أعدادهم بـ60 ألف إيزيدي.

المحلل السياسي غانم العابد
العابد يرى أن القوات الموجودة في سنجار لديها نفوذ قوي أكبر من حكومتي بغداد وأربيل (الجزيرة)

معارضو الاتفاق

بيد أن التفاؤل السياسي الذي رافق الاتفاق، ينفيه إيزيديون من سنجار ذاتها، حيث كشف أحد أبرز ناشطي سنجار -فضل عدم الكشف عن هويته- أن نسبة من عادوا للقضاء حتى الآن لا تتجاوز 25%، وأن 5% فقط من العائدين يؤيدون الاتفاق.

وفي حديث للجزيرة نت، أكد الناشط أن الاتفاق سيضر بأكثرية الموجودين في سنجار حاليا خاصة أولئك الذين لديهم ارتباطات مع حزب العمال الكردستاني والقوات الإيزيدية الموالية له، حيث يعمل هؤلاء في مجال التهريب بين الأراضي السورية والعراقية ويجنون آلاف الدولارات يوميا، مشيرا إلى أن غالبية القوات هناك تعمل في النهار كقوات عسكرية، وفي الليل تعمل في التهريب على جانبي الحدود.

إعلان

ويعتقد أن حكومتي بغداد وأربيل لن تستطيعا إخراج حزب العمال الكردستاني بسهولة، وبالتالي قد تحدث معارك دامية يكون ضحيتها أهل سنجار مجددا، مضيفا "هناك عدد كبير من مقاتلي حزب العمال الكردستاني ومن قوات وحدات حماية الشعب الكردية السورية، فضلا عن فصائل من الحشد الشعبي العراقي، وكل هذه القوات لديها تداخلات وعلاقات وتفاصيل خفية غاية في التعقيد، وهي أصعب من أن يستطيع الاتفاق حلّها"، مختتما حديثه بالإشارة إلى أنه في حال تطور الأوضاع إلى مواجهة عسكرية، فإن ذلك سيتسبب في "نزوح نصف العائلات الإيزيدية الموجودة في المنطقة".

تداخلات كبيرة تعيشها منطقة سنجار كنفوذ وعلاقة حزب العمال الكردستاني مع الجانب السوري ووجود فصائل الحشد الشعبي والدور التركي، مما يجعل المنطقة عقدة أمنية إقليمية في شمال العراق.

وفي هذا السياق، يرى الباحث السياسي غانم العابد أن الاتفاق المبرم مهم من الناحية السياسية والإنسانية، إلا أن هناك تداخلات كبيرة في وضع المنطقة من الناحية العسكرية، إذ إن القوات الموجودة هناك لديها نفوذ قوي أكبر من نفوذ حكومتي بغداد وأربيل.

وعن إمكانية تطبيق الاتفاق قريبا، يعتقد العابد في حديثه للجزيرة نت أن وجود طرفين إقليميين في المنطقة قد يؤخر تطبيع الاتفاق مؤقتا، حيث إن لإيران نفوذا كبيرا من خلال الفصائل المسلحة الموجودة هناك ضمن الحشد الشعبي، فضلا عن تركيا التي تتخذ من حزب العمال الكرستاني مبررا لتعزيز نفوذها العسكري في شمال البلاد.

غير أنه على المدى الطويل يرى العابد أن كل هذه المعضلات قد تجد طريقها للحل في نهاية المطاف دون تحديد سقف زمني لذلك، خاصة مع التأييد الواضح والكبير من الأمم المتحدة وواشنطن  للاتفاق.

وعن آمال إعادة الإعمار، يؤكد النائب الكردي شيروان الدوبرداني في حديثه للجزيرة نت أن وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار وتحكمه في الملف الإداري من أهم الأسباب التي أعاقت عمليات الإعمار عقب الحرب، خاصة وأن الإدارة الحالية في القضاء معينة من حزب العمال، وحكومة بغداد والإقليم والمنظمات الدولية لا تعترف بها.

ويعلق الدوبرداني بالقول "ستتكفل اللجان المشكلة بإخراج العمال الكردستاني، خاصة وأن التأييد من الأمم المتحدة والتحالف الدولي واضح للعيان، وبالتالي ستصاغ آلية لإخراج حزب العمال في نهاية المطاف سواء بالاتفاق السلمي أو بغير ذلك".

صورة حصرية من سنجار- على أطلال الخراب- بعض النازحين الأيزيديين العائدين يمارسون حياتهم من خلال محلات تجارية بسيطة
محلات تجارية بسيطة تابعة لبعض النازحين الإيزيديين العائدين إلى سنجار (الجزيرة)

لن يصمدوا

ويؤيد هذا الطرح الخبير الأمني والإستراتيجي عبد الخالق الشاهر، إذ يرى أن مقاتلي حزب العمال الكردستاني، ورغم براعتهم في القتال وعنادهم في حرب العصابات، فإنهم -إذا اندلعت مواجهة شاملة معهم- لن يتمكنوا من الصمود كثيرا أمام قوات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والطائرات المسيرة التركية التي تجوب أجواء المنطقة.

إعلان

ويضيف الشاهر في حديثه للجزيرة نت أن صاحبة المصلحة الأولى في هذا الاتفاق هي تركيا وثم حكومتا بغداد وأربيل، وبالتالي فمن المستحيل بقاء حال سنجار على ما هي عليه إلى ما لا نهاية.

يشار إلى أن الإيزيديين لم يعودوا إلى سنجار رغم استعادتها من تنظيم الدولة منذ سنوات عدة بسبب الدمار الكامل الذي لحق بها. ووفق إحصاءات غير رسمية، كان عدد الإيزيديين يبلغ نحو نصف مليون نسمة في العراق، ويقطن غالبيتهم في محافظتي نينوى ودهوك.

وتقع سنجار في محافظة نينوى، إلا أن الأكراد يطالبون بإلحاقها بإقليم كردستان العراق.

المصدر : الجزيرة

إعلان