قادة جبهة تحرير مورو.. من الثورة والسلاح إلى السلطة الانتقالية
صهيب جاسم-مانيلا
بعد أربعة عقود من الصراع ونحو عقدين من التفاوض والمباحثات، استضاف القصر الرئاسي الجمعة في العاصمة الفلبينية مانيلا مئات الشخصيات من مسلمي مورو، في حفل أقيم لمراسم أداء ثمانين شخصية من شعب مورو اليمين الدستورية ليصبحوا أعضاء "سلطة بنغسامورو الإنتقالية".
وستتسلم هذه الشخصيات خلال أيام الحكم من إدارة الحكم الذاتي الحالي في منداناو المسلمة، لتكون هيئة تشريعية وتنفيذية لما أطلق عليه قانونيا اسم "منطقة الحكم الذاتي لشعب مورو أو بنغسامورو في منداناو المسلمة".
تأتي هذه الخطوة بعد الاستفتاء الذي أجري العام الجاري في عدد من أقاليم البلاد الجنوبية على القانون التأسيسي للحكم الذاتي الجديد، الذي أقر بأغلبية ساحقة في خمسة أقاليم ذات أغلبية مسلمة إضافة إلى مدينة كوتاباتو، و63 قرية في إقليم كوتاباتو الشمالية، بينما حجبت الأغلبية في إقليم لاناو الشمالية وللمرة الثانية أصوات سكان ستة بلدات ذات أغلبية مسلمة أدلوا بأصواتهم للمرة الثانية لصالح انضمامهم لمنطقة الحكم الذاتي الجديد، ولا يعرف كيف سيحل هذا الإشكال، حيث إن الخيارات مفتوحة على عدد من الاحتمالات الدستورية والتنفيذية.
رئيس وزراء السلطة الانتقالية
وقد أعلن الرئيس الفليبيني رودريغو دوتيرتي تعيين الحاج مراد إبراهيم -رئيس جبهة تحرير مورو الإسلامية– رئيس وزراء السلطة الانتقالية التي يفترض أن تكون مسؤولة بالشراكة مع الحكومة المركزية عن تحقيق الانتقال السياسي من الحكم الذاتي الحالي، إلى الحكم الذاتي الجديد أو ما يعرف بحكومة بنغسامورو البرلمانية، التي ستنتخب في استحقاق انتخابي مرتقب عام 2022، يتمخض عنها برلمان إقليمي، يفرز بدوره حكومة للإقليم تتسلم من السلطة الانتقالية مقاليد الأمور.
وحتى ذلك الموعد ستكون الشؤون الإدارية الإقليمية من مسؤولية السلطة الانتقالية التي تضم 80 عضوا، 41 منهم يمثلون الجبهة الإسلامية، وأغلبيتهم من اللجنة المركزية للجبهة وقادتها العسكريين باعتبارها أكبر الحركات السياسية والمسلحة في جنوب البلاد، مقابل 39 عضوا يمثلون أطياف المجتمع والقوى السياسية والفئات الدينية والقبلية والإثنية الأخرى الذين أقرت عضويتهم الحكومة المركزية، ومن بينهم ممثلون عن جبهة تحرير مورو الوطنية.
يأتي هذا في وقت شكلت جبهة تحرير مورو الإسلامية حزبا كان دوره واضحا في الاستفتاء وهو حزب العدالة لبنغسامورو المتحدة، لينضم إلى أحزاب محلية أخرى.
وقد أكد مراد إبراهيم -في حديث صحفي قبل تأدية القسم- أن التفاؤل يسود جنوب البلاد فرحا بالتحول السياسي وتطلعا لأن يثمر منافع للمدنيين بعد معاناة طويلة، مشيرا إلى أن أبرز التحديات بالنسبة لقادة الجبهة هو التحول من الحالة الثورية إلى الحكم وإدارة شؤون المواطنين.
