مؤرخ فرنسي: الحروب الأكثر دموية في التاريخ لا تخطر على البال

Sculls and personal items of victims of the Rwandan genocide are seen as part of a display at the Genocide Memorial in Gisozi in Kigali, Rwanda April 6, 2019.REUTERS/Baz Ratner
بعض جماجم مجازر رواندا في تسعينيات القرن الماضي (رويترز)
في موعده الأسبوعي على صفحات مجلة لنوفيل أوبزرفاتور الفرنسية، يطالعنا المؤرخ فرانسوا رينار بموضوع تاريخي عن الحروب المنسية الأكثر دموية في التاريخ، حيث يسترجع الحكايات من منظور غير متوقع.

هل تعرف بوغانفيل؟ يتساءل رينار مؤكدا أن الجواب سيكون بالطبع "لا" رغم أن هذه الجزيرة المتواضعة، الواقعة في طرف جزر سليمان شرق غينيا الجديدة، يمكن أن تسجل في "كتاب غينيس" للأرقام القياسية في عدد ضحايا الحرب في النصف الأخير من القرن العشرين، لأنها ببساطة فقدت نسبة غير عادية من سكانها في الحرب.

وتعاني بوغانفيل منذ التسعينيات بسبب حرب استقلال يقودها انفصاليون قمعوا بوحشية من قبل دولة بابوا غينيا الجديدة التي تسيطر على جزيرتهم بمساعدة جحافل من المرتزقة، وقد بلغ عدد القتلى عشرين ألفا من بين عدد سكان لا يتجاوز نحو مئتي ألف نسمة، مما يعني أن البلاد خسرت نحو 10% من سكانها.

ومن المفهوم أن لدى بوغانفيل رغبة ملحة للتخلص من وصاية جارها -حسب رينار- وسيتم الآن إجراء استفتاء على استقلال البلاد التي تنتمي جغرافيا إلى جزر سليمان، وتخضع لبابوا غينيا الجديدة بسبب صدف التاريخ الاستعماري، وغنى أرض الجزيرة.

مجازر لم ترصدها الرادارات

وهكذا منذ أقل من عقدين، تم القضاء على بلد دون أن يعلم بذلك معظمنا، لأن بوغانفيل جزيرة بعيدة وصغيرة لا يذهب إليها إلا القليل من الصحفيين، ولكنها ليست المذبحة المنسية الوحيدة في التاريخ، بل إن رادارات الذاكرة فاتها الكثير من المذابح، ويكفي فتح دفتر الماضي للعثور على عدد كبير منها.
 
ويقدم رينار مثالين من التاريخ الحديث في القرن 19، الأول من الصين في عهد أسرة كينغ، إبان ثورة تايبينغ بين 1851 و1864، بقيادة شخص مستنير يعرف نفسه بأنه أخو المسيح، نجح في إثارة حماس الفلاحين بوعود العدالة والمساواة، بإقامة مملكة عاصمتها نانكين.

ولكن السلطات الصينية -وبعد عشر سنوات من الحرب القاسية ومساعدة الغربيين الذين دخلوا البلاد بعد ذلك- قضت على هذا التمرد، ولكن التكلفة كانت ما بين ثلاثين وأربعين مليون قتيل بسبب المعارك والدمار والمجاعات، حسب تقدير المؤرخين، مما يجعل هذه الحلقة أكثر الحروب الأهلية دموية في التاريخ.

أما المثال الثاني، فمن دول أميركا اللاتينية التي استقلت عن إسبانيا بين 1810 و1820، ولكن النزاعات الحدودية بين دولها أدت إلى حرب مفتوحة بين باراغواي بقيادة ديكتاتور مصاب بجنون العظمة -حسب رينار- وثلاثة من جيرانه في البرازيل والأرجنتين وأورغواي.

وتعتبر "حرب التحالف الثلاثي" هذه كارثة مدمرة بشكل لا يصدق بحيث لا يستطيع أي مؤرخ تقدير نتائجها بالضبط، وقد ذهبت تقديرات أولية إلى أن 90% من سكان باراغواي هلكوا، إلا أن تقديرات أحدث خفضت النسبة إلى 50 أو 60%، غير أنه من المؤكد أن باراغواي بعدها أصبحت بلدا قليل الرجال، وأصبح تعدد الزوجات فيها أمرا مقبولا.

 

الرقم القياسي
وذهب المؤرخ إلى أنه حتى في حالة الحروب المعروفة جدا، فإن الذاكرة تواجه صعوبة في الرؤية بوضوح في الحقائق الإحصائية، وكمثال على ذلك، ساق الخلافات المتكررة المتعلقة بعدد قتلى الحرب الكونية الثانية.

ففي هذه الحرب -يقول المؤرخ- يحرص الروس دائما على التذكير بأن الخسائر التي عانوا منها لسحق النازيين أكبر بكثير من الخسائر التي تكبدها الأميركيون الذين يعتبرهم كثير من الناس المنتصرين الحقيقيين، إذ بلغت خسائر الروس 26 مليون قتيل مدني وعسكري، في حين كانت خسائر الأميركيين نحو أربعمئة ألف قتيل فقط.

أما البولنديون -كما يقول رينار- فلا يزالون يعانون من حقيقة أن قتلاهم غالبا ما يُنسون، رغم أن بلدهم بالفعل عرف أكبر عدد من الضحايا بين 5.6 و5.8 ملايين قتيل، وهو ما يعني حوالي 17% من عدد سكان بولندا عام 1939.

 
وفي الحرب العالمية الأولى، فقدت فرنسا ما يزيد قليلا على 4% من سكانها، وكانت ألمانيا في المرتبة الثانية، إلا أن البلدان الصغيرة منسية، حيث إن صربيا فقدت 16% من سكانها البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة في غضون أربع سنوات وبضعة أشهر.

أما الرقم القياسي دون منازع -حسب رينار- فكان بكل غرابة من نصيب الدولة المحايدة إيران التي أجبرها موقعها الجغرافي على دفع ضريبة حرب لم تشارك فيها، إذ كانت جارة الإمبراطورية العثمانية المتحالفة مع ألمانيا والنمسا والمجر من جهة، وجارة الروس والهند التي جندت منها إنجلترا مئات الآلاف من الجنود لقتال العثمانيين في العراق، من جهة أخرى.

ولسنوات، عبرت -من إمبراطورية الشاه- جيوش دمرت الحقول وأنظمة الري، فاضطربت الزراعة، وكانت النتيجة حلقة فظيعة أطلق عليها المؤرخون "المجاعة الكبرى ببلاد فارس" مات فيها مليونان، وهو ما يعني 18% من سكانها، أو واحد من كل خمسة إيرانيين آنذاك.

المصدر : لونوفيل أوبسرفاتور

إعلان