في القدس.. الإقامة مقابل الولاء لإسرائيل
يرى قانونيون أن مصادقة الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) على مشروع قانون يخول وزير الداخلية سحب الإقامة من المقدسيين بحجة "خرق الولاء لدولة إسرائيل" من شأنه تسريع تهجير آلاف الفلسطينيين بشكل غير قانوني من القدس الشرقية.
وصوّت أمس الأربعاء بالقراءتين الثانية والثالثة لصالح القانون 56 عضوا من أحزاب الائتلاف الحكومي وقسم من المعارضة وعارضه 18 عضوا، بينما امتنع تسعة أعضاء عن التصويت.
وينص البند الثاني من القانون على سحب التصاريح أو الإقامة الدائمة من أولئك الذين قاموا بـ "خرق الولاء لدولة إسرائيل" وذلك وفقا للتصنيفات التالية حسب تعبير الاحتلال:
– أي عمل إرهابي حسب التعريف المذكور في قانون مكافحة الإرهاب لعام 2016، أو المساعدة أو المحاولة أو التحريض لارتكاب عمل من هذا القبيل أو المشاركة الفعالة في منظمة إرهابية معروفة أو أي منظمة ينطبق عليها التعريف القانوني للمنظمة الإرهابية بما في ذلك الأحزاب أو المنظمات السياسية المنتمية لتلك المنظمات.
– أي عمل يعتبر خيانة حسب المواد (97) إلى (99) من قانون العقوبات الإسرائيلي لعام 1977 أو "التجسس الخطير" حسبما ورد في المادة (113) (ب) من القانون المذكور.
– الحصول على مواطنة أو حق الإقامة الدائمة من دولة أو مناطق مذكورة في الملحق الخاص بقانون المواطنة الإسرائيلي لعام 1952.
ترهيب..
عضو الكنيست عن القائمة العربية المشتركة جمال زحالقة وصف القانون بالخطير للغاية كونه يأتي ضمن محاولات إسرائيلية مستمرة لتغيير التوازن الديمغرافي في القدس، ويساعد إسرائيل في امتلاك أدوات جديدة لإبعاد المقدسيين عن المدينة.
الأخطر من ذلك -وفقا لزحالقة- سعي إسرائيل لقمع ومنع أي حراك سياسي بالقدس لأن أحد بنود القانون يتيح لوزير الداخلية سحب الإقامة من المقدسي دون إدانته بالمحكمة وبحجة "خرق الولاء" مشيرا إلى أن القانون أصبح نافذا الآن ويهدف بشكل أساسي لترهيب أهالي المدينة المقدسة وردعهم عن العمل السياسي.
ودعا زحالقة لعدم التهويل من أبعاد القانون لأن ذلك يخدم المصلحة الإسرائيلية التي تريد نشر حالة من الهلع بين المقدسيين فـ "علينا التعامل مع الموضوع بحذر فرغم خطورة القانون إلا أن العمل السياسي بالقدس يجب أن يستمر ويأخذ شكلا جماعيا".
وعلى عكس ذلك، يرى المحامي المقدسي معين عودة أن مصطلح "خرق الولاء" فضفاض وقد يدخل كثيرين في دائرة خطر فقدان حق الإقامة بالقدس، ويعتقد أن ملامح القانون الجديد ستتضح بمجرد الشروع في تطبيقه إذ سيشمل بادئ الأمر النشطاء السياسيين لكنه قد يمتد لاحقا ليشمل راشقي الحجارة ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال.
وفي نظرته القانونية للقانون الجديد، قال عودة إنه يعارض القانون الأساس في إسرائيل والذي يكفل احترام حرية الإنسان وحقه في التعبير والممارسات اليومية، أما القانون الدولي فيعتبر القدس الشرقية منطقة محتلة، وسكانها محميون ويمنع بشكل قطعي ترحيلهم وتغيير مكان سكنهم.
وأضاف عودة -في حديثه للجزيرة نت- أن القانون الجديد يندرج تحت سياسة التهجير القسري، وأنه من غير المنطقي أن يربط الولاء لدولة الاحتلال بحق الإقامة المكفول في كل القوانين الدولية فـ "يُطلب من المغتصَب أن يقدم الولاء للمغتصِب.. إسرائيل هي من قدِمت للقدس واحتلتها وليس المقدسيون من ذهبوا لها وطلبوا منها القدوم لأرضهم، فمعادلة الولاء باطلة".
ولفت إلى ضرورة الالتفات لجزئية مهمة في القانون الجديد وهي سلب المتضرر بسحب الإقامة حقه في التوجه للالتماس للمحكمة الإسرائيلية العليا ضد القرار، والسماح له بالاعتراض في محاكم إدارية محلية.
وجاء القانون الجديد بعد إمهال المحكمة العليا قبل شهور الحكومة ستة أشهر لتشريع قانون يتيح سحب هويات عدد من نواب وقيادات القدس المبعدين.
تهجير قسري
ومع تمرير هذا القانون تبقى هناك فرصة أمام المؤسسات الحقوقية للاستئناف ضده في المحكمة العليا، لكن عودة يطرح تساؤلا: هل المحكمة العليا لديها الرغبة الفعلية في مواجهة الحكومة والكنيست في ظل وجود قضاة يمينيين في أروقتها؟ ويجيب: أستبعد ذلك، ربما تلجأ لتعديل بعض البنود لكن القانون لن يتغير.
سحب الإقامة من المقدسيين على خلفية "خرق الولاء" ليس المعيار الوحيد الذي يحرم من خلاله المواطنون الفلسطينيون حقهم بالعيش في مدينتهم المقدسة بل سبقه قوانين أخرى بدأ تطبيق أولها منذ احتلال المدينة عام 1967 حتى الآن، وفيه يتم سحب إقامة كل من يقيم خارج القدس لمدة سبعة أعوام في دولة أخرى.
ومع بداية التسعينيات بدأ الاحتلال بسحب إقامة كل من لم يتمكن من إثبات أن "مركز حياته" مدينة القدس، ويصل عدد الذين سحبت إقاماتهم بناء على هذه المعايير 14500 مقدسي ومقدسية منذ عام 1967 حتى عام 2015.
ويتخوف نحو 140 ألف مقدسي يعيشون في الأحياء الواقعة خلف الجدار العازل من إمكانية سحب إقاماتهم في ظل الحديث المكثف مؤخرا عن إخراج هذه الأحياء من حدود بلدية القدس، وتسليم صلاحيات العمل فيها لجيش الاحتلال.