في يومهم العالمي.. كيف يبرّ شباب القدس مدينتهم؟
أسيل جندي-القدس
في عام 1999، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 أغسطس/آب من كل عام يوما عالميا للشباب، وذلك اعترافا بأهمية إدماج هذه الفئة في جدول أعمال السلام والأمن في المجتمعات على نطاق أوسع، وتأكيدا على الدور المهم الذي يمكن أن يؤديه الشباب في تحجيم الصراعات وحلها، بالإضافة إلى الاحتفاء بإمكاناتهم بوصفهم شركاء في المجتمع العالمي اليوم.
ويشكل الشباب الفلسطيني ما نسبته 30% من إجمالي سكان فلسطين، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني التي نشرت بمناسبة اليوم العالمي للشباب، فيما يبلغ معدل البطالة 40% بين الشباب من فئة القوى العاملة و53% بين الخريجين.
ورغم ما يعانيه شباب القدس بسبب الإجراءات الإسرائيلية اليومية التي تُعدم شعورهم بالأمان وتئِد أملهم في مستقبل أفضل، فإن انتماءهم لمدينتهم وتعلقهم بها يدفعهم للمواظبة على خلق مبادرة هنا وغرس عمل تطوعي هناك، تأكيدا على أهمية دورهم في مدينتهم المحتلة.
الاختصاصية النفسية ربى أبو غوش تعمل مع طلبة المدارس على مدار العام بالإضافة للجلسات العلاجية النفسية الخاصة، لكنها تولي العمل التطوعي اهتماما كبيرا وتجد له الوقت على مدار العام.
وفي حديثها للجزيرة نت قالت "لا يمكننا إدارة ظهورنا لما يحصل من حولنا، والتدخل وقت الأزمات جزء مهم من عملنا ولا أنتظر لذلك مقابلا".
روح تطوعية
وفي بداية مشوارها المهني، عملت الشابة المقدسية مع البدو في النقب لمدة ست سنوات ثم انتقلت للعمل في القدس، لكنها ما زالت تتوجه إلى قرية أم الحيران البدوية في النقب لدعم أهلها معنويا، كما تواظب منذ يونيو/حزيران المنصرم على التوجه إلى قرية الخان الأحمر للتطوع مع الأطفال والنساء هناك.
وعن هذه التجربة قالت إن المتضامنين هناك طلبوا وجود أخصائيين نفسيين لتقديم الدعم النفسي للسكان، فتوجهت ربى ومعها آخرون، وعملت مع النساء والأطفال في مجموعات، "استخدمنا البطاقات العلاجية والصلصال والرسم كأداة تفريغ، وعبّرت النساء والأطفال عن مخاوفهم وأحلامهم من خلالها".
ورغم المآسي التي تشهد عليها في رحلاتها التطوعية، فإنها تجزم أنها جعلت منها شابة أقوى في مواجهة ظروف المدينة القاسية.
تطوعت ربى في تقديم الدعم النفسي بعدة قضايا في القدس، منها اعتقال الأطفال وهدم المنازل وحادثة حرق الفتى محمد أبو خضير، ولم تكتف بذلك بل سافرت لمساندة اللاجئين السوريين على الحدود بين صربيا وكرواتيا.
وفي ختام حديثها للجزيرة نت، قالت إن "الحياة في القدس صعبة جدا لكن يجب إكمال الطريق والحرص على تفريغ الضغوط دائما. الشباب المقدسي يستحق الحياة كما تستحق القدس أن نعيش ونعمل بها ولأجلها".
جماليات وتوثيق
عبد العفو زغير (26 عاما) ناشط شبابي مقدسي يخدم القدس عبر المنصات الاجتماعية المختلفة، بدأ مشواره قبل نحو ستة أعوام، بعد ملاحظته مدى انتشار موقع فيسبوك وتأثيره على الجمهور، وفكر في نشر بعض الصور التي يلتقطها كغيره من الهواة لمعالم القدس بشكل عام وللمسجد الأقصى بشكل خاص.
بُهر زغير من شغف الناس وتعطشهم لرؤية القدس وسماع قصص عنها، سواء أولئك الذين يعيشون في فلسطين وهم ممنوعون من زيارة القدس، أو من يعيش خارجها ولا يمكنهم زيارتها، فـ"رغبة المتابعين في معرفة المزيد دفعتني لسبر أغوار هذه المدينة بعمق، وانتقلت لأكتب عن أحداثها، بالإضافة للصور، بهدف إيصال الرواية الفلسطينية الصحيحة لعقول من يعيشون في الداخل والخارج".
ويهدف زغير من وجوده على المنصات الاجتماعية إلى ترك بصمة إيجابية عبر نقل الصورة الصحيحة عن مجتمعه، وبعد وصول عدد متابعيه على فيسبوك لنحو 45 ألفا، انتقل لفتح حسابات على تويتر وإنستغرام وسناب شات، وهو ينشر من خلال هذه المنصات بعدما درس طبيعة جمهورها والفئات العمرية المقبلة عليها، حتى وصل عدد متابعيه عليها مجتمعة إلى مئة ألف.
ويؤمن المقدسي زغير بضرورة العمل على أرض الواقع وبجهود جماعية، بالإضافة للنشر والتفاعل في العالم الافتراضي، ولتحقيق ذلك يشارك بشكل دائم في مبادرات شبابية جماعية في المدينة، كمبادرة "رمضان في القدس غير"، بالإضافة لتطوعه في الجولات الإرشادية بالمدن والقرى الفلسطينية المختلفة.
أما الشابة المقدسية دانية عليان (22 عاما) التي تحمل الجنسية الأميركية، فلم تتحرج من القول إنها لم تحب القدس عندما أتت لتعيش بها قادمة من أميركا، واستغرق ذلك ست سنوات، قبل أن تشعر بانتمائها الحقيقي لمدينتها الذي حوّلها إلى شابة متفانية في تعريف الآخرين لها.
"هل تعلم أن القدس؟" مبادرة فردية أطلقتها دانية بعد إعلان ترامب مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وعنها قالت "شعرتُ أن الكثير من أهالي المدينة وغيرهم خارجها لا يعرفون معلومات أساسية عنها، فبدأت إعداد مقاطع فيديو مدتها دقيقة، تسلط الضوء على معلومات بسيطة كأسماء أبواب القدس والأقصى وغيرها، ثم انقطعت عن المبادرة بسبب انشغالي بدراستي الجامعية، لكن إلحاح من حولي واستضافة وسائل الإعلام لي دفعتني لأكمل المشوار الآن".
وترى عليان ضرورة زيادة الوعي بين الشباب بأهمية العمل لأجل القدس واستخدام المنصات الاجتماعية كوسيلة لنشر المعلومات عن هذه المدينة، خاصة أن الاحتلال يتفوق في هذا المجال ويزرع روايته المشوهة في عقول الملايين.