الهدم.. سلاح إسرائيل لتشريد الفلسطينيين

مواطن من بلدة سخنين في الجليل يضطر لهدم منزله ذاتيا تفاديا للغرامات وتكاليف الهدم. (تصوير الزميل أمين بشير حولت إلي لاستعمالها ونشرها بالجزيرة نت".
مواطن من بلدة سخنين في الجليل يضطر لهدم منزله ذاتيا تفاديا للغرامات وتكاليف الهدم (الجزيرة)

محمد محسن وتد-القدس المحتلة

كشف تقرير لمؤسسة حقوقية إسرائيلية أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي هدمت خلال عام 2018، 538 بيتا ومنشأة فلسطينية بالضفة الغربية والقدس المحتلتين، حيث بات 1300 فلسطيني بينهم 225 طفلا بلا مأوى، الأمر الذي يعد انتهاكا لاتفاقية جنيف الرابع المواثيق الدولية التي تحظر على الدولة المحتلة تشريد السكان الأصليين.

وسجلت عمليات الهدم ارتفاعا بحوالي 45% بالقدس المحتلة حيث تم هدم 68 منزلا و178 منشأة، إذ تركزت عمليات الهدم داخل أحياء القدس خاصة في منطقة سلوان جنوب الأقصى وبلدة العيساوية ومخيم شعفاط.

كما أصدرت سلطات الاحتلال إخطارات بوقف البناء والترميم لنحو 460 بيتا ومنشأة، بلغت بالقدس وحدها 27% من مجمل الإخطارات. بحسب تقرير توثيقي صادر عن مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق.

واحتدمت معركة الصراع على الأرض والمسكن بالداخل الفلسطيني خلال عام 2018، حيث هدمت آلاف المنازل والمنشآت الزراعية والتجارية بذريعة البناء دون تراخيص، وتركزت عمليات الهدم وإخطارات التوقف عن البناء في صحراء النقب.

‪البلدات العربية تحاصر ويمنع عنها مسطحات البناء، في الصورة مدينة أم الفحم تعيش أزمة سكنية خانقة‬ (الجزيرة)
‪البلدات العربية تحاصر ويمنع عنها مسطحات البناء، في الصورة مدينة أم الفحم تعيش أزمة سكنية خانقة‬ (الجزيرة)

وتتواصل المعركة بين المؤسسة الإسرائيلية والبدو بالنقب على حقوق الملكية لحوالي 800 ألف دونم وضعت إسرائيل اليد عليها ضمن مخطط "برافر" وتدعي الملكية للأرض التي يفلحها ويسكنها البدو منذ الحكم العثماني لفلسطين.

عدالة زائفة
ويلخص التقرير الصادر عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" الذي أتى بعنوان "عدالة زائفة.. مسؤولية قضاة المحكمة العليا عن هدم منازل الفلسطينيين وسلبهم أرضهم"، توظيف الجهاز القضائي الإسرائيلي بسياسة الهدم وسلب الأراضي للفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.

وتدعي تل أبيب بحسب التقرير، أن الحديث يدور عن مجرد مسألة بناء مخالف للقانون، وكأنما لا يوجد للهدم ومصادرة الأرض إسقاطات وآثار بعيدة المدى على حقوق الإنسان لمئات الآلاف من الفلسطينيين، فالوقائع على الأرض تشير إلى أن ما يحدث تطهير عرقي وتعكس الأطماع الإسرائيلية للاستيطان وتهويد فلسطين التاريخية.

وبحسب "بتسيلم"، فإن الجهاز القضائي الإسرائيلي بإصداره آلاف القرارات والأحكام بموضوعي الهدم والمصادرة خلال العقد الأخير، اعتبر أن سياسة التخطيط الإسرائيلية قانونية ولا تشوبها شائبة، مسلطا الضوء على الجانب التقني.

ويتساءل التقرير "هل يمتلك من قدم الالتماس ضد الهدم رخصة بناء؟ ويتجاهلون حقيقة أن إسرائيل تمنع البناء عن الفلسطينيين بشكل شبه كلي، ما يجبرهم على بناء منازلهم دون تراخيص".

ووفقا لمعطيات الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، قدم الفلسطينيون 5475 طلب ترخيص بناء في الفترة الواقعة بين عام 2000 ومنتصف عام 2016 وجرت الموافقة على 226 طلبا فقط أي نحو 4% من الطلبات.

كما أصدرت الإدارة المدنية آلاف أوامر الهدم لمبان فلسطينية، إذ صدر 16796 أمر هدم في الفترة الواقعة بين عام 1988 وعام 2017، نفذ منها 3483 أمرا ولا يزال 3081 أمر هدم قيد المداولة القضائية.

وفقا لمعطيات "بتسيلم"، منذ عام 2006 وحتى نهاية عام 2018 هدمت إسرائيل على الأقل 1401 من منازل الفلسطينيين بالضفة دون القدس، حيث فقد على الأقل 6207 أشخاص منازلهم بينهم على الأقل 3134 قاصرا.

