مؤرخ فرنسي: الحروب الأكثر دموية في التاريخ لا تخطر على البال
هل تعرف بوغانفيل؟ يتساءل رينار مؤكدا أن الجواب سيكون بالطبع "لا" رغم أن هذه الجزيرة المتواضعة، الواقعة في طرف جزر سليمان شرق غينيا الجديدة، يمكن أن تسجل في "كتاب غينيس" للأرقام القياسية في عدد ضحايا الحرب في النصف الأخير من القرن العشرين، لأنها ببساطة فقدت نسبة غير عادية من سكانها في الحرب.
وتعاني بوغانفيل منذ التسعينيات بسبب حرب استقلال يقودها انفصاليون قمعوا بوحشية من قبل دولة بابوا غينيا الجديدة التي تسيطر على جزيرتهم بمساعدة جحافل من المرتزقة، وقد بلغ عدد القتلى عشرين ألفا من بين عدد سكان لا يتجاوز نحو مئتي ألف نسمة، مما يعني أن البلاد خسرت نحو 10% من سكانها.
ومن المفهوم أن لدى بوغانفيل رغبة ملحة للتخلص من وصاية جارها -حسب رينار- وسيتم الآن إجراء استفتاء على استقلال البلاد التي تنتمي جغرافيا إلى جزر سليمان، وتخضع لبابوا غينيا الجديدة بسبب صدف التاريخ الاستعماري، وغنى أرض الجزيرة.
مجازر لم ترصدها الرادارات
ولكن السلطات الصينية -وبعد عشر سنوات من الحرب القاسية ومساعدة الغربيين الذين دخلوا البلاد بعد ذلك- قضت على هذا التمرد، ولكن التكلفة كانت ما بين ثلاثين وأربعين مليون قتيل بسبب المعارك والدمار والمجاعات، حسب تقدير المؤرخين، مما يجعل هذه الحلقة أكثر الحروب الأهلية دموية في التاريخ.
أما المثال الثاني، فمن دول أميركا اللاتينية التي استقلت عن إسبانيا بين 1810 و1820، ولكن النزاعات الحدودية بين دولها أدت إلى حرب مفتوحة بين باراغواي بقيادة ديكتاتور مصاب بجنون العظمة -حسب رينار- وثلاثة من جيرانه في البرازيل والأرجنتين وأورغواي.
وتعتبر "حرب التحالف الثلاثي" هذه كارثة مدمرة بشكل لا يصدق بحيث لا يستطيع أي مؤرخ تقدير نتائجها بالضبط، وقد ذهبت تقديرات أولية إلى أن 90% من سكان باراغواي هلكوا، إلا أن تقديرات أحدث خفضت النسبة إلى 50 أو 60%، غير أنه من المؤكد أن باراغواي بعدها أصبحت بلدا قليل الرجال، وأصبح تعدد الزوجات فيها أمرا مقبولا.
ففي هذه الحرب -يقول المؤرخ- يحرص الروس دائما على التذكير بأن الخسائر التي عانوا منها لسحق النازيين أكبر بكثير من الخسائر التي تكبدها الأميركيون الذين يعتبرهم كثير من الناس المنتصرين الحقيقيين، إذ بلغت خسائر الروس 26 مليون قتيل مدني وعسكري، في حين كانت خسائر الأميركيين نحو أربعمئة ألف قتيل فقط.
أما البولنديون -كما يقول رينار- فلا يزالون يعانون من حقيقة أن قتلاهم غالبا ما يُنسون، رغم أن بلدهم بالفعل عرف أكبر عدد من الضحايا بين 5.6 و5.8 ملايين قتيل، وهو ما يعني حوالي 17% من عدد سكان بولندا عام 1939.
أما الرقم القياسي دون منازع -حسب رينار- فكان بكل غرابة من نصيب الدولة المحايدة إيران التي أجبرها موقعها الجغرافي على دفع ضريبة حرب لم تشارك فيها، إذ كانت جارة الإمبراطورية العثمانية المتحالفة مع ألمانيا والنمسا والمجر من جهة، وجارة الروس والهند التي جندت منها إنجلترا مئات الآلاف من الجنود لقتال العثمانيين في العراق، من جهة أخرى.
ولسنوات، عبرت -من إمبراطورية الشاه- جيوش دمرت الحقول وأنظمة الري، فاضطربت الزراعة، وكانت النتيجة حلقة فظيعة أطلق عليها المؤرخون "المجاعة الكبرى ببلاد فارس" مات فيها مليونان، وهو ما يعني 18% من سكانها، أو واحد من كل خمسة إيرانيين آنذاك.