أثارت وفاة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي إثر أزمة صحية في منفاه بالسعودية حيث يقيم منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظامه بعد 23 عاما من حكم البلاد، عاصفةً من الجدل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت الذي أعاد فيه جزء كبير من التونسيين تذكّر سنوات حكمه الطويلة التي عرفت بالاستبداد وباستخدامه القبضة الأمنية الحديدية تجاه كل معارضيه، مع الحديث أو تناقل تجارب مريرة عاشوها، سارع آخرون للترحم عليه مع استحضار ما أسموها بسنوات الأمن والرخاء.
وما إن أعلن منير بن صالحة محامي أسرة الرئيس الأسبق وفاته، حتى تصدّر الخبر المواقع الإخبارية ومواقع التواصل، وخطف الأضواء من مرشحيْ الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية إلى حين.
وفاة وانتخابات
وجاءت وفاة بن علي بعد أيام من إجراء البلاد انتخابات رئاسية مبكرة، أدت إلى تصدّر المرشح المستقل قيس سعيّد النتائج، يليه مرشح حزب قلب تونس نبيل القروي، مما يعني تأهلهما لدور ثان.
كما أنها تأتي في وقت تستعد فيه البلاد لتنظيم انتخابات تشريعية في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، استكمالا للتجربة الديمقراطية التي بدأت منذ الاحتجاجات الشعبية التي أزاحت بن علي عن الحكم، وفجرت انتفاضات الربيع العربي في المنطقة.
واعتبر عدد من التونسيين أن بن علي مات بالنسبة لهم في اليوم الذي غادر فيه البلاد فارا يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 إثر ثورة شعبية، متناقلين مقطعا شهيرا للفيديو يقول فيه المحامي عبد الناصر العويني من شارع الحبيب بورقيبة كلمات خالدة: "الشعب التونسي العظيم.. تحيا تونس الحرة، يا توانسة معادش خوف، المجد للشهداء، الحرية للتوانسة، بن علي هرب، بن علي هرب".
وعن هذا الأمر يقول الصحفي بسام بونني إن بن علي توفي يوم 14 يناير/كانون الأول 2011 بعد أن ساءت حالته الصحية ابتداء من 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، أي تاريخ بدء الثورة في سيدي بوزيد إثر حرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على تردي وضعه الاجتماعي.
وأعاد حدث الوفاة للذاكرة ما اقترفه بن علي ونظامه بحق معارضيه، وفي شهادات مؤلمة تحدث كثيرون عن ما عانوه من ويلات في سجونه، ووصفوا كيف قلبت حياتهم رأسا على عقب بسبب مواقفهم السياسية.
ويقول الناشط السياسي علي اللافي إنه لن يسامح بن علي، مؤكدا "من جانبي لن أسامحه في حقي وأمام ربي سأقول إنه ظلمني ودمر حياتي ودمّر مساري الجامعي وجعلني مشردا (..)".
وأضاف "وأنا مسجون تعذبت أمي ووالدي الذي قطع في كل مرة مئات الكيلومترات ليزورني في السجن، وسجنت ثلاث مرات وعذبت وأوقفت 12 مرة وتمت مراقبتي إداريا ست سنوات، وارتعبت زوجتي، وهجرني أقاربي وأصدقائي خوفا و رعبا".
الأمر ذاته يتحدث عنه السجين السياسي السابق عبد الكريم عبار، قائلا إنه لن يسامح بن علي لما قام به في حقه من تعذيب ومن ترويع له ولأبنائه، فضلا عما قام به تجاه معارضين آخرين من قتل وإعدامات، وصلت إلى وضع جثة المعارض كمال المطماطي في خرسانة أحد الجسور.
ولم تغب قصة المطماطي عن التفاعلات بل تصدرتها، فقد جسدّت القصة أبشع وجه للنظام الدكتاتوري، بحسب حسابات عدة منها حساب لمياء اليحياوي على تويتر التي تقول: إن من "أعنف" ما قرأت أن بن علي كان سببا في آلام أم ظلت لمدة ثماني سنوات تقصد السجن معتقدة أن ابنها على قيد الحياة بينما هو جثة مدفونة في خرسانة أحد الجسور.
وأحكم بن علي قبضته على الحكم فور دخوله قصر قرطاج عام 1987 واتسمت ولاياته الرئاسية المتتالية حتى عام 2011 بقمع المعارضة والتضييق على حرية التعبير، لكنه حافظ على مستوى معيشي مقبول لطبقة وسطى واسعة بجانب فترة استقرار أمني، حسب الملاحظين.
ومن هذا المنطلق دافع الكثيرون على الرئيس الراحل، معتبرين أن فترة حكمه اتسمت بالرخاء والأمن، مترحمين عليه.
وتناقلت صفحات وحسابات شخصية صورا لبن علي مع عبارات تمدح سنوات حكمه، وتشكره على ما قدمه.
العدالة الإلهية
وبين هذا وذاك شدد آخرون على ضرورة أن يتعظ الحكام وأن يعتبروا من هذه النهاية، إذ يرون أنه على الرغم من أن بن علي لم يعاقب على ما اقترفه خلال سنوات حكمه، فإنه لن يفلت من العدالة الإلهية.
وعن هذا الأمر يقول الكاتب الصحفي والسجين السياسي السابق كمال الشارني "لا يزعجني أن يدفن بن علي في تونس أو في السعودية، طالما سيحاسب على أعماله أمام الله بعد أن رفض العدالة الانتقالية، وطالما سيقف معه أمام العدالة الإلهية كل من تورط في القتل أو التعذيب أو نهب أموال الناس مستغلا سلطة الدولة.
يشار إلى أن مصدرا برئاسة الحكومة التونسية قال إنها ستستجيب لطلب دفن الرئيس الأسبق في تونس إذا طلبت عائلته ذلك، مضيفا أن الحكومة ستعمل على أن تتم مراسم الدفن "في أحسن الظروف"، في حين أكد محاميه أنه سيدفن في مكة المكرمة.
ولم يظهر بن علي منذ مغادرته إلى العلن باستثناء نشر صوره بشكل نادر مع أفراد عائلته في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي تونس صدرت ضده أحكام مشددة من القضاء العسكري في قضايا ترتبط بقتل ضحايا الثورة وقمع معارضيه وأخرى ترتبط بقضايا مالية.