بدنا ولادنا.. الفلسطينيون يصرخون لاسترداد جثامين شهدائهم

عاطف دغلس- من فعالية اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء بنابلس حيث شاركة بالفعالية عشرات الاهالي من كل المدن الشمالية- الضفة الغربية- نابلس- وسط المدينة- الجزيرةنت
إلى جانب صور الشهداء والعلم الفلسطيني رفع الأهالي شعارات قانونية وإنسانية تعكس انتهاكات الاحتلال (الجزيرة)

بين جمهرة من مثيلاتها الأمهات، كانت الحاجة السبعينية نزيهة خليل تقف وهي تحتضن بين أضلاعها صورة لابنها الشهيد صفوت عبد الرحمن، وتصرخ وإياهن بأعلى أصواتهن يطالبن بحقهن في استرداد جثامين أبنائهن الشهداء، الذين تحتجزهم دولة الاحتلال الإسرائيلي وترفض الإفراج عنها.

إلى دوار الشهداء (وسط مدينة نابلس شمال الضفة الغربية) حضرت الحاجة نزيهة ظهر الأحد قادمة من قريتها بيت وزن (غرب المدينة) للمشاركة في فعاليات اليوم الوطني لاستراد جثامين الشهداء، التي تنطلق اليوم في أربع محافظات فلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة.

لم تتمالك نزيهة نفسها كلما أتوا على ذكر الشهداء وسيرهم، بيدٍ تحمل صورة نجلها وبالأخرى تمسح دموعها التي شقت طريقا لها فوق وجنتيها، ولسانها يتمتم "بدي (أريد) ولدي، بدي أضمه لصدري وأدفنه جانبي لأطمئن عليه يوميا"، فمنذ أن استشهد عام 2002 لم تره ولم تعرف عنه شيئا.

‪الحاجة نزيهة تضم لصدرها صورة ابنها الشهيد صفوت الذي يحتجز الاحتلال جثمانه منذ عام 2002‬ (الجزيرة)
‪الحاجة نزيهة تضم لصدرها صورة ابنها الشهيد صفوت الذي يحتجز الاحتلال جثمانه منذ عام 2002‬ (الجزيرة)

بلا رقم أيضا
قيل للحاجة نزيهة إن ابنها محتجز بما يعرف بمقابر الأرقام لدى الاحتلال الإسرائيلي، وهي لا تعلم أكثر من ذلك عنه؛ مكان احتجازه أو غير ذلك، وتقول وهي تقص للجزيرة نت معاناتها: "أنا لا أعرف له رقما، فهذا استكثروه علي أيضا".

إعلان

لم يحل وضعها الصحي وتعبها دون وقوفها في مقدمة المتظاهرين وسط المدينة، لكنها لم تدخر جهدا في رفع صورته عاليا علّ كاميرات الصحفيين تلتقطها وتخفف آلامها، فالصورة هي جل ما تبقى من رائحة ابنها الشهيد، بعد أن هدم الاحتلال منزلهم بكل محتوياته فور استشهاده، وتضيف "حتى شهادة ميلاده ضاعت بين الردم، وما تبقى هذه الصورة التي أعددت منها عشرا أخرى ووزعتها بالمنزل".

ومثل نزيهة همَّ الشاب وسام الشويكي وعائلته إلى ساحة بلدية الخليل (جنوب الضفة الغربية) وهم يحملون صورة نجلهم الشهيد ياسر الذي قتله جنود الاحتلال "بدم بارد" بإطلاقهم النار عليه في مارس/آذار الماضي، محاولين الضغط بكل قوتهم على الاحتلال لتسليم جثمانه.

بالنسبة لوسام الذي يعمل في الصحافة لم يكن حزنه على شقيقه وتضامنه معه عابرا، ولم يخلده بكلمة أو رثاء فحسب، بل أطلق على صفحته عبر فيسبوك ومنذ اللحظة الأولى لاستشهاد شقيقه واحتجازه وسم "لهيب الثلاجة"، وصار من خلاله ينقل آلام عائلته ومعاناة أطفال شقيقه وأسئلتهم الدائمة عنه، وهو الوسم ذاته الذي اتخذته الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء شعارا لها في فعالياتها اليوم.

