الطيب.. شيخ الأزهر الذي جعلته الثورة زعيما سياسيا

محمد اليماني - شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب (رويترز- أرشيف) - أحمد الطيب.. إمام بدرجة سياسي

محمد سيف الدين-القاهرة

تسع سنوات قضاها الشيخ أحمد الطيب على مقعد مشيخة الأزهر، تختلف ظروفها ودرجات حدتها باختلاف الرؤساء الخمسة الذين تعاقبوا على حكم مصر خلال هذه السنوات.

فمنذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 والطيب يقترب تدريجيا من السياسة ليصل الآن إلى ما يصفه البعض بنوع من الزعامة السياسية في مواجهة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، زعامة ربما فرضتها الأحداث على الطيب فرضا وليس اختيارا.

فاللحظة الحالية ربما تكتب للطيب أنه صمد في وجه نداءات وانتقادات لاذعة، تطالب الأزهر بضرورة ما تسميه "تنقية المناهج الإسلامية وكتب التراث"، والمثير أن بعضها جاء من السيسي نفسه. وربما ينبع هذا الصمود من خلال تحصين منصب شيخ الأزهر قانونيا ضمن قانون استقلال الأزهر والذي صدر إبان فترة حكم المجلس العسكري لمصر بعد ثورة يناير.

‪الخلاف الفكري والسياسي تصاعد مؤخرا بين السيسي والطيب‬ (رويترز)
‪الخلاف الفكري والسياسي تصاعد مؤخرا بين السيسي والطيب‬ (رويترز)

كواليس الاختيار
في 19 مارس/آذار 2010 أصدر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك قرارا بتعيين الطيب شيخا للأزهر خلفا للراحل محمد سيد طنطاوي، وعن هذا يقول الصحفي  العزب الطيب الطاهر، وهو من أبناء بلدة شيخ الأزهر، إن "مبارك اختار الطيب من بين خمسة أسماء عٌرضت عليه لخلافة طنطاوي، ليس بسبب الكفاءة فقط، وإنما لإجادته اللغتين الإنجليزية والفرنسية بطلاقة".

وأضاف الطاهر -في تصريحات صحفية سابقة- أن "مبارك كان وقتها يعالج في ألمانيا، وتقدم له رئيس ديوان رئاسة الجمهورية زكريا عزمي بقائمة من خمسة أسماء لاختيار شيخ للأزهر، فاختار الطيب وقال إنه يجيد الفرنسية والإنجليزية، وهذا ما نريده في شيخ الأزهر حتى يقدم صورة الأزهر والإسلام للعالم بلغاته المختلفة ويكون منفتحا على الآخر".

كان الطيب عضوا في لجنة السياسات بالحزب الوطني (المنحل) التي ترأسها جمال مبارك، وبعد اختياره شيخا للأزهر تمسّك بالعضوية مبررا ذلك بقوله "الحزب يحتاج إلى الأزهر والأزهر يحتاج إلى الحزب، وليس هناك تعارض في أن يكون وراء شيخ الأزهر حزب يستفيد منه لتقوية الأزهر"، وعندما سئل أيهما أهم، أجاب بكلمة أثارت غضب وسخرية المعارضة وقتها "لا أستطيع أن أقول أيهما أهم، فإن ذلك مثل سؤال: أيهما أهم الشمس أو القمر؟"، لكن المفارقة أنه بعدها بنحو ثلاثة أسابيع استقال من الحزب الحاكم.

ومنذ تعيينه شيخا للأزهر وحتى ثورة يناير، التزم الطيب الخط الرسمي للمؤسسات الدينية التقليدية، فأظهر الولاء لرئيس الجمهورية.

من هو الطيب؟
ولد أحمد محمد أحمد الطيب في يناير/كانون الثاني 1946 بقرية القرنة بمحافظة الأقصر جنوبي مصر، ونشأ في بيت صوفي، فجدّه الأكبر الشيخ الطيب الحساني مؤسس الطريقة "الخلواتية الحسانية" التي تولى والده شؤونها ثم تركها لأخيه الشيخ محمد الطيب.

تعلم في الأزهر حتى التحق بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين حتى تخرج فيها بتفوق عام 1969، ثم نال شهادة الماجستير عام 1971، والدكتوراه عام 1977، ليرحل بعدها إلى باريس، ويجيد الفرنسية حد الترجمة منها وإليها.

تدرج الطيب في جميع المناصب حتى وصل إلى منصب مفتي الديار المصرية (10 مارس/آذار 2002 حتى 27 سبتمبر/أيلول 2003)، ثم تركه ليتولى رئاسة جامعة الأزهر، ثم شيخا للأزهر يوم 19 مارس/آذار 2010، وخلال الأعوام التسعة التي قضاها على كرسي شيخ الأزهر، حصل الطيب على 6 دكتواره فخرية و7 أوسمة والعديد من الجوائز العالمية.

