هل تنجو السعودية من الجبهة الجديدة بمجلس حقوق الإنسان؟

President of the Human Rights Commission of Saudi Arabia Bandar al Aiban attends the Universal Periodic Review of Saudi Arabia by the Human Rights Council at the United Nations in Geneva, Switzerland, November 5, 2018. REUTERS/Denis Balibouse
مساع تقودها دول أوروبية في مجلس حقوق الإنسان لمشروع يوجه انتقادات للسعودية على خلفية انتهاكاتها بحق ناشطين (رويترز)

عبدالله العمادي

فُتحت جبهة جديدة أمام الرياض، ضمن جبهات عديدة مفتوحة، ما بين عسكرية وسياسية واقتصادية، لكنها هذه المرة حقوقية بحتة تقودها آيسلندا، التي فازت بعضوية مجلس حقوق الإنسان العام الماضي بالانتخاب، بعد انسحاب الولايات المتحدة من المجلس على خلفية اعتراضها على انتقادات وجِّهت لإسرائيل.

حصلت آيسلندا على دعم الدول الأوروبية في المجلس بالإضافة إلى دول أخرى، لقيادة وتنفيذ مشروع توجيه انتقاد للسعودية، العضو في المجلس الذي يضم 47 دولة، على خلفية تقارير حقوقية بشأن ممارسات ترتكبها السلطات في السعودية بحق ناشطين -رجالا ونساء- اعتقلوا دون محاكمات، حيث تستعد النيابة العامة بحسب تقارير، لإحالتهم إلى المحاكم الجنائية الخاصة بجرائم وقضايا الإرهاب، وخشية صدور أحكام بإعدامهم.

من المتوقع أن يخرج المجلس ببيان له اليوم الخميس، وسط تزايد المخاوف بشأن مصير ناشطي حقوق الإنسان المحتجزين في السجون، يندد بتلك الممارسات ويطالب السلطات السعودية بالإفراج عنهم، والتعاون مع تحقيق آخر متزامن تقوده الأمم المتحدة حول جريمة قتل وحشية، ارتكبت بحق الصحفي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في تركيا أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ليس من المنتظر أن تتأثر الرياض كثيرا بأي بيان يصدر عن مجلس حقوق الإنسان، وخاصة أنها بدأت بفك الشفرة السرية للقوى الفاعلة في المجتمع الدولي، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الصين وروسيا، التي ترى مصالحها الإستراتيجية فوق أي اعتبار.

وتستقرئ الرياض أحداثا ومشاهد دولية سابقة، لم تمنع بيانات أو إدانات المنظمات والهيئات الأممية المتنوعة لدول حفلت سجلاتها بالكثير من المخالفات والانتهاكات لحقوق الإنسان، من الاستمرار في خططها وسياساتها المختلفة، وأبرزها دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.

دعاة وإعلاميون وأكاديميون سعوديون اعتقلوا دون محاكمات(الجزيرة)
دعاة وإعلاميون وأكاديميون سعوديون اعتقلوا دون محاكمات(الجزيرة)

مساحات للمناورة
تدرك الرياض أيضا أن القوى الدولية الفاعلة تملك مساحات كبيرة للمناورة، والتلاعب بالمبادئ والقوانين حينما يبدأ الحديث يتجه نحو المصالح الإستراتيجية، أو حديث المال والنفط أو الاقتصاد بشكل عام.

إعلان

وتملك الرياض اليوم أقوى أوراق الدعم السياسي المتمثل في إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تقف حجر عثرة أمام كل المحاولات الأميركية الداخلية وكذلك الخارجية للتأثير على سياسات الدولة السعودية.

ولعل أبرزها ما يحدث في قضية خاشقجي منذ أكثر من خمسة أشهر إلى الآن، أو ما حدث بالأمس القريب مع دول الاتحاد الأوروبي التي يبدو أنها رضخت لضغوط واشنطن وكذلك الرياض ونفوذهما وتأثيرهما الاقتصادي، لقطع الطريق أمام المفوضية الأوروبية من الاستمرار في مشروع وضع لائحة سوداء للدول التي لا تبذل جهودا واضحة وكافية لمكافحة تبييض الأموال.

وكان من ضمن المشروع ضم السعودية ودول أخرى إلى اللائحة، حيث رفضت دول الاتحاد الأوروبي -بالإجماع- إدراج السعودية ضمن اللائحة، في مشهد غير متوقع قالت على إثره منظمة الشفافية الدولية إن هذا الإجماع فوت فرصة "إظهار التزام دول الاتحاد بمكافحة تبييض الأموال والفساد المالي".

السعودية ما زالت تملك أوراق ضغط عديدة يمكن استغلالها أمام القوى المختلفة التي تفتح جبهات مواجهة معها، سواء كانت على شكل دول أو هيئات ومنظمات.

‪‬ ناشطات حقوقيات تعرضن لانتهاكات في السجون السعودية بحسب تقارير إعلامية(الجزيرة)
‪‬ ناشطات حقوقيات تعرضن لانتهاكات في السجون السعودية بحسب تقارير إعلامية(الجزيرة)

ليست لوحدها
تدرك السعودية تماما أنها ليست الدولة الأولى ولن تكون الأخيرة أو الوحيدة في مسائل تتعلق بحقوق الإنسان، فها هو النظام الحاكم في مصر، كمثال ثان بعد دولة الاحتلال الإسرائيلي، وصاحب سجل سيئ في مجال حقوق الإنسان، تجتمع دول أوروبا وبعض قادة العرب عنده في قمة شرم الشيخ، بُعيد مشهد إعدام تسعة من الشباب دون محاكمات عادلة، رغم الإدانات الدولية الكثيرة، فإن المصالح الإستراتيجية كانت أعلى صوتا من حقوق الإنسان.

أضف إلى ذلك، أن بعض الضغوط الأوروبية على الرياض في مجال بيع الأسلحة، لن تكون ذات تأثير بالغ، باعتبار وجود وفرة من البدائل أمام الرياض في سوق السلاح.

هذا كله يجعل الرياض تدرك يقينا أن الجبهات العديدة التي تُفتح أمامها -والتي هي نتاج سياسات داخلية وخارجية غير منضبطة ومتسرعة- تحتاج فيها إلى شيء من الصبر والذكاء السياسي للتغلب عليها والخروج منها، مع دعم بعض الأصدقاء وعلى رأسهم ترامب.

لكن رغم كل ذلك، يمكن القول إن رهان الرياض على دعم ترامب في مواجهة كل الجبهات المفتوحة أمامها، ليس فيه أي ضمانات أو تأكيدات على أنه سيستمر.

فالرجل ذاته مأزوم وأمامه عشرات الجبهات، وما لم تتنبه الرياض إلى سياساتها سريعا، فإن التقلبات السياسية على المسرح الدولي قد تضعها في مآزق لا قبل لها بها. فهل تتدارك أمورها قبل أن تزداد حجم الاحتقانات الدولية المختلفة ضدها؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والأحداث القادمة.

المصدر: الجزيرة

إعلان