من هونغ كونغ إلى الجزائر.. القوة المطلقة للمجتمع المدني

30/7/2019
تُوضّح الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم العربي خلال السنوات القليلة الماضية مدى ضعف المجتمع المدني، وعجزه عن التغلب على الحكومات مُحكمة التنظيم، لا سيما الأنظمة العسكرية، بحسب ما جاء في مقال بموقع ميدل إيست آي البريطاني.
فقد أبرزت الكاتبة مارينا أوتاواي في مقالها بالموقع المذكور أن هذا العجز ليس ظاهرة عربية بحتة، مدللة على ذلك بالاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت في ميدان تيانانمن بالصين عام 1989، وما قوبلت به من قمع عنيف، وكذلك المظاهرات المندلعة حاليا في مدينة هونغ كونغ، التي تُحاول وقف تدخل الحزب الشيوعي الصيني في المدينة.
واعتبرت أن تلك الأحداث تدل على أن المجتمع المدني -كان ولا يزال- يُواجه ضغوطا من قبل الأنظمة الحاكمة.

قمع دون رحمة
وذكرت الكاتبة أنه رغم الضغوط التي تشهدها الحركات الشعبية، فإن الأمل لا يزال قائما؛ فحتى إن كانت فُرص انتصار المجتمع المدني على الحكومات المدعومة بالجيش تبدو معدومة على المدى القصير، فإن الوضع يبدو مختلفا على المدى الطويل.
ونبهت إلى أن السلاح الأساسي للمجتمع المدني يتمثل في المثابرة، كما أنه ما دام هناك أشخاص مستاؤون من الأنظمة السياسية في بلدانهم، ولا يمتلكون منفذا سياسيا يعبرون فيه عن شكواهم؛ فسيظل المجتمع المدني يشكل تهديدا للأنظمة الاستبدادية، وفقا للكاتبة.
كما بذلت الحكومة المصرية قُصارى جهدها لقمع جميع المعارضين، لكنها لا تزال تخشى من أن تتكرر مُظاهرات ميدان التحرير التي اندلعت سنة 2011.
وذكّرت الصحفية في هذا الإطار بما حدث ليلة الثامن من يونيو/حزيران 2014، حين نُصب عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر، إذ سمحت الحكومة المصرية بالتظاهر في الميدان نفسه لتأييد الرئيس، لكنها سرعان ما طوقت هذه التجمعات بناقلات جنود مدرعة أغلقت معظم الشوارع، مما جعل حشدا صغيرا يتمكن من التجمهر في المكان نفسه.
حشود ضخمة
وبيّنت الكاتبة أن المواجهات الثلاث الجارية حاليا بين المجتمع المدني والحكومات وقوات الأمن التابعة لها في كل من الجزائر والسودان وهونغ كونغ؛ ساعدت على توضيح سبب قلق الحكومات الشديد من المجتمع المدني.
كما تُوضِّح هذه الأحداث أنه رغم عدم قُدرة المجتمع المدني على الانتصار على الحكومات في المواجهات المباشرة، فإن هذه الحكومات ليست قادرة على قمع جلّ هذه الحركات بالكامل.
وأشارت الكاتبة إلى أنه منذ أسابيع، احتجّت الحشود في هونغ كونغ على مشروع قانون يسمح بتسليم مواطنين من هونغ كونغ إلى الصين لمحاكمتهم، وكانت الحشود التي شاركت في هذه المظاهرات ضخمة، وتعد من أكبر التجمعات التي شهدتها منذ الاحتجاجات التي اندلعت عام 1989 حول مذبحة تيانانمن.
وبشكل استثنائي، تراجعت حكومة هونغ كونغ عن قرارها، مُعلنة أنها ستُعلق مشروع القانون فضلا عن تقديمها اعتذارا إلى الشعب. ومن جهتهم، ردّ المتظاهرون بالمُطالبة باستقالة كاري لام الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ.
فقد تصاعدت الأزمة في غزة في يوليو/تموز الحالي، عندما لجأ بعض المتظاهرين إلى العنف وهم يشقون طريقهم إلى المبنى الذي يضم المجلس التشريعي بالمدينة، وسرعان ما تمكنت الحكومة من إعادة النظام إلى نصابه، إلا أن هذا التذكير بمدى قوة المجتمع المدني أزعجها.
القوات العسكرية والمتظاهرون
وتطرقت الكاتبة إلى حالتي السودان والجزائر، وأشارت إلى محاولات الحكومة السودانية السابقة في تهدئة السكان، من خلال القيام ببعض الإصلاحات الشكلية، وبعد أن أصدر الجيش العديد من التصريحات التي تنم عن دعمه المستمر للرئيس المخلوع عمر حسن البشير، أطاح به في 11 أبريل/نيسان الماضي.
وتحدثت الكاتبة عما تلا ذلك من شد وجذب بين المتظاهرين المنادين بحكم مدني صرف وبين الجيش، وما تخلل ذلك من أعمال عنف.
حكم انتقالي
وبالنسبة للجزائر، أوردت الكاتبة أن المظاهرات السلمية التي اندلعت خلال فبراير/شباط الماضي تمكنت من منع النظام من ترشيح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
لكنها ذكرت أن الجزائر لا تختلف كثيرا -من حيث النتائج الملموسة حتى الآن- عن السودان، منبهة إلى أن الأوضاع هناك تعثرت مع إصرار الجيش على أن يكون الانتقال بحسب إرشادات الدستور، في حين يطالب المتظاهرون بالكثير من التغييرات الجذرية.
وفي الختام، قالت الكاتبة إنه في جميع هذه الحالات، يمكن وضع حد للاحتجاجات في وقت قياسي باستخدام الوسائل العنيفة، تماما كما فعلت الحكومة الصينية في ساحة تيانانمن عام 1989، لكن لا يبدو -بحسب التجارب- أن القتل والقمع يفت طويلا في عضد المجتمع المدني، إذ يصر على المقاومة، وهُنا تكمن قوته المطلقة التي تجعل الحكومات تخشاه حقا.
المصدر: ميدل إيست آي