صهر عبد الله عزام للجزيرة نت: السعودية هي من أذكت التطرف

الجزيرة نت-لندن
18 عاما قضاها الباحث ومستشار المجلس الأعلى للصلح في أفغانستان عبد الله أنس وهو يفكر في توثيق تجربته الأفغانية قبل أن يرويها في كتابه الذي صدر حديثا بعنوان "حياتي في الجهاد من الجزائر إلى أفغانستان"، الذي روى فيه خلاصة تلك الرحلة، وأوضح فيه الفرق بين "الجهاد النقي الشرعي" وجهاد انحرفت بوصلته واختطف على أيدي جماعات متطرفة نظّرت لما سمي بـ"الجهاد العالمي" وقتل المسلمين وغير المسلمين في انحراف عن المنهج وفقدان للبوصلة الشرعية والوطنية.
أنس، وهو صهر الزعيم الروحي للمجاهدين العرب في أفغانستان الشيخ عبد الله عزام، قال للجزيرة نت إنه مند أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 استشعر الخطر المحدق بالأمة جراء اختطاف القاعدة لمفهوم الجهاد وتصدير ما يسمى بـ"الجهاد العالمي" على أيدي جماعة الجهاد المصرية وقادتها أيمن الظواهري وسيد إمام اللذين أقنعا أسامة بن لادن بالفكرة، جنبا إلى جنب مع دخول أجهزة استخباراتية عالمية على الخط واستحسانها للفكرة واختراقها هذه الجماعات.
وفيما يلي نص الحوار:
ماهي دوافعك لتأليف الكتاب؟
كنت أفكر منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001 في هذا الكتاب، عندما بدأت أشعر أن قيمة الجهاد وفكرته بدأت تأخذ منحى غير الذي أرادته الشريعة الإسلامية، وغير تجربتنا الأفغانية، وأمست كلمة "الجهاد" ضحية لفريقين، الأول متطرف يميني يريد وضع كلمة الجهاد مرادفة لكلمة الإرهاب والإجرام، واجتمع على ذلك اليمين المتطرف مع أنظمة عربية وأجهزة مخابراتها. والثاني جماعات اختطفت مفهوم الجهاد وحوّلته لما يعرف بـ"الجهاد العالمي" الذي ابتكرته رغم نبذ علماء أفغانستان له وإنكار الشيخ عبد الله عزام له، وأصبحت تلبس أعمال قتل الأبرياء وخطف الطائرات وتفجير المطاعم لباسا شرعيا هو براء منه.
لكن ألم تكن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 بشكل أو بآخر حصادا للتجربة الأفغانية؟
الجهاد الشرعي النقي الذي مارسته في أفغانستان عشر سنوات من 1983 إلى 1992 مختلف تماما ولا علاقة له بذلك، فالجهاد الذي مارسته مع قادة الجهاد الشيخ عبد الله عزام والقائد أحمد شاه مسعود لم أر فيه أي انحراف عن المنهج الرباني.
في تلك الفترة لم تكن صورة الجهاد كالتي يصفها الغرب اليوم بالإجرام، ولا الجهاد الذي تعنيه التيارات المتطرفة مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وبوكو حرام وغيرها ممن يحاولون نسبة أعمالهم الإجرامية للجهاد، بل كان الجهاد الأفغاني الذي مارسته جهاد حق وجهاد نبيل وجهادا في الخنادق ضد محتل، ولم تخرج أي عملية له خارج حدود الأرض الأفغانية، كما أنه انتهى بمجرد اندحار الاتحاد السوفياتي ومغادرته أفغانستان.
لماذا يقال إن الحركات التي ذكرتها، القاعدة وبوكو حرام، أخذت التجربة من الجهاد الأفغاني؟
هذه واحدة من الأمور التي حاولت في الكتاب إماطة اللثام عنها وإزالة اللبس بشأنها، لذلك قمت بتوثيق للتجربة الأفغانية بكامل تفاصيلها.
كثير من النقاد اتهموا المجاهدين العرب في أفغانستان بالعمالة للأميركيين، واعتبروا أن جهاد أفغانستان كان يصب في صالح أميركا ولذلك كانت تدعمه، ما رأيكم؟
كان الروس في إطار الحرب الباردة يريدون الوصول للمياه الدافئة، وكان الاتحاد السوفياتي يسعى للتوسع في العالم الإسلامي، وكان المعسكر الغربي تنتهي حدوده بعد الدول الخليجية في أفغانستان، فجاء الجهاد الأفغاني ليمثل الحدود بين معسكر الشرق والغرب، فالأميركان والمعسكر الغربي رأوا أن هذه فرصة يمكن أن يحدّوا فيها من النفوذ السوفياتي.
