لماذا خسر العالم العربي معركته من أجل الديمقراطية؟

CAIRO, EGYPT - FEBRUARY 03: Thousands of Egyptians gather a protest at the Tharir Square February 3, 2012 in Cairo, Egypt. The protest follows the deaths of 74 football fans who were killed in clashes between rival fans following the match between al-Masry and al-Alhy in Port Said, Egypt. Three-days of mourning have been announced and marches are scheduled to protest at the lack of protection provided by police who were at the stadium when the violence occurred. (Phot
محمد فاضل: الربيع العربي تتويج لنصف قرن من الفكر السياسي والديني (غيتي)

خسران العالم العربي معركته من أجل الديمقراطية حتى اليوم يعود لفشله في المواءمة بين الإسلام والحداثة الليبرالية الغربية، والأوتوقراطية العربية (يقوم نظامها السياسي على حكم الفرد) ترى حاليا كلا من روسيا والصين نموذجا جيدا للحكم وتشاركهما ازدراء الديمقراطية الليبرالية.

ورد ذلك في مقال للكاتب محمد فاضل ونشره موقع "ميدل إيست آي"، مشيرا إلى أن الفكر السياسي العربي سعى للتركيز طوال الـ150 سنة الماضية بشكل أساسي على التوفيق بين ماضيه الإسلامي ومبادئ الحداثة، قائلا إن الإصلاح السياسي في العالم العربي ترافق مع الإصلاح الديني.

وعلى الرغم من ظهور أشكال عديدة ومختلفة من الإصلاحات الدينية فإنها في مجملها يمكن تحديد هويتها بسهولة باعتبارها أنواعا من الفكر الديمقراطي الغربي.

الربيع العربي تتويج لقرن ونصف
من هذا المنطلق، اعتبر الكاتب أن الربيع العربي -الذي اندلعت شرارته سنة 2011- تتويج لقرن ونصف من الفكر السياسي والديني الذي سعى إلى تحقيق نظام حكم دستوري محدود في العالم العربي قادر على التوفيق بين الإسلام والحداثة الليبرالية.

وأشار فاضل إلى أن الأهمية التي اكتساها الفكر الليبرالي بالنسبة للفكر الإسلامي الحديث في العالم العربي لم تؤد إلى إيجاد مجموعة واسعة من المشاريع الداعية للإصلاح الديني فحسب، بل علاقة فصامية مع الغرب الليبرالي.

محمد فاضل: لا يمكن اعتبار الثورة المضادة مجرد نبذ للديمقراطية الانتخابية بحجة أنها ساهمت في تمكين الإسلاميين المعادين للديمقراطية، بل هي رفض قاطع لقوتين من الفكر السياسي والديني اللتين هيمنتا على العالم العربي خلال الـ150 سنة الماضية

فمن جهة، عبر دعاة الإصلاح العرب عن إعجابهم بإنجازات الغرب فيما يتعلق بالحكم السياسي الديمقراطي والتقدم العلمي والمادي، ومن جهة أخرى أعربوا عن استيائهم من الغرب لسياساته الإمبريالية التي سعت إلى تقويض قدرة الشعوب العربية على إرساء الحكم الذاتي الفعال وتحقيق الإصلاح والتقدم.

عدم الانحياز
ومضى الكاتب في تتبعه للتاريخ السياسي العربي الحديث ليقول إنه خلال الحرب الباردة ظهر عداء واسع النطاق ضد النظام الشيوعي الذي روج له آنذاك الاتحاد السوفياتي حتى في الدول العربية المناهضة للإمبريالية، وهو ما ساهم في ظهور دول عدم الانحياز.

أما بالنسبة للدول العربية المحافظة فكانت تشكك في عدد من الجوانب المتعلقة بالحداثة الليبرالية.

ومع ذلك، وجدت هذه الأنظمة عددا أكبر من القواسم المشتركة مع الغرب الليبرالي مقارنة بالاتحاد السوفياتي، لذلك آثرت التوجه إلى الغرب، ومع انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة كان من الضروري أن يتطور العالم العربي تدريجيا نحو تشكيل حكومات دستورية تقوم على نوع من التوافق بين الإسلاميين والليبراليين.

الإسلاميون والليبراليون
في الواقع، يبدو أن العديد من الدول العربية اتبعت هذا المسار في فترة ما بعد الحرب الباردة، حيث تخلت الأنظمة الاستبدادية تدريجيا من جانب من سلطتها المطلقة، لتمنح مساحة أكبر للجهات الفاعلة في المجتمع المدني والسماح بإجراء انتخابات أكثر حرية في مجالات مختلفة، وذلك دون السماح بتحدي النظام الحاكم.