‪ركام هدم المنازل مشهد اعتيادي بالبلدات العربية بالداخل‬  (الجزيرة)
‪ركام هدم المنازل مشهد اعتيادي بالبلدات العربية بالداخل‬  (الجزيرة)

أما في التجمعات البدوية في الأغوار وقضاء القدس التي لا تعترف بها إسرائيل وجزء كبير منها مهدد بالتهجير، تهدم سلطات الاحتلال سنويا منازل السكان مرارا وتكرارا، وخلال هذه الفترة شردت مرارا في هذه التجمعات 1014 فلسطينيا بينهم 485 قاصرا.

انتهاك للحقوق
ومع دخول قانون "كيمنتس" حيز التنفيذ والشروع بتطبيقه بالداخل الفلسطيني والقدس المحتلة مطلع العام الجاري، فإن العام 2019 سيكون محطة مفصلية بكل ما يتعلق في مضاعفة أوامر الهدم، إضافة إلى تحرير المخالفات والغرامات التي قد تصل إلى 100 ألف دولار دون اللجوء للمحاكم الإسرائيلية.

ويرى المحاضر في كلية الحقوق في الجامعة العبرية بالقدس، المحامي قيس ناصر، المتخصص في قضايا التنظيم والبناء والأراضي والقضاء الإداري، أن عام 2019 يشكل تحديات للفلسطينيين بالداخل والقدس، بسبب تعديلات قوانين التنظيم والبناء التي تمنح صلاحيات واسعة للجنة التخطيط والبناء دون اللجوء للمحاكم.

وأوضح ناصر في حديثه للجزيرة نت، أن أخطر ما تحمله تعديلات قانون "كيمنتس"، دفع المواطن لهدم منزله ذاتيا تفاديا للغرامات وتكاليف الهدم التي قد تصل إلى عشرات آلاف الدولارات، إلى جانب تمادي السلطات الإسرائيلية بإصدار إخطارات الهدم، كما يحق لمراقبي لجان التنظيم والبناء مصادرة مواد البناء أو حتى شاحنة بموقع البناء.

ويعتقد أن القوانين الإسرائيلية والتعديلات تهدف لبث الرعب وترويع المواطنين العرب لعدم التجرؤ على البناء في أراضيهم دون تراخيص، علما أن لجان التنظيم تمتنع عن استصدار رخص البناء والمماطلة منذ عقود على توسيع مناطق النفوذ والبناء والامتناع عن المصادقة على الخرائط الهيكلية للتجمعات السكنية العربية.

وحذر ناصر من تداعيات قوانين التنظيم والبناء على مستقبل الجماهير العربية، كونها تسري على القدس الشرقية وهي بمثابة محاكمة ميدانية للفلسطينيين إذ يقوض القانون صلاحيات المحاكم ويخول مفتشي البناء صلاحية تغريم صاحب المبنى غير المرخص بغرامات إدارية باهظة، وحتى الهدم دون إمكانية للاستئناف أمام القضاء، وهذا يعد انتهاكا للحق بالمسكن والأرض.

الهجرة القسرية
وتوظف إسرائيل القوانين ذاتها في تسريع عمليات الهدم بالداخل الفلسطيني التي طالت 4 آلاف منزل ومنشأة خلال عام 2018، منها 2800 مبنى هدم في صحراء النقب، وبموازاة ذلك تسريع تحريك المخططات الاستيطانية في تخوم البلدات العربية ومن ضمنها مستوطنة حريش المقامة على جانبي حدود الرابع من حزيران قرب مدينة أم الفحم، إذ سوقت نحو 5 آلاف وحدة سكنية للعرب بالداخل، بينما سوقت عشرات الآلاف للإسرائيليين وأكثر من 100 وحدة للمستوطنين بالضفة والقدس.

‪ملحم: الهدم بمثابة هجرة قسرية للفلسطينيين‬  (الجزيرة)
‪ملحم: الهدم بمثابة هجرة قسرية للفلسطينيين‬  (الجزيرة)

ويرى رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن وادي عارة، أحمد ملحم، أن المؤسسة الإسرائيلية، تعتمد ذات النهج والسياسية المتعلق بالهدم للفلسطينيين والتضييق عليهم على جانبي الخط الأخضر.

وعن غياب التخطيط الهيكلي وسياسة الهدم، يقول محلم للجزيرة نت إن "ما عمق أزمة السكن بالبلدات العربية التي تحولت إلى غيتو، انعدام أي تواصل جغرافي بين البلدات العربية وامتناع لجان التنظيم والبناء عن توسيع مسطحات البناء والتصديق على الخرائط الهيكلية، الأمر الذي خلق أزمة سكنية وحالة من الفوضى نتج عنها 60 ألف مبنى قائمة دون تراخيص ونقص بحوالي 120 ألف وحدة سكنية للأزواج الشابة لسد النقص والاحتياجات".

ويعتقد المتحدث أن المؤسسة الإسرائيلية تهدف من خلال هذه السياسية إلى فرض الهجرة القسرية على الفلسطينيين ومحاصرتهم على أقل مساحة من الأرض وفرض السيطرة والهيمنة الإسرائيلية على غالبية مسطحات الأراضي في فلسطين التاريخية وتوظيفها للتهويد والاستيطان.

المصدر : الجزيرة