ماهينور المصري.. قيثارة حرية سجنتها كل الأنظمة

2/10/2019
دعاء عبد اللطيف-القاهرة
في صغرها تعرضت لحادث أفقدها بصر عينها اليمنى، لكنا ظلت رغم ذلك من القلائل الذين أبصروا نور الحرية وعرفوا أن ثمة طريقا طويلا وصعبا، لكن في نهايته انقشاع لغمة الظلم والاستبداد.
تكبر الفتاة ماهينور المصري وتخطو أولى خطواتها في الطريق الطويل حيث تلتحق بكلية الحقوق، وخلال الرحلة تتعثر وتتألم وتسقط في غيابات السجون، لكنها أبدا لا تستسلم.
وكان لافتا أنها تساعد الجميع، ففي داخل السجن تنفق على السجينات وتتنازل لهن أحيانا عن طعامها، وعندما تكون خارج السجن فهي تدفع الكفالات من جيبها الخاص وميراثها من أبيها كي تنقذ من تراهم مظلومين من ويلات السجن.
تبلورت رحلة البحث عن الحرية عند ماهينور ذات الـ33 عاما في عملها بالمحاماة للدفاع عن المتهمين في قضايا سياسية وعمالية، فضلا عن انضمامها إلى حركة الاشتراكيين الثوريين ليكون لها دور فاعل بين الجماهير.
وفي ذلك الطريق يصعب حصر عدد مرات التي تعرضت فيها للتوقيف والاعتقال والسجن على أيدي الأنظمة المتعاقبة، سواء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك أو فترة حكم المجلس العسكري أو الرئيس المعزول محمد مرسي أو الرئيس المؤقت عدلي منصور أو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
تقول في إحدى رسائلها من داخل السجن "يجب ألا ننسى هدفنا الأساسي وسط معركتنا التي نخسر فيها الأصدقاء والرفاق، يجب ألا نتحول إلى مجموعات تطالب بالحرية لشخص وننسى هموم ومطالب الشعب الذي يريد أن يأكل".
مشاق الرحلة
كانت ماهينور من أوائل النشطاء الذين ساهموا في كشف وقائع قتل رجال الشرطة للشاب خالد سعيد، وهو الأيقونة التي أشعلت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وانتهت بالإطاحة بمبارك بعد ثلاثة عقود قضاها في السلطة.
قبل ذلك دافعت كمحامية عن قضايا المهمشين ضد بطش السلطة خلال عهد مبارك؛ مثل دفاعها عن أهالي عزبة العرب في محافظة الإسكندرية الذين صدر قرار بطردهم من منازلهم بحجة أنها مقامة على أراضي وزارة الأوقاف.
كذلك دافعت عن العمال في قضاياهم، مثل عمال بوليفارا للغزل والنسيج وسباهي وفاركو للأدوية والنقل العام وغيرها من الشركات التي تعرضت للخصخصة أو التعدي على حقوق عمالها، كما مثلت الصيادين في احتجاجهم ضد قرار منع الصيد في البحر المتوسط.
أيضا دشنت المحامية والناشطة الحقوقية حملة للدفاع عن اللاجئين السوريين في مصر، وقدمت لهم الدعم القانوني في محافظات مصرية مختلفة، فضلا عن أنها عضوة نشطة في مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين" ومجموعة "ضد عقوبة الإعدام".

