صناعة الحجر بفلسطين.. منافع للناس ومضار للبيئة

عوض الرجوب-الخليل
فمنذ عام 1990 جرى تحول كبير في حياة السكان الفلسطينيين في البلدة الواقعة غرب مدينة الخليل، وذلك بعد اكتشاف أنواع نادرة من الصخور الصفراء التي تصلح لاستخراج حجر البناء، ومنذ ذلك الحين شهدت أسعار الأراضي ارتفاعا ملحوظا.
تدريجيا ارتفع عدد المحاجر (مقالع الحجر) في البلدة حتى وصل 45 منشأة توفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للمئات من السكان، وتسهم في إدخال العملة الصعبة إلى البلاد، لكن الأعداد تراجعت بفعل عدة عوامل إلى 21 منشأة الآن، بينها مناشير الحجر، وهي مرحلة تقطيع الصخور بعد اقتلاعها.

نهضة وثمن
يقول حسن الطردة (أحد سكان البلدة وأحد العاملين في المحاجر) إن أسعار الأراضي ارتفعت من بضع مئات من الدولارات قبل اكتشاف الحجر إلى مئات آلاف الدولارات للدونم الواحد حاليا، فضلا عن إحداث تنمية في البلدة وتشغيل العمال في المحاجر وصيانة المعدات وغيرها.
وأشار إلى أن الحجر الأصفر النادر المكتشف في البلدة وصل إلى الأسواق العالمية في سبعين دولة، خاصة الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج وعدد من الدول العربية، فكان لذلك مردود لا بأس به من الناتج الاقتصادي.
ولا زال هذا القطاع أهم قطاع صناعي من حيث مساهمته في الناتج المحلي وتوفير فرص العمل، إذ تشير أحدث معطيات رسمية إلى أن صادرات هذا القطاع بلغت نحو 214 مليون دولار (بما يعادل 20% من مجمل الصادرات) عام 2017، أغلبها يذهب إلى السوق الإسرائيلي بحصة تقدر بنحو 75%.
ويقدر اتحاد صناعة الحجر عدد العاملين الحاليين في هذا القطاع بنحو عشرين ألفا، يتوزعون على قرابة 1200 منشأة في مدن وقرى الضفة الغربية، في حين تشير تقديرات عاملين في هذا الحقل إلى أرباح تتجاوز مليون شيكل (نحو 350 ألف دولار) للدونم الواحد.

طرق بدائية
ويواجه الفلسطينيون تحديات جدية في الكشف عن الحجر، إذ لا زال الاعتماد على طرق بدائية تضطرهم للحفر عدة أمتار تحت الأرض بتكلفة تصل إلى مئات آلاف الدولارات، وتكون الخسارة مدوية إذا فشل الحجر المكتشف في الاختبار.
ويسعى اتحاد الحجر لتطوير آلية الكشف عن الحجر حسب رئيسه المهندس ماهر حشيش، ولذلك تم تأسيس جسم أكاديمي هو "مركز الحجر والرخام" في جامعة بوليتكنك فلسطين وبالتعاون مع وزارة الاقتصاد لتنمية وتطوير صناعة الحجر والرخام وتأهيل العاملين فيها.
ويمنح المركز شهادة دبلوم إدارة وتكنولوجيا الحجر الرخام، ويوفر مختبرا لعمل الفحوصات المطلوبة لفحص المواصفات من خلال وحدة الفحص الجيوفيزيائي.
ويركز رئيس الاتحاد على تحديات أخرى، أهمها شروط المنافسة الخارجية وحرية التجارة، مشيرا إلى زيادة تكلفة الإنتاج من عمالة وطاقة وغيرهما مقارنة مع دول العالم مثل مصر والهند وتركيا، وبالتالي دخول المنافسة السوق المحلي بالحجر المستورد أيضا.
ويشير حشيش إلى سيطرة الاحتلال على المعابر باعتبارها عائقا أمام حرية النقل، ومنع العمل في مناطق مصنفة (ج) حيث أغلب المناطق ذات الاحتياط العالي من الصخور الطبيعية والملائمة لفتح المحاجر.

أضرار وإجراءات
وتحدث رئيس اتحاد الحجر عن توجه رسمي لحماية هذا القطاع بتخفيض تكلفة الإنتاج، خاصة قطاع الطاقة، وسن قوانين لحماية الحجر المحلي أمام المستورد، وتحسين البنية التحتية وتوفير المياه.
وتحدث عن توجه لعمل دراسة جيولوجية تساعد في إعطاء مؤشرات حول مدى توفر الحجر وكمياته في عدة مناطق؛ مما يسهم في اختصار الوقت والجهد وتوفير المال.
ونتيجة لسيطرة الاحتلال على أغلب الأراضي غير المأهولة، يضطر السكان للبحث عن الحجر في أماكن قريبة من السكن وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية (مصنفة (أ) وفق اتفاق أوسلو)؛ مما يتسبب في آثار سلبية على الزراعة والسكان، كما تحولت الأراضي من بساتين خضراء إلى مناطق صناعية وبقعة بيضاء يكسوها الغبار.
وهنا يقول رئيس بلدية تفوح محمود ارزيقات إن البلدة وضعت لوائح لتنظيم عمل هذه الصناعة وتقليل أضرارها إلى أقل قدر ممكن؛ وذلك بتحديد مناطق وشروط لاستخراج الحجر.
ويوضح أنه رغم تقليل عدد المحاجر في البلدة من 45 محجرا إلى 21، وحصر منطقة استخراج الحجر في 413 دونما؛ فإن تأثيرها طال أكثر من ألف دونم، وبعضها لم يعد صالحا للزراعة.