إغلاق قناة "نسمة" التونسية.. تصفية حسابات أم تطبيق للقانون؟

Nabil Karoui
مؤسس قناة نسمة نبيل القروي اتهم حكومة الشاهد باستهدافه (مواقع إلكترونية)

محمد علي لطيفي-تونس

أثار اقتحام قوات الأمن التونسية مقر قناة "نسمة" التلفزيونية الخاصة لحجز معداتها وقطع بثها جدلا واسعا، اختلط فيه الجانب الحقوقي بالسياسي. وفيما وصفت القناة القرار بالظالم وغير المسبوق ومحاولة لإسكات صوتها المنتقد للحكومة، رأى آخرون أنه إجراء في محله ويأتي تطبيقا للقانون.

وجاءت هذا التدخل استجابة لقرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (هايكا) بغلق القناة ومقرها مدينة رادس بالضواحي الجنوبية للعاصمة التونسية، بسبب بثها دون رخص قانونية.

وتباينت مواقف الحقوقيين والمنظمات بين المدافعة عن حقوق التعبير وضرورة تطبيق القانون، وأخرى تساءلت عن الاقتصار على إغلاق قناة نسمة، واستثناء قنوات تلفزيونية أخرى كان يتوقع أن يشملها قرار الإغلاق، بسبب عدم تسوية وضعيتها القانونية، وأوضحت وزارة الداخلية في بيان لها أن الهايكا طلبت حجز تجهيزات البث لا غير.

وخلفت تصريحات رئيس الهايكا، النوري اللجمي انتقادات حادة اعتبرت أن قناة الزيتونة الخاصة هي الأخرى تعمل خارج إطار القانون، وأن "عدم تنفيذ قرار إغلاقها، يعود إلى وجود سند سياسي لها يمنع تنفيذه"، في إشارة إلى حزب حركة النهضة.

واعتبر محللون في الشأن السياسي أن قرار إغلاق قناة نسمة بالقوة هو بمثابة الحرب الباردة بين مالكها نبيل القروي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.

ويعد القروي أحد أبرز رجال الأعمال الذين دعموا الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي في حملته الانتخابية عام 2014.

حرب استباقية
ويرى نشطاء أن قرار إغلاق نسمة يأتي في إطار حرب استباقية بين حافظ قايد السبسي -نجل الرئيس- والشاهد في الانتخابات المزمع إجراؤها نهاية العام الجاري، مؤكدين أن نبيل القروي مجرد بيدق في قطعة الشطرنج لنصرة نجل السبسي.

وأكد نبيل القروي أن قرار "الهايكا" جاء بسبب عدم رضوخه لإملاءات حزب تحيا تونس المحسوب على الشاهد، مشيرا إلى أن قناته لها تراخيص وأن الإشكال يتعلق بصيغة تغيير عقد الشركة، على حد وصفه.

في المقابل، فنّد رئيس الهايكا بحديثه للجزيرة نت وجود دوافع سياسية وراء حجز معدات بث نسمة، مشددا على أن عملية الحجز جاءت بعد أن استوفت الهايكا كل الطرق القانونية وكل المحاولات، غير أن القائمين على القناة لم يمتثلوا لتطبيق القانون، موضحا أنه لا أحد فوق القانون.

وقالت الهايكا في وقت سابق إن القناة أصبحت غير قانونية -بعد سحب الهيئة الترخيص العام الماضي- لكن القناة قالت إنها لا تعترف بقرارات الهيئة.

جدل واسع
وانقسم نشطاء مواقع التوصل الاجتماعي بين مساند لقرار الإغلاق، خاصة بعد تردد أنباء عن اعتزام مالكها الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبين رافضين تجمعوا أمام القناة تنديدا بإغلاقها خاصة ممن استفادوا من حملة التبرعات التي يقدمها القروي للفقراء.

واعتبر العضو بالتيار الديمقراطي (معارض) حسام حمادي في تدوينة بفيسبوك أن صاحب القناة استغل مشاعر التونسيين والفقراء في برنامج خيري تبثه القناة بعنوان "خليل تونس" لجمع التبرعات، بهدف كسب أصوات المحرومين استعدادا للسباق الانتخابي.

كما اتهم الناشط الحبيب الحضري في تدوينة أخرى صاحب القناة بزرع الفوضى وتحريض الناس على التظاهر تضامنا مع القناة، تعليقا على الوسم الذي تدعو فيه قناة نسمة متابعيها للخروج إلى الشارع من كل الجهات.

وانقسم الصحفيون أنفسهم بين متضامنين مع زملائهم ومدافعين عن حرية الإعلام من جهة، وبين مدافعين عن القانون من جهة أخرى، حيث اعتبرت الصحفية بموقع "حقائق أون لاين" مروى الدريدي في تدوينة لها، أنه من غير المعقول أن يستغل القروي العاملين والصحفيين الذين لم تصرف أجورهم وطردهم من العمل، للدفاع عن القناة واستعمالهم دروعا بشرية.

من جهة أخرى، عبر الصحفي أحمد الفريغي عن تضامنه مع زملائه بالقناة، لافتا إلى أن هذا القرار سيؤدي إلى قطع أرزاق أكثر من أربعمئة صحفي، فيما وصفت الصحفية وفاء الطرابلسي، في تدوينة قرار إغلاق القناة بالمفاجئ، في بلد ظن جنوده الإعلاميون أن مكسبه الوحيد الذي تحقق هو حرية التعبير. 

مواقف الأحزاب 
وتابعت الأحزاب السياسية في تونس تطورات إغلاق القناة بانشغال كبير، قبل أشهر قليلة من الوقت الذي تستعد فيه البلاد لإنجاز انتخابات مهمة، حيث طغت الحسابات السياسية في ردودها باعتبار أن القناة متهمة بانحيازها السياسي لرئيس الجمهورية ونجله حافظ قايد السبسي.

ودعت حركة النهضة إلى عقد اجتماع استثنائي بدعوة من رئيس الحركة راشد الغنوشي، لمناقشة قرار إغلاق وإيقاف بث القناة وتدارس انعكاساته المحتملة على حرية التعبير، في ضوء التجاذبات السياسية التي سلكها ملف قناة نسمة.

في سياق متصل، استنكر حزب آفاق تونس، والجبهة الشعبية والاتحاد العام التونسي للشغل في بيانات نشروها على مواقعهم الرسمية، قرار إغلاق نسمة بالقوة وحجز المعدات، معبرين عن تضامنهم مع القناة وكل العاملين فيها وخصوصا صحفييها وتقنييها وعائلاتهم الذين سيجدون أنفسهم دون مورد رزق.

واعتبر حزب البديل التونسي المعارض أن اللجوء إلى إغلاق مؤسسة إعلامية وإجلاء إعلامييها وعمالها وموظفيها باستعمال القوة، هو دليل على الفشل الذريع في إدارة الحكومة للشأن السياسي، ومؤشر على أن الوضع السائد اليوم على الساحة السياسية الوطنية ينذر بانزلاقات خطيرة لا تحمد عقباها.

من جهتها، حمّلت نقابة الصحفيين التونسيين نبيل القروي (صاحب القناة) مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في القناة، مؤكدة ضرورة إيجاد حلول تضمن احترام القانون وتمنع توظيف هذه الأزمة لأغراض سياسية وانتخابية.

المصدر : الجزيرة