في الحرب والسلم.. هدم منازل الفلسطينيين لتكريس الاستيطان

سياسة إسرائيلية ممنهجة لطرد الفلسطينيين من القدس
الاحتلال هدم 99 مسكنا بقرية صور باهر جنوب القدس منذ عام 2000 (الجزيرة)

ميرفت صادق-رام الله

عمل إسماعيل عبيدية أكثر من 27 عاما ليستطيع بناء منزل لعائلته في منطقة وادي الحمص بقرية صور باهر جنوب القدس المحتلة. وفي دقائق، زرعت قوات إسرائيلية متفجرات بداخله وحولته إلى رماد، وكان واحدا من 11 بناية سكنية هدمت دفعة واحدة بحجة وقوعها في منطقة تهدد الأمن الإسرائيلي.

وفي صور باهر نفسها، يوثق مركز أبحاث الأراضي الفلسطيني هدم 99 مسكنا منذ عام 2000 وحتى عام 2017. وهي جزء من نحو 1800 منزل هدمها الاحتلال في القدس خلال الفترة ذاتها.

واعتبرت عملية الهدم الواسعة لحي وادي الحمص واحدة من أكبر حملات الهدم التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي منذ حرب 1967، حيث ما زال الهدم يهدد أكثر من عشرة مباني تضم نحو 70 شقة سكنية يسكنها نحو 300 فلسطيني، لا مأوى لهم، كما هو حال عائلة عبيدية.

تفيد معطيات مركز أبحاث الأراضي بأن الاحتلال الإسرائيلي دمر منذ النكبة عام 1948 أكثر من 500 قرية، وقدر عدد المنازل التي هدمها منذ ذلك الحين بنحو 170 ألف مسكن. في حين هجر نحو مليون فلسطيني أصبحوا الآن سبعة ملايين في أنحاء العالم.

هدمت إسرائيل قرابة 450 مسكنا فلسطينيا خلال 2018 (رويترز)
هدمت إسرائيل قرابة 450 مسكنا فلسطينيا خلال 2018 (رويترز)

هدم ومستوطنات
وفي عام 2018، هدمت إسرائيل قرابة 450 مسكنا وسلمت إخطارات بالهدم لنحو 580 مسكنا فلسطينيا آخر. وبالمقابل اعتبرت حكومة الاحتلال 66 بؤرة استيطانية أقامها مستوطنون على أراضي الضفة الغربية مستوطنات شرعية، من أصل 250 بؤرة قائمة.

وبحسب معطيات قدمها قاسم عواد، مسؤول وحدة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية، فقد هدم الاحتلال 6114 منزلا فلسطينيا في الضفة الغربية والقدس خلال السنوات العشر الأخيرة فقط. ولا يشمل هذا نحو 19 ألف منزل دمرها الاحتلال خلال حروبه الثلاث على غزة.

وتوثق الهيئة هدم الاحتلال 1841 منزلا في مدينة القدس وحدها منذ عام 2009 وحتى اليوم، بحجة "البناء دون ترخيص" في معظم الأحيان.

ويؤكد عواد أن إسرائيل هدمت 49 منزلا خلال العقد الأخير في مناطق السيطرة الكاملة للسلطة (أ)، دون احتساب المنازل التي دمرت مؤخرا بصور باهر. إلى جانب هدم 57 منزلا في مناطق (ب) ذات السيطرة المدنية للسلطة.

كما هدمت في العقد الأخير أيضا 1141 منشأة في منطقة الأغوار التي يعتبرها الفلسطينيون امتدادا حيويا لمشروع الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967.

ورافقت عمليات الهدم سياسات ترحيل للفلسطينيين بعد حرمانهم من السكن، أو بسبب سحب هوياتهم كما يحدث في القدس لأسباب معظمها أمنية وسياسية.

وتفيد معطيات دائرة شؤون المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، بأن إسرائيل صادرت أكثر من 14 ألف بطاقة هوية منذ 1967 من المقدسيين الذين يتمتعون بحق الإقامة الدائمة في القدس، مما ألحق ضررا مباشرا بأكثر من 20% من العائلات المقدسية.

وبالإضافة إلى الحيلولة دون أي امتداد عمراني فلسطيني عن طريق مصادرة الأراضي وتشييد المستوطنات، لم تسمح للفلسطينيين سوى بالبناء والعيش على 13% من مساحة شرقي القدس المحتلة، مع تقييد كبير على منح تراخيص البناء.

وبالتوازي مع هدم منازل الفلسطينيين وطردهم، تضاعف عدد المستوطنين في الضفة بحسب دائرة الإحصاء الإسرائيلية أربع مرات منذ توقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

وأشار مركز أبحاث الأراضي العام الماضي -في بيان سابق له بمناسبة ذكرى توقيع اتفاق أوسلو- إلى تضاعف عدد المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة عام 1967 من 144 مستوطنة قبل أوسلو إلى 515 مستوطنة وبؤرة استيطانية عام 2018.

كما تضاعف عدد المستوطنين في أراضي 1967 بأكثر من ثلاث مرات وارتفع من 252 ألف مستوطن قبل أوسلو إلى حوالي 834 ألف مستوطن عام 2018.

تظهر الإحصاءات تسارعا في الاستيطان مقابل هدم منازل الفلسطينيين (رويترز)
تظهر الإحصاءات تسارعا في الاستيطان مقابل هدم منازل الفلسطينيين (رويترز)

سياسة شاملة
يقول مسؤول ملف الاستيطان في السلطة الفلسطينية وليد عساف إن عمليات الهدم الإسرائيلية تجري في سياق سياسة شاملة تستهدف الوجود الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية والقدس خاصة، وتسعى لإبقاء مناطق واسعة من الضفة فارغة من السكان لضمها إلى إسرائيل لاحقا.

ويعزي عساف تصاعد عمليات الهدم إلى بدء تنفيذ خطة ألون الإسرائيلية التي وضعت منذ عام 1967، وتستهدف إبقاء الأغوار والسفوح الشرقية للضفة الغربية فارغة من السكان وتعزيز الاستيطان فيها وضمها إلى إسرائيل كمنطقة عازلة بين سكان الضفة وبين امتدادهم العربي في الأردن وخارجها.

إلى جانب إبقاء التجمعات الفلسطينية في القدس محاصرة ومهمشة، ومصادرة المناطق الفارغة وتحويلها إلى مناطق خضراء أو عسكرية والعمل على تقليص الوجود العربي إلى دون 13% من السكان.

وفي حين تظهر الإحصاءات تسارعا في الاستيطان مقابل هدم منازل الفلسطينيين بعد اتفاق أوسلو، استند وزير الأمن الإسرائيلي جلعاد أردان في تصريحات أدلى بها الإثنين الماضي إلى هذه الاتفاقيات بالقول إنها تسمح بالهدم لدواع أمنية.

لكن عساف رد بأن إسرائيل أنهت اتفاق أوسلو بعد اجتياحاتها لمناطق السلطة عام 2002. وقال إن "فترة أوسلو الذهبية" كانت قصيرة جدا ودامت عامين من تسلم السلطة الفلسطينية بداية عام 1994 وحتى اغتيال إسحاق رابين عام 1995.

ويضيف أنه تلا ذلك تولي نتنياهو للحكم وتشريعه البناء في مستوطنة أبو غنيم جنوب القدس، ثم نشاط شارون في تشجيع مجموعات المستوطنين بإقامة بؤر استيطانية على أهم تلال الضفة الغربية، وتشريعها كمستوطنات " قانونية"، وفق قانون التسوية الإسرائيلي لاحقا.

المصدر : الجزيرة