ليس فقط تخليد السيسي بالحكم.. توقعات بتعديلات غير مسبوقة لدستور مصر
غير أن ما سربته وسائل إعلام محلية عن مضمون التعديلات يشي بأن الأمر أكبر من مجرد "تخليد" السيسي في الحكم، بل يتعداه إلى بسط نفوذه على السلطات الثلاث تنفيذية وتشريعية وقضائية، بل وكل مؤسسات الدولة، إضافة إلى وضع خاص للجيش فوق الدولة في مرحلة "ما بعد السيسي".
وأعلن رئيس البرلمان علي عبد العال أمس الأحد تسلمه الطلب المقدم من خُمس أعضائه بشأن تعديل عدة مواد بالدستور وإحالته إلى اللجنة العامة للبرلمان، لمناقشة مدى موافقة الطلب من ناحية الشكل للوائح والقوانين، قبل عرضه على النواب لمناقشة مضمونه، ثم إقراره وعرضه على الاستفتاء.
وحسب الدستور، تلزم موافقة خُمس أعضاء مجلس النواب (120 عضوا من إجمالي 596) على مقترحات تعديله، قبل مناقشتها والتصويت عليها بموافقة ثلثي الأعضاء، على أن تصبح نافذة بموافقة الأغلبية في استفتاء شعبي.
ورغم عدم الإعلان الرسمي عن مضمون التعديلات فإن وسائل إعلام مصرية نقلت عن بعض النواب أن أبرز التعديلات تشمل تمديد فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، وإضافة مادة انتقالية تسمح للسيسي بالترشح مرة أخرى بعد انتهاء فترته الثانية والأخيرة عام 2022.
يأتي هذا وسط جدل حول عدم دستورية تعديل الدستور لصالح تمديد ولاية الرئيس، حيث تشدد المادة رقم 226 الخاصة بإجراء التعديلات الدستورية على عدم جواز التعديل إلا بما يضمن المزيد من الضمانات، حيث جاء ختام المادة كالتالي "وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات".
فوق السلطات
وحسب ما تناقلته وسائل الإعلام ونشطاء مواقع التواصل حول مضمون التعديلات المقترحة، فإن الأمر لا يقتصر على السماح للسيسي بالبقاء في السلطة، حيث تتردد أنباء عن إضافة فقرة إلى المادة الخاصة بدور الجيش وتعريفه، تجعله فوق كل السلطات، على غرار الجيش التركي في مرحلة ما قبل أردوغان، حيث كان الجيش "حامي العلمانية" وهو ما مكنه من تنفيذ خمسة انقلابات عسكرية ضد حكومات منتخبة بدعوى "حماية العلمانية".
وينص التعديل المقترح في الدستور المصري على أن من ضمن مهام القوات المسلحة "صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد".
وكان الصحفي ياسر رزق المقرب من السيسي والجيش قد كتب مقالا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اقترح فيه عدة تعديلات دستورية، من بينها النص على دور الجيش في حماية أهداف "ثورة 30 يونيو" في إشارة إلى مظاهرات خرجت ضد الرئيس محمد مرسي ومهدت الطريق للسيسي (وزير دفاعه آنذاك) لقيادة انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا بعد عام واحد من وصوله إلى السلطة.
ولا تقتصر ميزات الجيش في التعديلات الجديدة على ذلك، بل تجعل اختيار وزير الدفاع من صلاحية الجيش، حيث نصت على تعيينه بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
كما نصت التعديلات المقترحة التي تم تداولها على محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في حال الاعتداء على منشآت عسكرية أو ما في حكمها، حيث حذفت كلمة "اعتداء مباشر" لتصبح مجرد اعتداء، مما يفتح الباب أمام المزيد من المحاكمات العسكرية للمواطنين.
فوق القضاء
وللمزيد من بسط الهيمنة على سلطات الدولة، تتضمن التعديلات المقترحة التي تداولتها وسائل الإعلام تشكيل مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية برئاسة السيسي، على أن يتولى هذا المجلس تعيين وترقية وندب القضاة، فضلا عن النظر في القوانين المقترحة لتنظيم عمل الهيئات القضائية.
وحسب ما نقله الإعلام عن بعض النواب، فإن التعديلات المتوقعة ستعطي السيسي حق اختيار النائب العام من بين ثلاثة مرشحين، بعد أن كان الاختيار من حق المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما ينطبق أيضا على رئيس المحكمة الدستورية الذي كان يٌعين بالأقدمية المطلقة، لكن أصبح الآن من حق السيسي الاختيار من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة.
وبحسب تسريبات إعلامية، تتضمن التعديلات أيضا تقليص صلاحيات القضاء الإداري الذي كان يلجأ إليه النشطاء في مخاصمة الحكومة، حيث اقترحت التعديلات إلغاء اختصاص مجلس الدولة بالمراجعة "الإلزامية" لجميع مشروعات القوانين قبل إصدارها، والاكتفاء بإبداء الرأي فيما يطلب منه، وبالتالي يصبح عرض القوانين والاتفاقيات على القضاء الإداري غير ملزم للبرلمان، وهي الإشكالية التي تعرض لها البرلمان بعد الموافقة على اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، والتي حكم القضاء الإداري ببطلانها.
لا للتعديل
وقد لاقت التعديلات الدستورية المنتظرة رفضا واسعا من سياسيين وحقوقيين وصحفيين وناشطين عبر منصات التواصل، ازدادت وتيرته الساعات الماضية.
وتصدر وسم "لا لتعديل الدستور" مواقع التواصل، ودعا المشاركون فيه قوى المعارضة إلى التحرك والتوحد لمواجهة تمديد ولاية السيسي، بينما اعتبر آخرون أن التعديل قد يكون بمثابة النهاية لحكم السيسي.
وبينما شهدت وسائل التواصل احتفاء من مؤيدي السيسي بالتعديلات وما تعنيه من تقوية سلطات السيسي وبقائه بالحكم فترة أطول، فقد شهدت أيضا حديث البعض عما سموه "لعنة الدستور" والتي أصابت رؤساء سابقين تلاعبوا بالدستور، فاستفاد منه آخرون وكان التعديل وبالا عليهم.