من الرؤساء إلى الحاخامات.. قضايا الفساد التي فضحت النخبة في دولة الاحتلال

(R-L) Israel's President Shimon Peres, Prime Minister Ehud Olmert, Chief Rabbi Yona Metzger and Defence Minister Ehud Barak attend a ceremony marking Jerusalem Day at Ammunition Hill in Jerusalem June 2, 2008. Jerusalem Day marks the anniversary of the capture of the eastern part of the city. Israel annexed East Jerusalem as part of its capital in the 1967 Middle East War in a move not recognized internationally. REUTERS/Ammar Awad (JERUSALEM)
أولمرت (الثاني من اليمين) والحاخام متسغر (الثالث) من النخبة التي أدينت بالفساد وعوقبت بالسجن (رويترز)

خلال السنوات القليلة الماضية، حذر مراقب الدولة الإسرائيلي السابق القاضي المتقاعد إليعازر غولدبرغ من أن الفساد يهوي بإسرائيل سريعا إلى الحضيض، مؤكدا أنه صار أخطر من أي خطر سياسي أو أمني يهددها.

وقد وجه المدعي العام الإسرائيلي أخيرا اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في قضايا جرى التحقيق فيها لمدة طويلة.

غير أن هيمنة نتنياهو على السياسة الإسرائيلية لسنوات طويلة -وهو الأكثر بقاء في السلطة- ونجاحه في عبور العديد من المحطات الانتخابية رغم الضجة التي أثارتها التحقيقات الأولية في تلك القضايا، يشير وفقا لبعض المتابعين إلى المدى الذي وصل إليه المجتمع الإسرائيلي من حيث اللامبالاة بالفساد والاستعداد لقبوله ولا سيما في مستويات النخبة السياسية والدينية.

وتبدو هذه التفاعلات السلبية خصما من الاستثمار الدعائي الإسرائيلي في تصوير هذا المجتمع بأنه الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، والدولة الحديثة التي تطبق معايير النزاهة وسيادة القانون وسط محيط عربي غارق في الفساد والظلم.

تطور الفساد
رغم أن البذور الأولى لذلك الفساد كانت كامنة في فترة تهجير الشعب الفلسطيني وإعلان تأسيس دولة الاحتلال، فإن مظاهر فساد النخبة الإسرائيلية بدأت تتجلى حوالي عام 1967 ثم أخذت تتطور في صور معقدة، وفقا لدراسة أعدها الباحث محمود جرابعة والباحثة ليهي بن شطريت بعنوان "الفساد في إسرائيل ومستقبل نتنياهو" نشرها مركز الجزيرة للدراسات في مارس/آذار 2018.

تشير الدراسة إلى أن فساد النخبة في إسرائيل تطوّر من حالات فردية من الرشوة والاحتيال إلى شبكات واسعة ومعقدة من الطبقة السياسية العليا المترابطة فيما بينها بشبكة مصالح متبادلة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.

وبعد أن كانت شبهات الفساد وحدها كفيلة بإسقاط الزعماء، كما حدث لرئيس الوزراء إسحاق رابين الذي اضطر للاستقالة عام 1977 بسبب عاصفة أثارها خبر امتلاكه وزوجته حسابا مصرفيا بالدولار الأميركي، وصل المجتمع إلى حالة متطورة لم تعد فيها تلك الأخبار والاتهامات في حد ذاتها كافية "لتصحيح الأوضاع" في دولة الاحتلال.

القضايا والمتهمون
في ما يلي بعض أهم رموز النخبة السياسية والدينية الإسرائيلية التي أدينت في قضايا فساد أو وجهت لها اتهامات بالفساد المالي أو الأخلاقي:

الرئيس عزرا وايزمان
في عام 2000 اضطر وايزمان للاستقالة من منصب رئيس إسرائيل الذي شغله منذ عام 1993، إثر تسرب معلومات إلى الصحافة عن تلقيه أموالا بشكل غير قانوني تقدر بمئات الآلاف من الدولارات من رجل أعمال فرنسي، وهي القضية الأولى التي فُتح فيها تحقيق جنائي مع رئيس إسرائيلي.

ورغم أن الشرطة أوقفت التحقيقات لعدم كفاية الأدلة، فقد وجد وايزمان نفسه مضطرا لتقديم استقالته.

الرئيس موشيه كتساف
تولى كتساف رئاسة إسرائيل في أول أغسطس/آب 2000 خلفًا لوايزمان، لكنه استقال من منصبه في يونيو/حزيران 2007 على خلفيه إدانته بتهم الاغتصاب والتحرش الجنسي بعدد من الموظفات اللواتي عملن معه سواء عندما كان وزيرا للسياحة أو خلال ولايته الرئاسية. وفي عام 2011 بدأ كتساف تنفيذ حكم السجن.

وقد أفرج عنه في ديسمبر/كانون الأول 2016 بعدما قضى خمس سنوات من مدة الحكم البالغة سبع سنوات.

رئيس الوزراء إيهود أولمرت
اتهم أولمرت في قضيتي فساد، وحُكم عليه بالسجن 19 شهرا بتهمة الاحتيال وخيانة الأمانة وعرقلة سير العدالة، ليصبح أول رئيس حكومة سابق في إسرائيل يدخل السجن.

وشغل أولمرت منصب رئيس الوزراء بين عامي 2006 و2009.

وفي عام 2012 أُدين بتلقي رشا تتعلق بمشروع بناء مجمع "هولي لاند" بمدينة القدس المحتلة أثناء شغله منصب رئيس البلدية، ثم أُدين في عام 2015 بتلقي رشا فيما تسمى "قضية تالانسكي"، إذ شهد رجل الأعمال الأميركي موريس تالانسكي بأنه أعطى أولمرت أموالا.

