الغنوشي.. من محكوم بالإعدام إلى رئاسة البرلمان
راشد الغنوشي "ربان" التيار الإسلامي بتونس، وقائد حراكه المناهض لعلمنة البلاد منذ الستينيات، وواجه في سبيل ذلك أحكاما بالسجن المؤبد والنفي وحتى الإعدام الذي طالب به الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.
أنقذه الانقلاب الذي قام به الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1987 من الإعدام، وهو ما منح الرجل فرصة للحصول على حريته، إذ أُطلق سراحه في 14 مايو/أيار 1988.
قدم في بداية 1989 طلب الترخيص القانوني لحركة الاتجاه الإسلامي -التي كانت نواة لحركة النهضة لاحقا- لكن طلبه قوبل بالرفض، وساءت علاقته مع نظام زين العابدين، فساح في الأرض.
إلى المنفى
غادر تونس في 11 أبريل/نيسان 1989 إلى الجزائر، بعدما حكمت عليه المحكمة العسكرية مع قيادات أخرى بالسجن المؤبد بتهمة "التآمر" ضد رئيس الدولة، وانتقل بعدها إلى السودان، ثم إلى المملكة المتحدة.
أصبح رئيسا لحركة النهضة عام 1991، بعد استقراره في مدينة أكتون بضواحي العاصمة البريطانية لندن، حيث حصل في أغسطس/آب 1993 على حق اللجوء السياسي.
أعيد انتخابه عام 2007 رئيسا لحركة النهضة، وبعد 21 عاما في المنفى عاد إلى تونس في الثلاثين من يناير/كانون الثاني 2011، بعد ثورة التونسيين وسقوط بن علي، ووجد في استقباله عشرات الآلاف من أنصار الحركة في مطار قرطاج الدولي.
وُصف بأنه قارئ جيد للواقع السياسي المحلي والدولي، ويملك حاسّة التنبؤ بالمخاطر قبل وقوعها، دائما يعدّل أو يطوّر أطروحته السياسية والفكرية بما يحفظ مشروعه، ومن دون تصادم أو اشتباك قاتل مع من يرغبون دوما في جره إلى معترك المواجهة.
صانع ملوك
بعد فوز "النهضة" في انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 بتسعين مقعدا في المجلس التأسيسي من أصل 217 مقعدا، رفض أن يتولى أو يترشح لأي منصب، بل أسهم بعلاقاته وحواراته مع مختلف الأطراف السياسية التونسية في حلحلة بعض الإشكالات السياسية والفكرية المعقدة التي كادت تربك المرحلة الانتقالية.
وفي الانتخابات التشريعية التي نظمت في أكتوبر/تشرين الأول 2014، حل حزب حركة النهضة في المركز الثاني، بعد حزب حركة نداء تونس، الذي قاده الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وتصدر المشهد السياسي.
ويرى مراقبون أن تقدير الغنوشي للمصلحة الوطنية، هو الذي دفعه بعد انتخابات 2014 للتحالف مع الباجي رغم معارضة كبيرة من داخل حزبه ومن خارجه، واعتبروا أنه لولا ذلك التحالف ما وصلت تونس إلى انتخابات بلدية عام 2018 وانتخابات عامة ورئاسية في العام الحالي.
بين رئاستين
منح فوز حركة النهضة بالمركز الأول في الانتخابات التشريعية الأخيرة بكتلة نيابية قوامها 52 نائبا -بحكم الدستور- فرصة لرئاسة الحكومة وتشكيلها، كما يمنحها ذلك الفوز وضعا مريحا في التفاوض على رئاسة البرلمان، التي رُشح لها الغنوشي هذه المرة.
أثيرت تساؤلات عدة عن مغزى أن يترشح الغنوشي هذه المرة لرئاسة البرلمان، بينما رفض جميع المناصب في السابق، واكتفى بأن يلعب دور صانع الملوك.
وهنا يرى المحلل السياسي الحبيب بوعجيلة أن الغنوشي استثمر جيدا في المزاج التونسي الميال إلى التسويات، واستطاع بفضل دوره في التوافق الوطني حماية حركته، وتسويق التوافق كدليل على إمكانية نجاح الإسلام السياسي في الانخراط في الديمقراطية.
وكما هو معلوم، فقد أفرزت انتخابات 2019 وضعا برلمانيا متعادلا بين مكونات المنظومة القديمة، وبين المحسوبين على الثورة، لذا فإن كل خطوة لإفراز قيادة سياسية للمرحلة ستمر بعمليات تفاوضية قاسية جدا، قد تجعل الحقوق المخولة بالدستور غير ذات معنى.
مصلحة وطنية
يجادل خصوم الغنوشي -وهم أيضا خصوم حزبه وبرنامجه- بأن المصلحة الوطنية تقتضي أن يتنازل حزب حركة النهضة عن حقوقه التي منحتها له الانتخابات، وربما اختفاء الغنوشي من المشهد السياسي باسم المصلحة الوطنية، بحجة الضغوط الخارجية، "وهو موقف ابتزاز يفتقد المنطق القانوني والدستوري"، كما يشير الكاتب نور الدين العلوي.
ويضيف العلوي في مقال له أن هذا الوضع يجب أن ينتهي، ويمكن للغنوشي أن ينهيه، لأن وجوده في رئاسة الحكومة أو في البرلمان يحمل جرعة من التحدي المطلوب وطنيا، وفيه تكريس للسيادة الوطنية للصندوق الانتخابي، فهو الحكم الوحيد بين التونسيين، ولا دخل لأي قوة أجنبية في تحديد من يحكم ومن يعارض.
ويرى مقربون من النهضة أنها –وفي وسط المعادلة السياسية المعقدة- ستكتفي برئاسة البرلمان، ولذلك سعت من خلال ترشيح الغنوشي للانتخابات التشريعية لتوجيه رسالة مفادها أنها قادرة على التطبيع مع الدولة ومؤسساتها.