من سجن إلى سجن
لم تسلم ماهينور خلال الرحلة التي تمتد لنحو 15 عاما من الاعتقال والسجن، فالتواريخ في حياتها لا ترتبط فقط بالأعياد واحتفالات الميلاد وذكريات الوفاة، لكنها تشتبك مع مواعيد دخولها السجن وخروجها منه.
تقول ميسون المصري شقيقة ماهينور عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك : "زي النهاردة من 3 سنين ماهينور كانت لسه خارجة من السجن وكانت لسه بتحاول تلتقط أنفاسها وتركز في حياتها، وبعدها بسنة رجعت تاني السجن وقضت سنة وتلات شهور، النهاردة بقى 22 سبتمبر 2019 ماهينور رجعت تاني ومصيرها مجهول".
ففي يوم 22 سبتمبر/أيلول الفائت، توجهت ماهينور إلى المحكمة للدفاع عن معتقلين سياسيين، وحينما خرجت من المحكمة تتبعتها حافلة ثم خرج منها خمسة رجال بزي مدني ليلقوا القبض عليها.
عرضت الناشطة والمحامية على نيابة أمن الدولة، وتم حبسها على ذمة القضية 488 لسنة 2019 أمن دولة. وتتضمن التهم المنسوبة إليها تلك التهمة الفضفاضة التي انتشرت في عهد السيسي، وهي مشاركة جماعة محظورة ومساعدتها على تحقيق أغراضها و نشر أخبار كاذبة لترويع الرأي العام.
إنسانية سجينة
وتحت وسم "الحرية لماهينور المصري"، حكى كثيرون قبسا من إنسانية ماهينور مما جعل من الفتاة الثلاثينية أيقونة للحرية بين كل التيارات السياسية على اختلاف توجهاتها.
سرد ممدوح عبد المنعم -معتقل سابق- أحد مواقفها الإنسانية، حيث كانت تواظب على زيارة شاب صغير من من نشطاء ثورة يناير لا يزوره أحد في سجن وادي النطرون.
وتابع ممدوح: "كان راجع من الزيارة شايل كيس الزيارة الكبير اللي ماهينور جابتهوله وفرحان فرحة طفل صغير لأنه لقى حد يهتم بيه ويسأل عليه، محدش هيقدر يفهم الشعور ده غير اللي جرب السجن ويعرف يعني إيه زيارة، ماهينور دي حالة إنسانية في منتهى الرقي والعظمة".

وكتب الناشط السياسي طارق حسين "ماهينور طول الوقت مؤمنة ومصدقة في المستقبل، عندها طاقة أمل وحب لكل الناس ودايما من أول الناس الي بتعرض مساعدتها لما حد يحتاجها، ماهينور صديقة جدعة وكل الكلام لا يوفيها حقها".
وأضاف "ماهينور رجعت السجن مش عارف للمرة الكام المرة دي كانت قاسية جدا لأنها اتخطفت من جنب مكان المفروض هو مكان شغلها.. المحكمة".
وكشفت الناشطة آية حجازي أن ماهينور كانت تحلم بأن ينتهي عام 2019 دون أن يتم القبض عليها، كي تستطيع استكمال القضايا التي تعمل عليها.
|
تكريم
حصلت ماهينور المصري على جائزة لودوفيك تراريو الحقوقية الدولية عام 2014، وكان أول من حصل على تلك الجائزة هو الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا عام 1985.
وقالت أثناء تسلمها الجائزة في مدينة فلورنس بإيطاليا، إنها عرفت نبأ حصولها على الجائزة أثناء ما كانت في السجن محرومة من كل وسائل الاتصال بالعالم الخارجي، مثل 41 ألف معتقل يقبعون في سجون السيسي.
وطالبت ماهينور بإدراج السيسي كمجرم حرب، حيث إنه كان رئيس المخابرات العسكرية التي بررت إجراء كشوف العذرية على المتظاهرات في مارس/آذار 2011، وكان وزيرا للدفاع في عهد مرسي الذي قُتل في عهده العديد من المصريين، ثم نفذ أكبر مذبحة في القرن الجديد وهي مذبحة فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة التي استشهد فيها أكثر من ألف شخص، إلى جانب مسؤوليته عن سجن الآلاف وتهجير أهالي سيناء من منازلهم تحت شعار "الحرب على الإرهاب".
وأهدت ماهينور المصري الجائزة للمعتقلين داخل السجون المصرية والشعب الفلسطيني "الذي علمنا معنى المقاومة ومعنى الأمل في المستقبل، وأهالي كوباني الذين يحاربون المتطرفين، وريحانة كلاوي الفتاة الإيرانية التي حُكم عليها بالإعدام لأنها قتلت مغتصبها دفاعا عن النفس".
المصدر : الجزيرة