رئيس الوزراء أرييل شارون
اتُّهم شارون، الذي تولى منصب رئيس الوزراء من عام 2001 حتى عام 2006 عن حزب الليكود الإسرائيلي، بتلقي رشا بمئات الآلاف من الدولارات عندما كان يشغل منصب وزير الخارجية في أواخر التسعينيات من القرن الماضي من رجل الأعمال الإسرائيلي ديفد أبيل، لمساعدته في الحصول على تصريح لمشروع عقاري في اليونان فيما صارت تُعرف بقضية الجزيرة اليونانية.

ورغم أن النيابة العامة أوصت حينها بتوجيه اتهامات إليه، فإن النائب العام رأى أن الأدلة لم تكن كافية. كما كان يُشتبه أيضًا بتورط شارون في السيطرة على أراضي الدولة وتعيينات سياسية ومخالفات لقانون تمويل الأحزاب، وهي تهم تحمَّلها مساعده الشخصي، ابنه عمري شارون، وحُكم عليه بسبب بعضها بالسجن لمدة سبعة أشهر بعد صفقة مع النيابة العامة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو
أعلن المدعي العام الإسرائيلي (يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2019) في بيان اتهام هو الأول من نوعه بحق رئيس وزراء في منصبه أنه قرر توجيه اتهامات لنتنياهو تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وذلك في القضايا المعروفة باسم 1000 و2000 و4000.

ويضم الملف "4000" قضية شركة الاتصالات "بيزك" (أكبر مجموعة اتصالات في إسرائيل) التي تتضمن تهمة لنتنياهو عن فترة ولايته كرئيس للوزراء ووزير للاتصالات. ويوصف هذا الملف بأنه الأخطر عليه.

وبحث المحققون في هذا الملف هل سعى نتنياهو للحصول على تغطية إعلامية إيجابية في موقع "ويلا" الإخباري الذي يملكه رئيس مجموعة "بيزك" شاؤول إيلوفيتش مقابل خدمات وتسهيلات حكومية عادت على مجموعته بمئات ملايين الدولارات؟

كما وجهت لنتنياهو تهمة في الملف "1000" الذي يتعلق بتقديم هدايا من أنواع فاخرة من السيجار وزجاجات الشمبانيا والمجوهرات، حيث يشتبه في تلقي نتنياهو وأفراد من عائلته رشاوى بقيمة 750 ألف شيكل (240 ألف دولار) من المنتج الإسرائيلي الهوليودي أرنون ميلتشان، و250 ألف شيكل من الملياردير الأسترالي جيمس باكر.

كما قرر المدعي العام اتهام نتنياهو أيضا في الملف "2000" المعروف بقضية "يديعوت أحرونوت"، على خلفية محاولته التوصل إلى اتفاق مع الناشر مالك الصحيفة أرنون موزيس للحصول على تغطية إيجابية له، وذلك خلال فترة ولايته رئيسا للوزراء ووزيرا للاتصالات.

الحاخام الأكبر يونا متسغر
تولى متسغر منصب الحاخام الأكبر لليهود الأشكيناز (الغربيين) في الفترة بين 2003 و2013. وقد دخل السجن عام 2017 بعدما أقر بالذنب في محاكمته بتهم الاحتيال والسرقة والتآمر وخيانة الأمانة وغسل الأموال وأخذ الرشاوى.

وأفرج عنه في مارس/آذار 2019 بعدما قضى في السجن 22 شهرا من أصل عقوبة ثلاث سنوات ونصف السنة.

ووفقا للتهم الرسمية، فقد تلقت مؤسسات خيرية عديدة مرتبطة بالحاخام رشاوى تقدر بنحو ثلاثة ملايين دولار، واستبقى متسغر منها نحو مليوني دولار لنفسه.

فضلا عن ذلك، اتهم متسغر بأخذ رشاوى كان القصد منها تغيير رأيه في شؤون تتعلق بعمله حاخاما أكبر.

ولإسرائيل حاخامان أكبران، أحدهما لليهود الشرقيين (السفارديم) والآخر لليهود الغربيين (الأشكيناز)، ويتولى الحاخامان مسؤولية المحاكم الدينية وكل ما يتعلق بأحكام الشريعة اليهودية، فضلا عن قضايا الأحوال الشخصية.

وفي عام 2005 أوصت الشرطة الإسرائيلية ببدء ملاحقات قضائية بحق الحاخام متسغر، وكانت تلك سابقة في تاريخ مؤسسة الحاخامات الكبار الإسرائيلية. ويومها كانت التهمة استفادة الحاخام الأكبر بطريقة غير مشروعة من خدمات قدمها له فندق كبير في القدس.

وقرر المدعي العام عدم المضي في هذه القضية لعدم كفاية الأدلة، إلا أنه طالب متسغر بالاستقالة. وتنحى الحاخام الأكبر عن منصبه في يوليو/تموز 2013.

الحاخام الأكبر إلياهو باكشي دورون
أدين الحاخام الأكبر السابق لليهود السفارديم إلياهو باكشي دورون بإصدار شهادات مزورة لدراسة التوراة لصالح أفراد في قوات الأمن لتمكينهم من الحصول على علاوات في أجورهم.

ووجه الادعاء عام 2012 اتهاماته في القضية بحق باكشي دورون وعدد من المسؤولين الآخرين في مؤسسة الحاخام الأكبر، قائلا إنهم أصدروا 1500 شهادة مزورة لصالح أعضاء في قوى الأمن. واستمرت المحاكمة أكثر من أربع سنوات.

وجرت تلك الوقائع محل الاتهام أثناء تولي باكشي دورون منصب الحاخام الأكبر بين عامي 1993 و2003.

المصدر : الجزيرة