السيسي وخطة السلام الأميركية.. إعلان ومراوغة ومقايضة
دعاء عبد اللطيف-القاهرة
قبل ثلاث سنوات كان مصطلح "صفقة القرن" يتردد على ألسنة المحللين السياسيين من دون براهين واضحة، وتقدمه التقارير الإعلامية على لسان مصادر مجهولة، ويشير إليه المسؤولون الرسميون بدول عدة في غموض، غير أن السلطة في مصر -بقصد أو من دونه- رفعت الستار عن المصطلح، بل وقدمت الدعم.
"ستجدني بكل قوة ووضوح داعما لأي مساع لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في صفقة القرن، ومتأكد أنك تستطيع أن تحلها". هكذا سمعت آذان العالم لأول مرة مصطلح "صفقة القرن" على لسان قائد سياسي، وكان القائل هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالعاصمة واشنطن في أبريل/نيسان 2017.
اللافت أن السيسي استخدم المصطلح خارج الغرف المغلقة، في حين ترامب نفسه لم يتلفظ به في لقاء رسمي أو تصريح صحفي أو حتى تغريداته على منصات التواصل الاجتماعي، واكتفى الرئيس الأميركي وقتئذ بالرد على نظيره المصري قائلا "سنفعل ذلك سويا، سنحارب الإرهاب سويا وستمتد صداقتنا طويلا".
ومع إعلان ترامب تفاصيل ما سماها "خطة السلام في الشرق الأوسط"؛ تحاول القاهرة الظهور ضمن صفوف المترقبين، من دون أن تخلع في الوقت نفسه ثوب المساند والمشارك في صنع تلك الخطة.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قال السيسي -خلال فعاليات منتدى الشباب العالمى- إنه لا يمتلك معلومات، وأن صفقة القرن عبارة عن طرح من قبل وسائل الإعلام، مضيفا أنه لا يمكن لمصر الحديث باسم الفلسطينيين أو نيابة عنهم، أو أن تفرض القاهرة عليهم شيئا.
وقدم الإعلام المؤيد للسلطة تصريحات الرئيس المصري باعتبارها وضعت حدا لإشاعات صفقة القرن، حيث قال السيسي إن التساؤلات التي يطرحها بعض المصريين عن إمكانية التفريط في شيء من الأراضي المصرية أمر محير، وجعلته يتساءل: "هل يعرفه المصريون جيدا؟"
واستطرد قائلا "من غير الممكن لأحد أن يعمل شيئا ضد إرادة المصريين"، مجددا اتهامه وسائل الإعلام بأنها من أطلق اسم "صفقة القرن" على خطة السلام الأميركية.
وتضمنت التسجيلات -التي نشرتها "نيويورك تايمز"، في يناير/كانون الثاني 2018- تعليمات للإعلام بتناول قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بشكل يمهد للرأي العام قبول القرار، في حين نفت الهيئة العامة للاستعلامات الحكومية هذه التسريبات، ووصفتها بالأكاذيب.
لكن قناة "مكملين" المعارضة بثت تلك التسجيلات الصوتية، حيث ظهر صوت من قالت إنه الضابط المسؤول وهو يطلب من الإعلاميين ترديد فكرة "ما الفرق بين القدس ورام الله" كعاصمة للدولة الفلسطينية.
وفي أغسطس/آب الماضي، كشفت سفارة الولايات المتحدة في القاهرة عن كواليس لقاء جمع ترامب والسيسي، قبل الاجتماع الثنائي الذي جمعهما على هامش قمة مجموعة السبع في فرنسا، حيث نقلت السفارة -في بيان لها- تأكيد ترامب على أهمية السيسي في تمرير صفقة القرن.
وقال ترامب "الرئيس السيسي هو شخصية مهمة جدا في خطة السلام، ووزير الخارجية يعمل بجهد كبير وبكفاءة على هذا الموضوع، نريد أن نرى إذا كنا نستطيع التوصل إلى إبرام صفقة بالنظر إلى ما يحصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
ومن بين التفاصيل التي ذكرتها الوثيقة أن مصر ستقوم بمنح أرض جديدة لفلسطين، بهدف إقامة مطار ومصانع ومكان للتبادل التجاري والزراعة، دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها، ويُشق طريق "أوتستراد" بين غزة والضفة الغربية، ويسمح بإقامة ناقل للمياه المعالجة "أنفاق" بين غزة والضفة.
غير أن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات نفى شمول خطة الرئيس الأميركي للسلام في الشرق الأوسط على منح أرض من سيناء للفلسطينيين.
كذلك جاء النفي من جانب وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي أكد أنه "ليس هناك أي تنازل عن ذرة أو حبة رمل من سيناء".
وتجيب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن هذا السؤال عبر تقرير نشرته عشية تصريحات السيسي حول صفقة القرن، في أبريل/نيسان 2017، حيث أوضحت أهداف كل من الرئيسين الأميركي والمصري من اللقاء في واشنطن.
وذكرت أن السيسي لديه ثلاثة أهداف رئيسية: هي زيادة المساعدات الاقتصادية، والمساعدات العسكرية لمكافحة الإرهاب، وإدراج الإخوان كمنظمة إرهابية.
في حين أوضح التقرير أن ترامب لديه طلبات أخرى؛ أهمها انخراط مصر بشكل أكبر في عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والتأكد من أن القاهرة لن تعرقل قرارات تخص تل أبيب، أو تتحول شرقا في اتجاه روسيا وإيران.
ولا يمكن الحديث عن ثمن الصفقة من دون الإشارة إلى ورشة عمل اقتصادية عقدت في العاصمة البحرينية المنامة تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار"، التي اعتبرها مراقبون الخطة الاقتصادية "لصفقة القرن".
في البدء، نفت مصر المشاركة في الورشة التي عرفت إعلاميا "بمؤتمر المنامة"، ثم عادت وزارة الخارجية لتؤكد المشاركة بشكل رمزي تحت اسم "مشارك مستمع".
وحسب الخطة الاقتصادية التي نشرها البيت الأبيض قبل يومين من ورشة المنامة؛ تسهم الدول المانحة بنحو خمسين مليار دولار، تذهب 28 مليارا منها للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، و9.176 مليارات لمصر، و7.5 مليارات للأردن، و6 مليارات للبنان.