انشق عن "نداء تونس".. هل ولادة "تحيا تونس" في صالح "النهضة"؟
خميس بن بريك-تونس
يراهن قادة حزب "تحيا تونس" المحسوب على رئيس الحكومة يوسف الشاهد على الفوز بأغلب المقاعد في الانتخابات التشريعية المقررة نهاية العام الجاري. لكن مراقبين يتوقعون أن تستفيد حركة النهضة الإسلامية من انشقاق هذا الحزب عن حركة نداء تونس، لتفوز هي بالانتخابات القادمة.
ويتكون "تحيا تونس" -الذي أعلن عن تأسيسه الأحد الماضي- من نواب وشخصيات سياسية انشقوا عن حركة "نداء تونس" المنشطرة بسبب صراعاتها الداخلية إلى أحزاب صغيرة أبرزها حركة "مشروع تونس" التي يقودها محسن مرزوق، وحزب "تحيا تونس" الداعم للشاهد.
ويمتلك الحزب ثاني أكبر كتلة بالبرلمان وهي كتلة "الائتلاف الوطني" التي تستأثر بـ44 مقعدا لنواب استقالوا من كتلة "نداء تونس" التي تدحرجت من المركز الأول بـ86 مقعدا إلى المركز الثالث بـ41 مقعدا، بينما صعدت كتلة حركة النهضة إلى الصدارة بـ68 مقعدا من إجمالي مقاعد البرلمان الـ217.
ويعد "تحيا تونس" أول حزب ينبثق من السلطة باعتباره جزءا من الائتلاف الحكومي الحالي المسنود سياسيا داخل البرلمان من كتلته النيابية وكتلة حركة النهضة وكتلة حركة "مشروع تونس" ونواب حزب "المبادرة" الذي يتزعمه آخر وزير خارجية في فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
رهان كبير
وحول حظوظ فوزه وقاعدته الشعبية، يقول وليد الجلاد -النائب عن كتلة الائتلاف الوطني وأحد مؤسسي "تحيا تونس"- إن حزبه يراهن على الفوز بالأغلبية المطلقة للمقاعد في الانتخابات القادمة (أي 109 مقاعد)، مستهدفا الخزان الانتخابي "الغاضب" من حركة "نداء تونس".
ولم يتبق سوى أشهر قليلة على موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، لكن الجلاد يؤكد للجزيرة نت أن حزبه له "متسع من الوقت" لعقد مؤتمره التأسيسي بعد نحو شهرين، وتركيز مؤسساته وإعلان تركيبته وتحديد قوائمه الانتخابية في سباق الانتخابات التشريعية ومرشحه للرئاسيات.
ويضيف أن حزبه لا يتأسس على مقاربة الزعيم الواحد رغم أنه يساند بشدة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مؤكدا أنه تأسس انطلاقا من القاعدة بعد مشاورات جهوية واسعة خلافا لحزب "نداء تونس" الذي تأسس من الهرم وتمحور حول الرئيس الباجي قايد السبسي.
وبشأن تحالفه مع حركة النهضة، يقول الجلاد للجزيرة نت إن "تحيا تونس" يشترك مع الحركة في الائتلاف الحكومي الحالي بغاية تحقيق الاستقرار السياسي وخدمة مصلحة البلاد، لكنه يوضح أن حزبه يختلف معها كليا من حيث المرجعية السياسية، ويسعى للم شمل عائلته الوسطية المشتتة.
تشتيت الأصوات
في المقابل، يرى النائب عن حركة "نداء تونس" حسام بونني أن خروج "تحيا تونس" من رحم حركته يزيد في تشتيت العائلة الوسطية، ويخدم مباشرة مصلحة حركة النهضة الإسلامية المستفيدة من انشقاق حركة النداء وتآكل قاعدتها الانتخابية نتيجة غضب أنصارها من صراعاتها الداخلية.
ويقول للجزيرة نت إن الحزب المحسوب على الشاهد يسعى للنهل من الخزان الانتخابي لحركة "نداء تونس"، مما سيؤدي إلى تشتت الأصوات مقابل تماسك النواة الانتخابية لحركة النهضة، مضيفا أن تشتت الأحزاب الوسطية وبلوغ عدد الأحزاب في البلاد 216 سيؤدي إلى بروز "فسيفساء برلمانية".
