كاتب تركي ردا على هآرتس: هكذا عاش اليهود بالقدس تحت حُكم العثمانيين
رد المؤرخ التركي زكريا كورشون، في مقال نشرته صحيفة يني شفق التركية، على ما ورد في صحيفة هآرتس الإسرائيلية حول ادعاءات بتعرض يهود القدس للظلم تحت حُكم الإمبراطورية العثمانية.
وذكّر الكاتب بالضرائب التي فرضها المسؤولون الإسرائيليون على كنائس القدس خلال الأشهر الأولى من السنة الماضية، مشيرا إلى أنها ربما المرة الأولى في التاريخ التي تُغلق فيها كنائس القدس أبوابها؛ احتجاجا على هذه الإجراءات، قبل أن يُقرر نتنياهو تعليقها، ولم يلغها.
ولم يستبعد كورشون صحة الأخبار الواردة مؤخرا، والمتعلقة بتهديد بعض العائلات المسلمة في القدس الشرقية بفرض ضرائب إضافية عليهم، وهو ما يأتي تزامنا مع مقالة نشرتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية بتاريخ 24 يناير/كانون الثاني الحالي، لأحد المتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية، وذكر فيها أن اليهود في القدس تعرضوا لفرض ضرائب كبيرة من قبل والٍ من ولاة المدينة في عهد الحُكم العثماني، واستخدم عنوانا لذلك جاء فيه "الابن مثل أبيه.. الوالي العثماني الذي عذّب يهود القدس".
وأوضح المؤرخ التركي أنّ الحادثة المذكورة في صحيفة هآرتس تعود إلى القرن 17، عندما تم تعيين محمد بن فاروق ليكون واليا على القدس، واستمر حُكم الأب وابنه بين سنتي 1621 و1626، وادّعى الكاتب الإسرائيلي أن الأب والابن فرضا ضرائب بصورة غير مسبوقة على اليهود من سكان القدس.
وأكّد الكاتب أن الرواية الواردة في الصحيفة الإسرائيلية تحوي الكثير من الأكاذيب، حيث ذكرت أن عدد اليهود في ذلك الوقت في القدس بلغ ثلاثة آلاف نسمة. ورغم أن الأدلة التاريخية على ذلك محدودة جدا، فكيف يُمكن أن يكون عدد سكان اليهود في القدس ثلاثة آلاف نسمة في تلك الفترة، وبعد ثلاثمئة سنة لا يصل هذا العدد حتى لعشرة آلاف نسمة؟ وفي ذلك دليل كافٍ على بُطلان الرواية.
وأضاف كورشون أن الحديث حول هذا الموضوع دون الرجوع إلى أدلة تاريخية من الأرشيف، لن يكون ذا مصداقية، كما أن الحديث عن فترة حُكم ابن فاروق (أو ابن فروخ) التي امتدت خمس سنوات، كأنها فترة حُكم استمرت طيلة القرن 17؛ فيه كذب وافتراء وتجنّ على تاريخ الدولة العثمانية.
استثناء في التاريخ العثماني
ورغم أن الإيحاءات والإيماءات التي كان يتحدث بها الكاتب في صحيفة هآرتس حول حُكم ابن فاروق (الأب والابن)، فإنّ الكاتب اضُطر في نهاية مقالته للاعتراف بأنّ تلك الفترة كانت استثناء في تاريخ الإمبراطورية العثمانية عندما قال "لم يكن هناك فرض لضرائب باهظة ضد اليهود، تُجبرهم على بيع أغراضهم أو الاستعانة بأحد من الخارج لدفعها، طوال حُكم المسؤولين العثمانيين خلال فترة سيطرتهم على القدس لنحو أربعمئة سنة".
واعتبر الكاتب التركي أنّ هذا الاعتراف في نهاية المقالة، أو التسليم بالحقائق، يشير بصورة واضحة إلى أنه لا يُمكن إخفاء حقائق التاريخ، وأنّ التاريخ لا يكذب، وإنما من يكتبون التاريخ هم الذين قد يتلاعبون به ويُنتجون الأكاذيب.
كما أن هذا الاعتراف يشير -بما لا يدع مجالا للشك- إلى أن مستقبل إدارة مدينة القدس لن يتحدد إلا من خلال استخلاص الدروس والعبر من ميراث حُكم العثمانيين لها.
واستدل الكاتب كورشون بالنتائج التي تمخضت عن دراسات منتدى فلسطين، بالتعاون مع رئاسة شؤون أتراك المهجر والمجتمعات ذات القربى (YTB)، المتعلقة بالأرشيف العثماني، والتي أثبتت أنّ الدولة العثمانية على مدار حُكمها للقدس لم تسمح بظُلم أي من سكان المدينة بغض النظر عن دينه أو مذهبه، لكن هذا لا يعني عدم وقوع بعض الحالات الاستثنائية، والتي كان النظام القائم يوصلها إلى قصر السلطان في إسطنبول، الذي كان يتدخل بأوامر مباشرة لرفع هذا الظلم.
وقف صخرة الله
وذكر كورشون شكوى وصلت إلى إسطنبول بتاريخ الخامس من سبتمبر/أيلول 1743، قدمها اثنان من اليهود من الذين استأجروا بيوتا يملكها "وقف صخرة الله" في القدس، وذلك بعدما طالب بعض المسؤولين برفع إيجار منازلهم. وبدورهم احتجوا على ذلك ورفعوا الشكوى إلى إسطنبول، وما أن علم السلطان بذلك حتى أصدر أوامره المباشرة إلى قاضي القدس، وتم إلغاء قرار زيادة الإيجار بقرار من المحكمة.
وضرب كورشون مثالا آخر على ذلك، حيث كان يهود القدس يستخدمون أي مطحنة يريدونها لطحن محصولاتهم من القمح، غير أنّ البعض عمل على تخصيص مطاحن خاصة باليهود فقط، بحيث لا يستطيعون استخدام المطاحن الأخرى. وبناء على شكوى تقدموا بها، جاءت تعليمات صارمة من إسطنبول تفيد بالسماح لليهود باستخدام أي مطحنة يرونها مناسبة لهم دون أي تمييز، وأنّ الدولة ستقوم بتعويض أي ضرر نتج عن ذلك، ورفض حدوث أي تمييز بين المسلمين واليهود بهذا الشأن.
وأكّد الكاتب التركي في مقالته أنّ الأرشيف العثماني يضم مئات الدلائل والقرائن التي تشير إلى عدم فرض أي ضرائب إضافية على يهود القدس غير المنصوص عليها في القانون، وإلى السماح لليهود بقراءة التوراة في بيوتهم، وعدم منعهم من ممارسة شعائرهم الدينية، والسماح لهم بممارسة التجارة ضمن إطار القانون، والتصرف بصورة جيدة مع اليهود الزائرين للقدس، وحماية الفقراء منهم.
واختتم الكاتب مقالته بالتأكيد على أنّ المقصود من رده هذا هو ضرورة استخلاص الدروس والعبر من التاريخ من أجل ترسيخ قواعد السلام في العالم، حتى لو لم يكن هناك مآرب لما ورد في صحيفة هآرتس.