اتفاقية الغاز مع إسرائيل.. البرلمان رفضها و"الدستورية" تحسم قرارها والحكومة تلتزم الصمت

تظاهرة بمشاركة ودعوة حركات مقاومة التطبيع في الأردن والحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز. المصدر_ وسائل التواصل الاجتماعي
من احتجاجات سابقة في الشارع رفضا لاتفاقية الغاز مع إسرائيل (مواقع التواصل)

محمود الشرعان-عمّان

بقرار المحكمة الدستورية الأردنية بعدم مسؤولية مجلس النواب بالنظر في اتفاقية الغاز مع إسرائيل؛ يتجدد الجدل في الأردن بشأن الاتفاقية، وبينما جدد البرلمان رفضه الاتفاقية تلتزم الحكومة الصمت حيالها. 

وعللت المحكمة الدستورية -في قرار تفسيري نُشر في الجريدة الرسمية أمس الأول الاثنين- نزع حق الموافقة أو الرفض على الاتفاقية من مجلس النواب بأنه -وبالرجوع لنصوص قانونية- ثبت لديها أنه ورغم أن الحكومة الأردنية تمتلك كامل الأسهم في شركة الكهرباء الوطنية (الطرف الأردني في الاتفاقية) "فإنها ليست مؤسسة حكومية عامة، وإدارتها ليست ضمن صلاحيات الإدارة العامة للدولة".

ووفقا للمحكمة، فإنّ الاتفاقيات التي تبرمها شركات مملوكة بالكامل للحكومة مع شركات أخرى لا تدخل في مفهوم الاتفاقيات التي تعنى بالصلح أو التحالف أو التجارة أو الملاحة، إضافة إلى عدم كونها من الاتفاقيات التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة تنقص من سيادتها أو تمس حقوق الأردنيين العامة والخاصة.

قرار المحكمة جاء بعد استفسار وجّهته الحكومة الأردنية لبيان ما إذا كانت الاتفاقيات التي تبرمها شركات مملوكة بالكامل للحكومة مع شركات أخرى تدخل في مفهوم الاتفاقيات المنصوص عليها في الفقرة (2) من المادة (33) من الدستور، وحيث لا تكون تلك الاتفاقيات نافذة المفعول إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة.

رفض نيابي
وجاء قرار المحكمة بعد أن طلب نائب رئيس الوزراء رجائي المعشر من رئاسة مجلس النواب تحويل ملف اتفاقية الغاز للمحكمة خلال جلسة عقدها البرلمان في مارس/آذار الماضي، ووقتها رد البرلمان برفض هذا الطلب بأغلبية ساحقة.

وخلال تلك الجلسة، وجّه رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة حديثه لنائب رئيس الوزراء بالقول "الشعب يرفض الاتفاقية وعلى الحكومة إلغاؤها مهما كانت نتيجة قرار المحكمة".

وتعليقا على قرار المحكمة الدستورية، قال الطراونة للجزيرة نت إن "القرار قانوني لا نقاش فيه، غير أن مجلس النواب الأردني يرفض اتفاقية الغاز الإسرائيلي".

وأضاف رئيس المجلس إنه ورغم صدور الفتوى الدستورية أو أي فتوى أخرى حول مشروعية رفض الاتفاقية من قبل النواب "فإن المجلس مصرّ على رفضها سياسيا، والنواب يمتلكون من الأدوات ما يمكنهم إيقافها عبر القنوات الدستورية".

الكهرباء وإسرائيل
وكانت شركة الكهرباء الوطنية -وهي مملوكة بالكامل للحكومة- وقعت اتفاقية لبيع وشراء الغاز الطبيعي من شركة نويل إنيرجي الأميركية عام 2016، كونها صاحبة الحق في استثمار حقل غاز "ليفايثن" الإسرائيلي في البحر المتوسط.

من جهته، أكد عضو كتلة الإصلاح النيابية ونقيب المحامين السابق صالح العرموطي للجزيرة نت أن دور المحكمة الدستورية فحص دستورية القوانين والاتفاقيات "وليس إبداء رأي استشاري أو قانوني".

ووصف العرموطي سؤال الحكومة للمحكمة الدستورية بأنه "مضلل"، معتبرا أن المحكمة الدستورية قامت بإعطاء قرار من دون الاطلاع على الاتفاقية أو تفاصيلها التي كان يجب على الحكومة تزويدها بها.

ضمانات أميركية
وتنص الاتفاقية على تزويد الأردن بالغاز الإسرائيلي لمدة 15 عاما، بقيمة تصل إلى نحو 15 مليار دولار، وهو ما اعتبره خبراء اقتصاديون مبلغا كبيرا، في ظل ما قالوا إنه انخفاض في أسعار الغاز عالميًّا وتوفر المصادر البديلة.

وتضمنت الاتفاقية وجود شروط جزائية تصل إلى 1.5 مليار دولار في حال إلغاء الاتفاقية وعدم الاحتكام للقانون الأردني.