ويستبعد بونني أن يتمكن حزب "تحيا تونس" من احتلال موقع "نداء تونس" في فترة قصيرة قبل تنظيم الانتخابات نهاية 2019، لكنه لم ينف أن تتراجع شعبية النداء إذا لم يعجّل بعقد مؤتمره الانتخابي المؤجل إلى مارس/آذار المقبل لاختيار قيادة منتخبة تنهي أزمته.
وبشأن مستقبل العلاقة مع حركة النهضة خصوصا بعد إعلان حزبه إنهاء التوافق معها لعدم قبولها سحب ثقتها من يوسف الشاهد، يقول بونني إن الحديث عن التحالفات المقبلة يرتبط أساسا بنتائج الانتخابات، مضيفا أن "التوازنات المقبلة داخل البرلمان ستحدد التحالفات".
تماسك النهضة
من جهته يستبعد النائب عن حركة النهضة محمد بن سالم للجزيرة نت فوز أي حزب سياسي بأغلبية المقاعد في سباق الانتخابات التشريعية القادمة، مشيرا إلى أن القانون الانتخابي الحالي يفرض بروز تعددية في الخارطة السياسية داخل البرلمان مثلما وقع في انتخابات 2011 و2014.
ومع أنه يقر بعراقة حركته التي تأسست عام 1972 وتصدرها المشهد السياسي بفضل تماسكها الهيكلي وحسم خلافاتها ديمقراطيا داخل مؤسساتها، فإنه يستبعد فوزها بالأغلبية المطلقة للمقاعد، مشيرا إلى أن الحركة يمكن أن تستأثر في أقصى الحالات بما بين 30 و35% من أصوات الناخبين.
ويضيف بن سالم أنه لا يمكن لحزب أن يقود بمفرده البلاد دون الحصول على 50% من الأصوات، وهو ما يفرض عليه التحالف مع أحزاب أخرى فائزة، مؤكدا أن النهضة تأمل صعود حزب قوي يأتي بالمركز الأول أو الثاني من أجل التشارك معه في إدارة البلاد وخدمة مصالحها.
وحلت حركة النهضة بالمركز الأول في الانتخابات البلدية في مايو/أيار 2018، تليها حركة "نداء تونس"، لكنهما خسرتا جزءا كبيرا من قاعدتهما الانتخابية مقابل صعود المستقلين. ومع ذلك يقول بن سالم إن حركته تتمتع بنواة انتخابية صلبة، ولا يمكن اعتماد البلديات كمرجعية في تقييمها.
تجربة فاشلة
ويرى المحلل السياسي عبد الله العبيدي أن انشقاق حركة "نداء تونس" وخروج "تحيا تونس" من رحمها سيصب في مصلحة حركة النهضة، متوقعا أن يتكبد الحزب المحسوب على الشاهد خسارة في الانتخابات المقبلة لاحتوائه على نفس الوجوه القادمة من تجربة النداء "الفاشلة".
ويقول العبيدي للجزيرة نت إن من أبرز نقاط ضعف "تحيا تونس" ارتباطه برئيس الحكومة الذي يواجه أزمة مع نقابة اتحاد الشغل ونقابة التعليم، فضلا عن تذمر المواطنين جراء تدهور الأوضاع في فترته، متسائلا "ما هي الحصيلة التي سيتحدث عنها القائمون على هذا الحزب أمام الناس؟".
وتوقع أن يتشتت المعسكر الانتخابي المقابل لحركة النهضة الإسلامية في ظل تشتت الأحزاب السياسية وغياب الحوكمة داخلها وانعدام البرامج، معتقدا أن يذهب الجزء الأكبر من الأصوات إلى النهضة مقابل تشتت بقية الأصوات وارتفاع نسبة العزوف عن الانتخابات القادمة.
ولم يتجاوز عدد الناخبين في الانتخابات البلدية الأخيرة 1.8 مليون اخب، بينما بلغ عددهم في تشريعيات 2014 أكثر من ثلاثة ملايين. ويرجع مراقبون هذا الانخفاض في المشاركة إلى عزوف الناخبين بسبب انعدام ثقتهم في الطبقة السياسية.