كمبوديا تقدم دروس تسامح لجيرانها وتغازل العالم الإسلامي في رمضان

رمضان في كمبوديا فرصة لتعزيز الاندماح والوحدة الوطنية
مسلمو كمبوديا يشكلون نحو 5% من عدد السكان (الجزيرة)

سامر علاوي-بنوم بنه

حضرت بدرية عثمان مع نحو خمسة آلاف شخص حفل الإفطار السنوي السادس الذي ترعاه الحكومة الكمبودية في العاصمة بنوم بنه، وتقول إنها دأبت على انتخاب رئيس الوزراء هون سين بسبب تشجيعه الحريات الدينية.

وتصف السيدة الخمسينية كمبوديا بأنها دولة متحضرة يسودها التسامح، وهي تقارن بلادها اليوم بحقب من المآسي تقول إنها عاشتها في طفولتها، خاصة تلك التي صبغت عهد الخمير الحمر بين عامي 1975 و1979، حيث فقدت ثلاثة من أقاربها تعتقد أن جنود الزعيم الشيوعي بول بوت صفوهم بدم بارد بعد تجويعهم عدة أيام.

وتضيف بدرية للجزيرة نت أن الأقلية المسلمة في كمبوديا لا تواجه مشكلة مع الحجاب أو تمييزا في التعليم والخدمات الأخرى.

بدرية عثمان (الثانية من اليمين) وعدد من أفراد أسرتها في حفل الإفطار (الجزيرة)
بدرية عثمان (الثانية من اليمين) وعدد من أفراد أسرتها في حفل الإفطار (الجزيرة)

تسهيلات للمسلمين
وقد انتهز رئيس الوزراء هون سين مناسبة الإفطار الجماعي السنوي في ثاني أيام رمضان الجاري، للإعلان عن تسهيلات جديدة للأقلية المسلمة التي تشكل نحو 5% من عدد سكان البلاد البالغ قرابة 17 مليون نسمة.

ومن بين هذه التسهيلات توجيهه بتوفير غرف خاصة بالمسلمين لإقامة الصلاة في جميع المستشفيات الكمبودية. كما أعلن عن نيته تعيين موفد خاص ودائم إلى منظمة التعاون الإسلامي، تكون مهمته تطوير العلاقات مع 57 دولة تشكل أكبر تجمع دولي بعد الأمم المتحدة.

وخلال الإفطار دعا سين الدول الإسلامية إلى الاهتمام بالأقلية المسلمة الكمبودية بشكل خاص عبر توفير منح دراسية وفرص عمل للكمبوديين المسلمين إلى جانب أبناء وطنهم.

وأضاف أن حكومته ترفض العمالة الكمبودية غير القانونية، وتعمل على تصحيح أوضاع جميع المغتربين الكمبوديين، وقال "نريد أن نجد سوق عمل لمسلمي كمبوديا، وقد شاهدت سوق عمالة كبيرة من دول الجوار مثل تايلند والفلبين في دول عربية مثل الكويت، وكمبوديا قادرة على المساهمة في هذه السوق قانونيا"، وأضاف "نبذل جهودا كبيرة لتفادي أي هجرة غير قانونية".

إشادة إسلامية
وقد أشادت ممثلة منظمة التعاون الإسلامي نورية عبد الله الحمامي بالتسامح الذي تعيشه كمبوديا، وقالت في كلمتها خلال الإفطار الجماعي إن كمبوديا تتميز عن دول في المنطقة تدين غالبية سكانها بالبوذية برفض اضطهاد الأقليات لا سيما المسلمة منها.

واعتبرت حمامي كمبوديا نموذجا للتسامح بين الأعراق والأديان يمكن للدول الأخرى الاحتذاء بحذوه، في إشارة إلى الجارة ميانمار التي تشارك كمبوديا الديانة البوذية لكنها تمارس اضطهادا ممنهجا ضد الأقلية المسلمة، لا سيما عرقية الروهينغا.

ويعزو الوزير الكمبودي للمهمات الخاصة عثمان حسن الوضع الذي يتمتع به المسلمون حاليا إلى تفاعل تاريخي بين الأقلية المسلمة ومجتمعها ذي الغالبية البوذية منذ ما قبل الاستقلال.

ويقول حسن في حديثه للجزيرة نت إن مسلمي "تشام" -كما يعرفون في كمبوديا- انصهروا في المجتمع واستحقوا المواطنة الكاملة بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي مباشرة عام 1954. وبعد تجاوز محنة الحرب الأهلية وحكم الخمير الحمر، بدأ المسلمون يستنشقون نسيم الحرية.

رمضان في كمبوديا فرصة لتعزيز الاندماح والوحدة الوطنية (الجزيرة)
رمضان في كمبوديا فرصة لتعزيز الاندماح والوحدة الوطنية (الجزيرة)

أصوات انتخابية
ويضيف الوزير الكمبودي أن غالبية المسلمين يؤيدون الحكومة الحالية ويمنحونها أصواتهم في الانتخابات بسبب سياستها القائمة على المساواة بين جميع أبناء الشعب، والمصالحة الوطنية والتصالح مع الماضي، مشيرا إلى أن الحكومة أثارت قضية اضطهاد مسلمي ميانمار ثنائيا وعلى مستوى منظمة دول جنوب شرق آسيا.

وتنتمي غالبية المسلمين الكمبوديين إلى عرقية "تشامبا" التي نزحت من الجارة فيتنام بعد انهيار مملكتها قبل أكثر من قرنين. ويتحدث كثير من الساسة الكمبوديين عن مشاركة فعالة لقومية تشامبا في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بكمبوديا التي تشكل قومية الخمير غالبية سكانها.

لكن المسلمين الكمبوديين كانوا الأكثر تضررا من الحرب الأهلية بداية سبعينيات القرن الماضي وما تبعها من سيطرة الخمير الحمر على البلاد.

وتشير بعض إحصائيات الحرب أن الأقلية المسلمة تعرضت للإبادة وفقدت أكثر من ثلثي أبنائها على أيدي الخمير الحمر في الفترة التي سيطروا فيها على البلاد، والتي أحصيت بالشهر واليوم لفظاعتها إذ استمرت بقيادة بول بوت (الأخ الأكبر) ثلاث سنوات وثمانية أشهر وعشرين يوما.

المصدر : الجزيرة