أما الشعب الأفغاني فلم يطلق جهاده بأمر من الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ريغان، فأنا التحقت بعد أربع سنوات من انطلاق الجهاد عام 1979 ولم يكن هناك أي دعم أميركي حتى تلك اللحظة، وأول "ستينغر" وصلنا عام 1989، مما يعني أن هذا الجهاد المبارك لم يبدأ بأمر ولا تسليح أميركي، وقد شهدت أن بعض الجبهات كانت تعيش طوال اليوم على حبة بطاطا واحدة، وكانوا يتناوبون في لبس الأحذية. بدأ المجاهدون ببنادق الصيد والفؤوس. إن الجهاد لم ينطلق بأمر أميركا، لكن أميركا تقاطعت مصالحها مع جهاد هذا الشعب الأبي المستعد للتضحيات وهو شرس وعنده تجارب مع الحروب، والأفغان كانوا أذكياء، مبدؤهم قائم على أن معركتا مع الروس، وإذا الأميركيون والإنجليز لا يمانعون في الدعم فنحن أيضا لا نمانع، لكن دون شروط ولا إملاءات.
ما الحكم الشرعي الذي استند عليه الأفغان في تلك المقاربة؟
هذا السؤال طرح في 1978 و1988 عندما جاءت المساعدة الأميركية متأخرة عبر ستينغر، وكان السؤال هل يجوز أخذ هذه الصواريخ؟ ودار نقاش كبير ورجع العلماء للفقه الحنفي، ورجحت مشروعية الأخذ دون شرط، كما أن الأميركان لم يكونوا يتعاملون مباشرة مع الأفغان، بل عبر باكستان، أما السعودية فكان دورها المالي رقم واحد في تقديم الدعم وتسهيل جمع التبرعات للجهاد الأفغاني، وكان الشيخ عبد الله عزام يصول ويجول في المساجد في السعودية ويجمع التبرعات.

السعودية اليوم تقول إن أسّ الإرهاب في العالم جاء من مجاهدي أفغانستان.
هذا لا يستقيم تاريخيا، حيث تعود ولادة أسّ التطرف إلى ما قبل الجهاد الأفغاني بمئات السنين، وتحديدا منذ اتفاق الدرعية عام 1745م، وتَشكّل الدولة السعودية الأولى التي غذّت التطرف بالتحالف المعروف بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، واعتمادها على المدرسة الوهابية التي كانت عنيفة جدا ودموية مع المدارس الأخرى، وهذه المدرسة والشر الذي جلبته على العالم الإسلامي كان قبل الجهاد الأفغاني بمئات السنين.
من جهة أخرى، لا يوجد مذهب مكروه عند الشعب الأفغاني كالمذهب الوهابي، فإذا أردت أن تنهي أي إمام أو قائد في أفغانستان اتهمه بأنه وهابي، لأن المدرسة الموجودة هي الحنفية، أما الوهابية فكانت منبوذة وغير مرحب بها، وهذا خلاف ما قاله محمد بن سلمان بأنهم دعموا التشدد من أجل محاربة السوفيات، أما القاعدة فهي فكر سلفي وهابي جاء به أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري، ودعوا لما سمي بالجهاد العالمي.
دعنا نتحدث عن هذه الفكرة إذن.. ما الذي أذكى التطرف إذًا؟ ومن أين أتى مفهوم الجهاد العالمي؟
أنا مؤسس في مكتب الخدمات الذي أنشأه الدكتور عبد الله عزام والتحق بنا أسامة بن لادن عام 1985 وكان تابعا لبرنامج الخدمات، والعرب الذين جاؤوا كانوا دكاترة ومعلمين ومدربين، إضافة للمقاتلين من منطلق الخدمة وبشروط الأفغان، وعندما انعزل أسامة بن لادن عام 1988 وبدأ يتبنى أفكارا مفادها أن هذا الجهاد سينتهي يوما ما -حيث كانت نظرة الدكتور عبد الله عزام أنه إذا انتهى الاحتلال السوفياتي انتهى الجهاد- خالفته جماعة الجهاد المصرية وأفكار أيمن الظواهري وسيد إمام الذين نظّروا للجهاد العالمي، وهم الذين غذوا التطرف وأقنعوا أسامة بن لادن بفكرة الجهاد العالمي وعمل خلايا عالمية، وظهرت جليا عام 1989 عندما انفصل بن لادن عن مكتب الخدمات، وأصبح له معسكرات مستقلة، وكانت هذه فكرة مرفوضة عند الشيخ عبد الله عزام.