ثورة ثم انقلاب
لم يمض على قرار تعيين الطيب في منصبه الجديد أكثر من تسعة أشهر حتى اندلعت ثورة يناير، لتطيح بمبارك بعد 18 يوما، وفي بدايتها مال الطيب بالأزهر إلى الاتجاه الرسمي للدولة، وأفتى بحرمة المظاهرات ووصفها بدعوة للفوضى، مضيفا "المظاهرات حرام لأنها خروج عن الحاكم، فالموجودون في الميادين الآن خانوا الوطن والدين الإسلامي".

لكن بالتزامن مع ما عرفت بموقعة الجمل في 2 فبراير/شباط 2011، أعرب الطيب عن أسفه الشديد للصدامات، مشددا على ضرورة التوقف فورا عن العصبية الغاشمة، وكرر دعوته الشباب المتظاهرين إلى التحاور.

وبعدما أعلن مبارك نقل سلطاته إلى نائبه اللواء عمر سليمان، حذر الطيب من استمرار المظاهرات التي أصبحت "لا معنى لها" و"حرام شرعا" بعد انتهاء النظام الحاكم وتحقيق مطالب الشباب، ومن ثم زال المبرر الشرعي للتظاهر، بحسب وصفه.

ثم عاد الطيب وأيّد دعوات الاحتشاد في الميادين ضد الرئيس الأسبق محمد مرسي خلال أحداث 30 يونيو/حزيران 2013.

وأيّد الطيب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وشارك في بيان الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي يوم 3 يوليو/تموز 2013، قائلا "عملا بقانون الشرع الإسلامي القائل إن ارتكاب أخف الضررين واجب شرعي، وخروجا من هذا المأزق السياسي الذي وقع فيه الشعب المصري، بين مؤيد للنظام الحالي ومعارض لاستمراره، ولا يريد أحد أن يتزحزح عن قراره، فإنني أؤيد قرار إجراء انتخابات رئاسية مبكرة".

استقلال الأزهر
بعد أحداث ثورة يناير وإبان فترة المجلس العسكري، سعى الطيب لنيل استقلال الأزهر عن السلطة السياسية حتى وصل إلى مبتغاه.

ففي أوج التقلبات السياسية التي كانت تشهدها مصر، ضغط الطيب على المجلس العسكري والقوى السياسية قبل انتخاب البرلمان لإصدار قوانين وتشريعات تضمن استقلالية شيخ الأزهر بحيث يصبح غير قابل للعزل ويتم اختياره من بين هيئة كبار العلماء، وهو ما استطاع تحقيقه لينهي وصاية كانت قائمة للسلطة السياسية على الأزهر منذ قانون صدر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وفي أكثر من مناسبة أشار الطيب إلى هذا الاستقلال بكلمات صريحة، قائلا إن "الأزهر فوق الثورة والسلطة"، وقد شكلت هذه العبارة جزءا كبيرا من فلسفته في إدارة الأزمات بعد ذلك.

الاستقلال والحصانة اللذان حظي بهما الطيب جعلاه يخوض صراعات سياسية وفكرية حتى مع السيسي، الذي تولى الرئاسة في انتخابات جرت بعد نحو عام من الانقلاب.

وبين الحين والآخر تتصاعد دعوات برلمانية لتعديل قانون الأزهر بمواد يراها مؤيدو الأزهر أنها تنزع من الأزهر أدوراه الرئيسية، وكان آخرها خلال الحديث عن التعديلات الدستورية المقترحة لتمديد ولاية السيسي، حيث تردد أنها ستتضمن مواد مقترحة تتيح للسيسي عزل شيخ الأزهر، لكن هذه المواد لم تٌطرح على البرلمان.

الإمام والجنرال
شهدت العلاقة بين السيسي والطيب توترات وخلافات حادة، وأخذت العلاقة بينهما في التراجع حتى وصلا إلى ما يشبه الصدام، خاصة خلال الآونة الأخيرة بسبب رفض الطيب إقرار مقترحات ورؤى رئاسية ذات علاقة بنصوص شرعية وفقهية.

كان أول صدام بين الإمام والسيسي بعد سقوط ضحايا في أحداث الحرس الجمهوري التي وقعت بعد خمسة أيام من بيان الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي.

وقال الطيب وقتها "قد أجد نفسي مضطرا إلى أن أعتكف في بيتي حتى يتحمل الجميع مسؤوليته تجاه وقف نزيف الدم، منعا من جر البلاد لحرب أهلية طالما حذر الأزهر، وطالما حذرنا من الوقوع فيها".

