دافع الغضب والكراهية أقوى.. مرتكبو القتل الجماعي ليسوا مرضى نفسيين

تعقيبا على مذبحة متجر وولمارت بمدينة إل باسو بولاية تكساس الأميركية، التي أودت بحياة 22 شخصا الأسبوع الماضي والتي وصف الرئيس دونالد ترامب مرتكبيها بأنهم "وحوش معتلون عقليا"، كتب طبيب نفسي أن هذا الوصف كان تفسيرا ملائما ومضللا قصد به تحويل انتباه الرأي العام عن احتمال أكثر قتامة وراء هذا الرعب الذي لا يمكن تخيله، ألا وهو أن القاتل ربما كان رشيدا مليئا بالكراهية فقط.
ويرى الدكتور ريتشارد أي فريدمان أنه من المعقول تصور أن أي شخص يقتل 22 نفسا بدم بارد لابد وأن يكون مجنونا أو مختلا عقليا بالفعل، لكن الحقيقة عن القتلة الجماعيين والعلاقة بالصحة العقلية أعقد من ذلك.
فقد وجدت واحدة من أكبر الدراسات حول القتل الجماعي، التي أجراها الدكتور مايكل ستون -أستاذ الطب النفسي السريري بكلية الأطباء والجراحين بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك- وشارك فيها 350 شخصا، أن 20% فقط من مرتكبي هذه الجرائم يعانون من مرض ذهاني (يصيب وظائف العقل)، أما الـ80% الآخرون فلم يكن لديهم مرض عقلي يمكن تشخيصه، بل يعانون فقط من الإجهاد اليومي والغضب والغيرة والتعاسة التي يعانيها معظمنا.
وبالمثل، وجدت دراسة لمكتب التحقيقات الفدرالي حول قتلة ناشطين بين عام 2000 و2013 أن 25% فقط تلقوا تشخيصا نفسيا و5% فقط كانوا مصابين بمرض ذهاني.
ومع ذلك فإن المعنى الضمني الواضح لهذه النتائج هو أن الشخص أسير العواطف العادية قادر على القيام بأعمال عنف شنيعة ولا يحتاج الأمر لأن يكون مريضا عقليا ليبدو "وحشا".
ويقول فريدمان إنه لا يمكن على وجه اليقين معرفة أن المشتبه به في حادثة إل باسو -باتريك كروزيوس البالغ 21 عاما- كان مصابا بمرض عقلي دون معرفة تفصيلية بتاريخه الشخصي والطبي، ولكن ما نشره على الإنترنت يشير إلى أنه لا ينبغي لنا أن نتسرع في افتراض أنه كذلك.

وبالنسبة لي -يضيف فريدمان- فقد بدا بيانه منطقيا ومتماسكا وليس مشوشا أو متوهما، والمثير للدهشة أن البيان بدا وكأنه يردد ما كان يقوله ترامب طوال الوقت عن المهاجرين. ومن هذا المنظور فمن المعقول تماما أن قاتل إل باسو شخص متزن عقليا يتصادف أنه استمد إلهامه من أيديولوجية عنصرية بغيضة.
والحقيقة المخيفة هي أن كراهية وعدوانية الإنسان العادي أشد خطرا بكثير من أي مرض نفسي. ولنتأمل فقط في عدد الناس الذين دُفعوا إلى القتل الجماعي لأن أرباب العمل طردوهم من وظيفتهم أو نبذتهم عشيقاتهم. وعلى الأرجح لم يكن هؤلاء الأشخاص معتلين عقليا، ولكن ببساطة كان الغضب يملؤوهم وهم مسلحون جيدا.
وفي الواقع، يسهم المرض العقلي في نحو 3% من جرائم العنف في أميركا، وأفضل دليل يكشف أن هناك زيادة طفيفة جدا في خطر العنف لأولئك المصابين باضطرابات عقلية خطيرة مثل الاضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية. وفكرة أنه يمكننا معرفة القاتل الجماعي قبل أن يتحرك، تعد من الخيال الوبائي حتى الآن، إذ إن هؤلاء الأفراد يتجنبون عادة الاتصال بنظام الرعاية الصحية العقلية.
وبالنظر إلى الانبعاث العالمي الجديد للقومية البيضاء وكراهية الأجانب في السنوات الأخيرة، فليس من المستغرب أن شرذمة قليلين من الأفراد استجابوا لمناخ الكراهية هذا بتوجيه هذه الأفكار بطريقة عنيفة.
وخلاصة القول، نحن حيوانات اجتماعية نتأثر بسهولة ببيئتنا وهذه البيئة مليئة بالغضب في هذه الأيام.
وختم فريدمان مقاله بأن تعزيز برامج الصحة العقلية -رغم كونها هدفا نبيلا- لن تحل وباء جرائم القتل الجماعي وأن السياسات الأكثر فعالية قد تتضمن مراقبة الأسلحة مما يزيد من حجم الضوابط ونطاقها.