هل أثرت أفكار الظواهري فقط على أسامة بن لادن أم هناك أياد استخباراتية أخرى؟
نعم هناك أياد استخباراتية دولية، هذا ما رصدناه وهذا ما أنا متأكد منه، حضرت أكثر من جلسة وأخبرت بن لادن مباشرة أن هذا الاتجاه خطير، قلت له صحيح هناك مظلمة عالمية للمسلمين، لكن قضية إدارة ملف الجهاد أمر خطير، لأنه إن أفلت فليس في مصلحة الأمة، وبرأيي فإن الأمة اليوم تدفع ثمن فكرة الجهاد العالمي حيث دخلت المخابرات الدولية على المعادلة والتي اكتشفت أن هذه الفكرة ليس من وراءها رؤية شرعية ولا فكر سياسي فوجدت فيها ضالتها، وأصبح كل جهاز مخابرات يأخذ حصة ويستثمر فيها.
دخلت المخابرات الإيرانية ومخابرات آسيوية وأميركية، وهناك شكوك مشروعة خاصة أن كل قادة القاعدة لجؤوا لإيران بعد هروبهم من تورا بورا، وبعد ثلاثة أسابيع لحق بهم كل أولادهم وزوجاتهم، وكل قادة التنظيم خلال تلك الفترة كانوا يعيشون ويصرف عليهم تحت أعين وإدارة الحرس الثوري، وهنا جاء الاحتلال الأميركي للعراق ودخلت القاعدة على الخط ليس بمنظور تحرير العراق، بل بغض طرف من قبل إيران التي من مصلحتها عدم وجود مقاومة وطنية منضبطة. ومن جهة أخرى، بهدف ضرب الأميركان ليتركوا العراق لهم، فـ(القائد في القاعدة أبو مصعب) الزرقاوي هذا امتداد لانحراف فكرة الجهاد العالمي التي أعتقد جازما أنها ولدت من رحم الاستخبارات العالمية.
رأيك في دولة البغدادي "الإسلامية" والقاعدة.
بين الشعار البراق الجذاب والدولة الإسلامية الحقيقية بون كبير، أقول دائما نعم للشعارات، لكن لا للالتحاق بها، لأنها شعارات فقط، أما هذا التنظيم فقائم على الجهل والاختراق والعنف، وكل هذه الأسماء التي تقود هذه التيارات ليس لها أي تاريخ وغير معروفين في الجهاد الأفغاني، بينما هم يحاولون القول إنهم يأخذون شرعيتهم من الجهاد الأفغاني بينما هو منهم براء، بل هم كانوا يخونون عبد الله عزام وقادة الجهاد.
ما الأسرار التي سردتها في كتابك عن سقوط كابل واقتتال المجاهدين بعدها؟
السبب الرئيسي لسقوط كابل هو شراسة المقاومة الأفغانية، وسبب اقتتال المجاهدين هو أن الأمة المسلمة جاهزة للجهاد والاستشهاد، لكنها تعاني إشكالا في بناء الدولة، فبناة المجتمعات غير متوفرين في الأمة المسلمة، تلك الأعداد الهائلة من المجاهدين في الخنادق التي كانت جاهزة للموت في سبيل الله كانت فقيرة جدا في خبرة بناء الدولة، وتأكد هذا لدي بعد الربيع العربي.
المشهد الأخير في أفغانستان..
اقتتال الأفغان، فبحسرة وآلم شهدنا تحوّل فرحة الفتح إلى اقتتال وحزن، وتركت أفغانستان وقلبي هناك.
كيف اغتيل عبد الله عزام؟ هل وثقت ذلك في كتابك؟
حاولت في الكتاب نقل الصورة التي كانت شائعة في المضافات والمعسكرات، وهي اتهامات للموساد أو الأميركان أو المخابرات الإيرانية أو الباكستانية أو الحزب الإسلامي في أفغانستان، لكن لا توجد رواية قائمة على أسس قانونية موثقة، سمعت قبل أربعة شهور عبد رب الرسول سياف -وهو أحد زعماء الجهاد الأفغاني- زار السعودية وأدلى بتصريح بالغ الأهمية بأنهم يعلمون علم اليقين من قتل عبد الله عزام، لكن لم يحن الوقت للتصريح بأسمائهم.