يوم الغفران.. عيد لليهود وسجن للقدس والمقدسيين

طريق في البلدة القديمة قرب حائط البراق يبدو خاليا من المتسوقين اليوم(الجزيرة نت)
طريق في البلدة القديمة قرب حائط البراق يبدو خاليا من المتسوقين اليوم (الجزيرة)

أسيل جندي-القدس

يتمنى التاجر المقدسي المسن ماهر أبو ميالة لو أنه يعيش في البلدة القديمة بجوار حوانيته السياحية الواقعة في طريق باب السلسلة قرب المسجد الأقصى، لأن الوصول إليها في موسم الأعياد اليهودية بات مهمة صعبة بل مستحيلة أحيانا.

ويضطر أبو ميالة الذي يعيش في حي كفر عقب خلف الجدار العازل لسلوك طريق تستغرق من وقته ساعتين كي يصل إلى مكان رزقه مع إحياء الإسرائيليين ليوم الغفران (الكيبور) الذي يعتبر أقدس أيام السنة عند اليهود.

ومع أن الإعاقة البصرية تزيد من معاناته في بلوغ مكان عمله فإنه يرفض إغلاق باب رزقه ويصر على فتح أبواب الحوانيت وإن انعدمت حركة المارة بسبب الإغلاقات المحكمة للطرق على مداخل الأحياء شرقي القدس.

تحدث أبو ميالة للجزيرة نت من أمام حانوته في باب السلسلة عن تأثير يوم الغفران اليهودي على حياته كمقدسي، قائلا "يستغرق الوصول إلى الحانوت نحو نصف ساعة في الأيام العادية".

ويضيف "أما في يوم الغفران فيستغرق ساعتين، فأنطلقُ من كفر عقب باتجاه جبع ومن هناك للعيزرية فعناتا والعيساوية ثم جبل الزيتون ووادي الجوز، ومن هناك نصل البلدة القديمة مشيا على الأقدام".

التاجر أبو ميالة: لن نسمح بإفراغ البلدة القديمة للمستوطنين (الجزيرة)
التاجر أبو ميالة: لن نسمح بإفراغ البلدة القديمة للمستوطنين (الجزيرة)

إثبات وجود
رحلة الطريق الالتفافية الطويلة لا تنعكس إيجابا على أبو ميالة والتجار الآخرين، فحركة المتسوقين تنعدم في ذلك اليوم بسبب إجراءات الشرطة الإسرائيلية "لا أحد يشتري منا، لكننا نصمم على فتح محالنا.. لن أسمح أن تفرغ المنطقة للمستوطنين ليمرحوا بها في غيابنا وكأنها لهم.. أخشى إذا أغلقتُ المحل لفترة معينة بسبب انعدام الحركة الشرائية أن أبيعه لجهة تسربه في نهاية المطاف إلى الجمعيات الاستيطانية.. نتحمل المرّ كي لا نذوق الأمرّ منه".

ودّعنا التاجر أبو ميالة وأكملنا سيرنا في أسواق القدس العتيقة الأخرى، ولم نصادف خلال جولتنا بائعا يتفاوض مع زبون على سلعة، فجميع التجار يجلسون أمام محالهم إما يتبادلون همومهم أو يلهو جزء منهم بهواتفهم الذكية.

في منتصف سوق القطانين التقينا بالمقدسي زياد أبو سنينة الذي لا تختلف همومه عن غيره من المقدسيين في هذا اليوم الذي يمر ثقيلا عليهم، وقال إنه رغم كل الإجراءات الأمنية المشددة يصمم على الوصول إلى البلدة القديمة في يوم الغفران من منزله الواقع بحي المغاربة جنوب المسجد الأقصى.

وقال بانفعال "لا يقتصر التضييق على إغلاق الطرقات، بل يتم استهدافنا في لقمة عيشنا.. نملك مخبزا في حارة الشرف التي تحولت إلى حارة اليهود، ونعاني من العنصرية إذ يجلس مقابل مخبزنا إسرائيلي يوزع نفس منتجاتنا مجانا للمارة، وكلما مر أحد ينبهه هذا الشخص وغيره أن هذا المخبز عربي.. هذه التصرفات الاستفزازية تتضاعف في أعيادهم ولا نملك من أمرنا شيئا لمواجهتها".

المقدسي أبو سنينة: رغم إجراءات الاحتلال نصمم على فتح متاجرنا (الجزيرة)
المقدسي أبو سنينة: رغم إجراءات الاحتلال نصمم على فتح متاجرنا (الجزيرة)

تضييق مضاعف
يشار إلى أن يوم الغفران أقدس أعياد اليهود، وهو اليوم الوحيد الذي تفرض الشريعة عليهم الصيام فيه عن الأكل والشرب 25 ساعة، كما تمنع فيه الحركة بصورة كاملة، وفيه أيضا تشدد سلطات الاحتلال الخناق على الفلسطينيين في المدن المختلطة ومن بينها مدينة القدس.

ويوم الغفران هو المتمم لأيام التوبة والغفران، ويحل بعد ثمانية أيام من بدء السنة العبرية الجديدة، ويؤمن به جميع اليهود حتى العلمانيون منهم، إذ يتم به الصوم لمدة 25 ساعة تكرس لمحاسبة النفس والتكفير والتطهير من الذنوب وإقامة الصلوات وفق الشعائر التلمودية.

وتنهى تعاليم الديانة اليهودية في يوم الغفران عن ممارسة الأعمال اليومية وهي الأكل والشرب، وارتداء الحذاء المصنوع من الجلد، والتطيب والاغتسال والمعاشرة وإشعال النار والكتابة بقلم وتشغيل السيارات.

وتُغلق مداخل الأحياء العربية شرقي القدس بالسواتر الحديدية وبعضها بالمكعبات الإسمنتية، ويمنع المقدسيون من التحرك باتجاه الشطر الغربي من المدينة.

ونشرت الشرطة الإسرائيلية خطتها الخاصة بالمناطق التي ستغلق بشكل كامل والطرق التي يمكن لسيارات الإسعاف سلوكها باتجاه المستشفيات، وذلك استعدادا لإحياء اليهود ليوم الغفران الذي يبدأ صومه مع غروب شمس اليوم الثلاثاء.

وتأتي هذه الإجراءات المشددة إرضاء للمتدينين اليهود الذين يعتبرون أن تحرك أي مقدسي بمركبته الخاصة استفزاز لمشاعرهم الدينية.

المصدر : الجزيرة

إعلان