وقدمت الشركة الأميركية "نوبل إينرجي" ضمانات بأن الأردن لن يتخلى عن الصفقة بضمان تحويل بعض أموال المساعدات الأميركية المخصصة للمملكة إلى إسرائيل، في حال تخلفت الشركة الأردنية عن الدفع أو توقيف التنفيذ.

وبدأت شركة "ديليك" الإسرائيلية تصدير الغاز الطبيعي إلى الأردن لأول مرة في تاريخ دولة الاحتلال بعد توقيع الاتفاقية، وقالت متحدثة باسم الشركة إنه لم يتم الإعلان رسميا عن عملية التصدير في وقتها، ولكن هذه أول مرة تصدر فيها إسرائيل الغاز الطبيعي في تاريخها، وفق ما صرحت به الشركة لوكالة فرانس برس.

‪نشطاء
‪نشطاء "حركة الأردن تقاطع" يحضرون جلسة للبرلمان الأردني مرتدين شعار الحملة الوطنية لإسقاط اتفاقية الغاز‬ (مواقع التواصل)

"غاز العدو احتلال"
وتواجه الاتفاقية رفضا شعبيا واسعا، سبقته احتجاجات حزبية ونقابية، كان آخرها منع الأجهزة الأمنية اعتصام العشرات أمام أحد مواقع إنشاء أنبوب الغاز شمال الأردن.

ويرى المنسق العام للحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني (غاز العدو احتلال) هشام البستاني أن "المحكمة الدستورية زجت بنفسها في موضوع سياسي، ليست لها علاقة به".

ويدلل البستاني في حديث للجزيرة نت بالبند الدستوري (المادة 33) من الدستور الأردني الفقرة (ب)- إذ قال إن النص لا يحتاج إلى تفسير، وإن أي معاهدة أو اتفاقية تحمل خزينة الدولة نفقات، وأن الطاقة وشركة الكهرباء حملت الأردن مديونية كبيرة بالمليارات".

وتنص المادة (33) من الدستور الأردني الفقرة (ب) على أن "المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات أو مساسا في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة، ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية".

وأوضح المنسق العام للحملة أن الأردن اليوم أمام موقفين: الأول الاهتمام بالمصالح الإسرائيلية على حساب المملكة، أما الثاني فهو الانحياز لمصالح الأردن وشعبه، وهذا يتطلب إلغاء الاتفاقية بغض النظر عن قرار أية محكمة.

وتخلي الحكومة الحالية برئاسة عمر الرزاز مسؤوليتها عن اتفاقية الغاز، بحجة أن الحكومة السابقة برئاسة هاني الملقي هي التي وقعت الاتفاقية.

وحاولت الجزيرة نت التواصل مع وزيرة الطاقة الأردنية هالة الزواتي للتعليق على هذه التطورات، إلا أنها لم ترد.

وفي السياق ذاته، سجل ناشطان أردنيان مؤخراً شكوى ضد النائب في البرلمان طارق خوري لدى دائرة الادعاء العام الأردنية بدعوى أنه "يحرّض على عمليات إرهابية"، بعد تصريحات له عبر فيها عن رفضة الاتفاقية، داعيا لتفجير خطوط نقل الغاز لمنع وصوله للبلاد.

واقترح النائب خوري خلال مؤتمر صحفي عقدته كتلة الإصلاح النيابية توقيع ميثاق شرف لتفجير أي خط غاز يمر من الأراضي الأردنية وقادم من إسرائيل.

وقال خوري في كلمة سبقت كشف كتلة الإصلاح بنود الاتفاقية "على كل حر في الأردن أن يضحي بنفسه وأولاده، لأجل تفجير أي خط غاز يمر بالأراضي الأردنية، ونكون كلنا مشاريع شهداء".

تزامن صعب
وتزامن قرار المحكمة مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرض السيادة الإسرائيلية على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت في الضفة الغربية، في حال إعادة انتخابه في 17 سبتمبر/أيلول الجاري.

وقال نتنياهو إنه "يجب علينا أن نصل إلى حدود ثابتة لدولة إسرائيل لضمان عدم تحول الضفة الغربية إلى منطقة كقطاع غزة"، معتبرا أن الجيش الإسرائيلي ملزم بأن يكون في كل مناطق غور الأردن.

ورد رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز قائلا إن الإعلان يشكّل تهديدا حقيقيّا لمستقبل عمليّة السلام، ومن شأنه أن يؤجّج الصراع ويصعد وتيرة العنف في المنطقة، لافتاً إلى أن مسؤوليّة المجتمع الدولي تقتضي رفض هذا الإعلان، كونه يشكّل خرقا واضحا للقانون الدولي وقرارات الشرعيّة الدوليّة.

وأكد الرزاز رفض الأردن إعلان نتنياهو عزمه ضمّ المستوطنات الإسرائيليّة "غير الشرعيّة" في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفرض السيادة الإسرائيلية على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميّت.

المصدر : الجزيرة