ثم عاد وأكد الموقف نفسه بصيغة أكثر بعد أحداث فض اعتصام مؤيدي مرسي ورافضي الانقلاب في ميداني رابعة العدوية والنهضة يوم 14 أغسطس/آب 2013، حيث خرج الطيب في بيان صوتي قائلا "إن الأزهر يؤكد دائما على حرمة الدماء وعظم مسؤوليتها أمام الله والوطن والتاريخ، ويعلن الأزهر أسفه لوقوع عدد من الضحايا"، مؤكدا أنه لم يعلم بقرار الفض إلا عبر وسائل الإعلام.

وبعد البيان توجّه الطيب إلى ساحة "آل الطيب" بمسقط رأسه في نوع من الخلوة بعيدا عما يجري في القاهرة، ثم عاد لتتواصل الخلافات لاحقا عندما رفض الشيخ  أواخر 2014 الإفتاء بكفر عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، مؤكدا على ضرورة محاربتهم لكن دون تكفير، ليناقض ما دعا إليه بعض المحسوبين على الثقافة والسلطة.

مبارزات كلامية
وتصاعد الخلاف ليصل إلى مواجهة علنية عندما طالب السيسي الأزهر والطيب بما وصفها بثورة في الخطاب الديني، وذلك خلال الاحتفال بعيد الشرطة في يناير/كانون الثاني 2017. وقال السيسي "إننا في حاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون هذا الخطاب متناغما مع عصره".

وتكرر المشهد ذاته خلال العام الماضي أثناء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أيضا، وهذه المرة خاطب السيسي الإمام الأكبر قائلا "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وكرر السيسي مطالبته بإعادة النظر في أصول الدين بما يلائم العصر، مؤكدا أن الإساءة للإسلام جاءت من قبل الداعين إلى الأخذ بالسنة والتمسك بها وليس من الفريق الآخر.

وفي يناير/كانون الثاني 2017، طالب السيسي -خلال كلمته باحتفالات عيد الشرطة المصرية- بتعديل قانون الطلاق بإلغاء الطلاق الشفهي ليصبح الطلاق المعتمد فقط أمام المأذون، ‎وبعد مطلب السيسي بأسبوعين تقريبا، أصدر الأزهر -ممثلا في هيئة كبار العلماء- بيانا مذيلا بتوقيع الطيب يرفض فيه هذا التعديل المتنافي مع الشرع.

وصل الصراع إلى ذروته في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حيث تابع المصريون مبارزة كلامية بين السيسي والطيب حول السنة النبوية التي انحاز لها الطيب، بينما بدا أن السيسي يفتح الباب أمام مناقشتها بدعوى التجديد.

فخلال احتفالات المولد النبوي الشريف، هاجم الطيب ما وصفها بـ"الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها والطعن في رواتها"، كما هاجم الدعوات "المطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام والاعتماد على القرآن الكريم فحسب".

وأثار خطاب شيخ الأزهر حفيظة السيسي الذي أنهى كلمته المكتوبة، ثم اشتبك مع ما ذكره أحمد الطيب بشكل مباشر، مؤكدا أن خطاب شيخ الأزهر دفعه للحديث خارج السياق قليلا، مضيفا "أرجو ألا يفهم أحد كلامي على أنه إساءة إلى أي أحد".

وتابع السيسي أن "الإشكالية في عالمنا الإسلامي حاليا ليست في اتباع السنة النبوية من عدمها، فهذه أقوال بعض الناس، لكن المشكلة هي القراءة الخاطئة لأصول ديننا، وهذه المرة الرابعة أو الخامسة التي أتحدث فيها معكم كإنسان مسلم وليس كحاكم".

وتساءل السيسي "من أساء إلى الإسلام أكثر: الدعوة إلى ترك السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن فقط، أم الفهم الخاطئ والتطرف الشديد؟ ما هي سمعة المسلمين في العالم الآن؟".

وبينما تسير علاقة الطيب بالسيسي في طريق شائك، فإن العلاقة مع طرف آخر مهم هو جماعة الإخوان المسلمين لا تبدو أحسن حالا، حيث لا ينسى له الكثيرون مشاركته في بيان الانقلاب، كما أن النزعة الصوفية لدى الرجل لا تجعله محل ارتياح لدى أصحاب التوجه السلفي، لكن قوة الأزهر تاريخيا وما نجح الرجل في الحصول عليه من تحصين لموقعه مكناه من الصمود حتى الآن أمام عواصف الغضب مع اختلاف مصادرها.

المصدر : الجزيرة