أولويات السلطة
وعن أولويات السلطة الانتقالية التي سيقودها، يتحدث إبراهيم عن خطة تنموية تركز على التعليم والخدمات الصحية أولا، ثم الخدمات والرعاية الاجتماعية وتنفيذ مشاريع بنية تحتية، حيث أدى الصراع إلى تأخر نحو 600 ألف شخص على الأقل عن التعليم، واقتصاديا تعد مناطق المسلمين من أفقر الأقاليم، بل إن 59% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر حسب هيئة الإحصاء الفلبينية.
أما إعمار مدينة مراوي التي دمرت حرب عام 2017 نصف أحيائها الشرقية، فرغم أن المسؤول عن إعمارها هي هيئة إعمار مراوي المرتبطة بمانيلا مباشرة، فإن إبراهيم أكد أن سلطته الانتقالية، وإن لم تتسلم موازنات خاصة بالإعمار، ستعمل على بذل ما في وسعها لإطلاق مشاريع الإعمار التي تأخرت لأكثر من 15 شهرا، وذلك بالتعاون مع دول وجهات دولية مانحة ترغب في إعمار المدينة، التي نزح منها نحو 100 ألف شخص، حسب تقديرات غير حكومية.
كما يلي تحدي إعادة إعمار مراوي سعي الحكومة الفلبينية إلى تعجيل جدولة وتنفيذ تسليم الجبهة الإسلامية سلاحها، إذا ما صار قادتها أعضاء في السلطة الانتقالية وبدأت السلطة الجديدة تسلم موازناتها السنوية.
وفي هذا الشأن تقول الجبهة إن هناك جداول حددت ويجري التشاور بشأن ما ستسلمه الجبهة، خاصة أن السلاح في الجنوب يتوزع ما بين سلاح للجبهة الإسلامية أو الوطنية، وأسلحة شخصية يمتلكها شعب مورو في منداناو من أعضاء وأسر الجبهة الإسلامية، وصنف ثالث من السلاح الذي بحوزة المدنيين، ولكل صنف إجراءاته ضمن اتفاقية السلام والقانون التأسيسي المعتمد.
لكن من اللافت أن الموازنة الخاصة بالسلطة الانتقالية وحسب القانون الأساسي لشعب مورو لم تقر بشكل كامل في الموازنة العامة لعام 2019، مما سيضطر السلطة الانتقالية إلى الاعتماد على ما تبقى من موازنة الحكم الذاتي الحالي إضافة إلى مخصصات أخرى يوعدون بها لتسيير أعمال السلطة الانتقالية.
مستقبل زاهر
وكان الرئيس دوتيرتي قد أكد في الكلمة التي ألقاها في هذه المناسبة أن إجراء الاستفتاء على القانون التأسيسي كان نتيجة لمسار سلام امتد عقدين وليس مجرد وفاء لوعد انتخابي قطعه على نفسه قبل ترؤسه البلاد، بل هو تحقيق لرغبة جماعية في إنهاء الصراع في الجنوب.
وقال مخاطبا قادة مورو "لن تضيع شجاعتكم وعزيمتكم وإنني أؤكد لكم أن هذه الإدارة ستبذل ما في وسعها معكم لتحقيق الحكم الرشيد والتمكين السياسي الذي يسع الجميع في المنطقة في ظل منطقة بنغسامورو الجديدة"، وإن الإقرار الناجح لهذا القانون سيمهد الطريق لوضع آمن وسلام بين المسلمين والمسيحيين ومختلف الفئات والقبائل الأخرى من سكان أصليين ومستوطنين يعتبرون منداناو أرضهم.
وقال دوتيرتي مخاطبا أعضاء السلطة الانتقالية الجديدة "أنتم تقودون المنطقة إلى مستقبل زاهر فاجعلوا مؤسساتكم قائمة على حكم القانون وتعزيز الحكم الرشيد وصيانة قيم الديمقراطية، لمصلحة جميع الفلبينيين الذين يقطنون في تلك المنطقة وليس شعب مورو فحسب".