ويقول الشويكي للجزيرة نت "احتجاز للجثمان قتل ثان للشهيد، وهو ما يُلهب صدور ذويه ويزيد قهرهم"، ويضيف أن كل تلك "الانتهاكات" تمارسها إسرائيل للنيل منهم وعقابا لهم.

الصور أنيسهم
ومثل وسام والحاجة نزيهة، انتفض جلّ ذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم بفعاليات انطلقت بمدن غزة والخليل ورام الله ونابلس ولسان حالهم يقول إنهم يريدون أبناءهم ليكرموهم بجنازات لائقة ويدفنوهم بينهم.

وإلى جانب صور الشهداء والعلم الفلسطيني، رفع الأهالي لافتات خطت بشعارات قانونية وأخرى إنسانية تعكس انتهاكات الاحتلال وصلفه باحتجاز الجثامين، إضافة إلى صور عشرات الشهداء المغيبين قسرا.

إعلان

وهذا الالتفاف الجماهيري -كما تراه سلوى حماد الناطقة باسم الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء- وسيلة أخرى هدفها -إضافة إلى الضغط على الاحتلال وفضح جرائمه- خلق حالة من التعاضد الجماهيري مع ذويهم، وتعريف الناس بمعاناتهم وإحياء دائم لقضيتهم.

وتهدف خطة الحملة -وحتى نهاية العام الحالي- إلى تدويل قضية الجثامين، إضافة إلى استصدار شهادات وفاة للشهداء المحتجزين، حيث لمسوا اهتماما من الجهات الرسمية الفلسطينية، لا سيما وزارتي الخارجية والداخلية.

ومنذ الاثنين، بدأت فعاليات إحياء اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء، حيث بدأت بحملة إلكترونية عبر وسمي "بدنا ولادنا" و"لهيب الثلاجة" لتتواصل اليوم بفعاليات جماهيرية على أرض الواقع وتستمر غدا بتظاهرة وإضاءة للشموع بمدينة بيت لحم (جنوبي الضفة)، فضلا عن التحرك إعلاميا وبكل المستويات.

‪المحتجون حملوا لافتات تندد بجريمة الاحتلال باحتجاز الجثامين‬  (الجزيرة)
‪المحتجون حملوا لافتات تندد بجريمة الاحتلال باحتجاز الجثامين‬  (الجزيرة)

جريمة حرب
وللحملة التي انطلقت عام 2008 دور كبير في تعرية الاحتلال، وكشف جرائمه باحتجاز الجثامين، لا سيما مقابر الأرقام، حيث وثَّقت أسماء مئات الشهداء، واستطاعت تحرير 310 منها منذ عام 2010 وحتى الآن، بعضها قضى عشرات السنوات، ورغم ذلك لا تزال إسرائيل تحتجز 304 شهداء بينهم 51 منذ عام 2015، إضافة إلى 68 مفقودا.

ويرى مدير مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان عصام العاروري أن الأمر أكبر من كونه احتجازا داخل ثلاجات ومقابر "مهملة وتتعرض لنهش الوحوش"، ويرتقي ليكون "جريمة حرب" وجرائم إنسانية وأخلاقية غير مسبوقة، وما يؤكد ذلك احتجاز إسرائيل جثامين أسرى استشهدوا في السجون كأنها تعاقبهم بعد موتهم.

ويقول العاروري للجزيرة نت إن كل ذلك يقع على عين العالم "المتخاذل" الذي يصطف إلى جانب الاحتلال الظالم بدل الضحية ويعاقبه بكل الطرق.

إعلان

وعلى وقع أغنية "رجع الخي يا عين لا تدمعيلو.. فوق كتاف رفقاتو ومحبينو.. رجع الخي يا يما زغرديله.. هالشهيد دماته دين علينا"، التي ضج بها ميدان الشهداء (وسط نابلس)، سألنا الحاجة نزيهة والأمهات المحتشدات ويحبسن أنفاسهن استماعا وحزنا، متى ستزغردين؟ فترد بسرعة: "عندما أحتضن رفاته وأضمه لصدري".

المصدر : الجزيرة

إعلان