وأوضح الكاتب أن العديد من الأصوات المدافعة عن الثورة المضادة حاليا أصبحت حجتها الأثيرة هي حماية الدولة من التطرف، وأن الحكومتين اللتين تقودان هذا التيار في العالم العربي هما المملكة السعودية ودولة الإمارات اللتان يبدو أنهما تريان أن لا مصلحة لهما في إقامة حكم ديمقراطي.

الديمقراطية والفتنة
وعوضا عن الحكم الديمقراطي تسعى السعودية والإمارات وغيرهما من الأنظمة الأوتوقراطية إلى الترويج لنموذج سياسي استبدادي، وعلى هذا النحو يمكن اعتبار أي محاولة للمطالبة بالحقوق السياسية تحريضا على الفتنة.

فضلا عن ذلك، وفي الوقت الراهن تمر مصر بمرحلة دقيقة لتعديل دستورها رسميا حتى يتسنى للرئيس عبد الفتاح السيسي تمديد فترة حكمه حتى سنة 2034 وتكريس السيادة العسكرية.

لذلك، يقول فاضل إن موقف كل من السعودية والإمارات إزاء المعارضة السياسية يعتبر مؤشرا صريحا وواضحا على مستقبل السياسة في العالم العربي.

محمد فاضل: ترى الأوتوقراطية العربية في كل من روسيا والصين نموذجا دائما للنظم السياسية (رويترز)
محمد فاضل: ترى الأوتوقراطية العربية في كل من روسيا والصين نموذجا دائما للنظم السياسية (رويترز)

الديمقراطية مهدد وجودي
نتيجة لذلك، لا يمكن اعتبار الثورة المضادة مجرد نبذ للديمقراطية الانتخابية بحجة أنها ساهمت في تمكين الإسلاميين المعادين للديمقراطية، بل هي رفض قاطع لقوتين من الفكر السياسي والديني اللتين هيمنتا على العالم العربي خلال الـ150 سنة الماضية، حيث لم تعد الديمقراطية هدفا مرغوبا في السياسة العربية، لكنها باتت بالأحرى تهديدا لوجود المجتمع ويجب مواجهتها واحتواؤها، كما أن أي نوع من السياسة الشعبية أضحى تهديدا "للوحدة الوطنية"، وبالتالي يجب قمعها بالقوة.

وتابع الكاتب قوله إنه عوضا عن منح المواطنين في الدول العربية فرصة للتمتع بحقوقهم السياسية تعتبر الأنظمة أن واجبها الوحيد هو حماية سكانها عسيري الحظ من خطر الانهيار الاجتماعي الذي قد ينجم عن أي شكل من أشكال الديمقراطية.

وفي مقابل الخنوع والخضوع الكامل للمواطنين تعد الدولة بأنها ستحاول تحسين المستوى المعيشي لرعاياها، ولكن بطبيعة الحال شريطة ألا تحمل نفسها مسؤولية فشل وعودها.

نموذج الصين وروسيا
وأشار الكاتب إلى أنه وفي ظل النظام العالمي الجديد -الذي يسوده التعامل التجاري متعدد الأقطاب والذي تروج له إدارة ترامب- ترى الأوتوقراطية العربية في كل من روسيا والصين نموذجا دائما للسياسة الاستبدادية التي تنبني على مشاركة مشاعر الازدراء تجاه الديمقراطية الليبرالية الغربية.

ويعتبر تنامي نفوذ الصين عاملا جاذبا، خاصة للأنظمة الأوتوقراطية العربية، لأنه يبدو أن الحكام العرب يطمحون إلى تحقيق التنمية دون التخلي عن سلطتهم ونفوذهم السياسي على الرغم من أنهم مستعدون للتضحية بتنمية بلدانهم إذا كان ذلك سيؤدي إلى الدعوة لإرساء الديمقراطية في أنظمتها.

الإيغور والأوتوقراطيات العالمية
ومن هذا المنظور، يعتبر استعداد محمد بن سلمان لتأييد السياسة الصينية تجاه الأقليات المسلمة أكثر من مجرد قرار تكتيكي، إذ إنه يمثل تناميا لنفوذ تحالف جديد يشمل أوتوقراطيات عالمية متحدة يجمع بينها إيمان مشترك بأن الديمقراطية خطر محدق، ناهيك عن منح الدول السلطة المطلقة لإدارة التغيير الاجتماعي والسياسي داخل حدودها دون الحاجة إلى التفكير في الخضوع للمساءلة من قبل شعوبها.

فالأيديولوجية الجديدة للأوتوقراطيات العربية ترفض أي نوع من التضامن العابر للحدود الوطنية، سواء كان ليبراليا أو إسلاميا، وبالتالي يمكن اعتبار اللامبالاة بمعاناة الإيغور، ودعم الأوتوقراطيين العرب الإسلاموفوبيا في الغرب نذيرا على حدوث أمور أسوأ في المستقبل.

المصدر: ميدل إيست آي

إعلان