رؤية القطريين لأزمة الخليج مع إطلالة 2019

عبد الله العمادي-الدوحة
جرت العادة أن يبدأ الناس في تأمل أحداث مضت بحلوها ومرها، ما إن ينتهي عام ويبدأ آخر وكلهم أمل ورجاء في أحداث جديدة تبعث على التفاؤل بمستقبل طيب، لكن التمني شيء والواقع شيء آخر، وهذا هو حال الأزمة الخليجية.
فمنذ اندلاعها قبل أكثر من عام ونصف العام يتفاءل كثير من شعوب المنطقة مع قدوم العام الجديد لعله يحمل معه ما يسر نفوسهم ويجبر كسر خواطرهم جراء ما حدث بالخليج من أزمة طالتهم هذه المرة، في سابقة غير مشهودة بمنطقة اعتادت شعوبها أن تكون الأزمات والخلافات السياسية محصورة على أضيق نطاق ضمن دوائر السياسيين وأصحاب الشأن، إلا هذه الأزمة التي دفعت بالشعوب دفعا نحو أتونها، وهم غالبا لم ولن يكون لهم ناقة فيها ولا جمل.
ما يحدث بالخليج -لا سيما بين شعوبه- هو أمر بالغ التعقيد لم تعرفه المنطقة، فمثلما عاش الكويتيون عقدين من الزمن أو جيلا كاملا لا يمكنهم تمرير ما حدث لهم إبان غزو العراق للكويت صيف عام 1990، واحتاجوا سنوات عديدة كي يظهر جيل جديد لم يشهد أحداث تلك السنة البائسة، ليبدأ هو في مشروع تطبيع الأمور مع الجارة الكبيرة مع حرص وحذر شديدين من جانب جيل الغزو، فإن الأمر مرشح للتكرار مع الشعب القطري تجاه شعوب دول الحصار، لا سيما الإمارات والسعودية للأسف الشديد.

ورغم قوة العلاقة التي كانت بين هذه الشعوب فإن ما حدث خلال عام ونصف فقط -وما زال يحدث- من إساءات متعمدة ربما لا يساور أي مراقب لأحداث المنطقة، كثير شك في أنها ليست عفوية بل هي ممنهجة ومخطط لها مسبقا، ودفعت الشعوب نحو أتون خلافات سياسية نسفت كثيرا من القيم والروابط والعلاقات بينها، التي تطيل أمد عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل يونيو/حزيران 2017.
على المستوى الرسمي الذي لا يتصادم مع التوجه الشعبي في قطر نجد أن أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ما زال يكرر في كل مناسبة محلية أو إقليمية أو دولية رؤية الدولة لحل هذه الأزمة المفتعلة، وأن الحل كامن في "الحوار الذي يجسر الهوة بين الفرقاء مهما اشتدت الخلافات، وهو نقطة الابتداء ونقطة الانتهاء في هذا الزمن الصعب".
هكذا قال الشيخ تميم في خطابه أمام منتدى الدوحة العالمي قبل أيام مضت، ثم جاء بنموذج حي على ذلك بقوله "وينطبق ذلك على أزمة الخليج المتمثلة بحصار بلادنا والتي لم يتغير موقفنا في حلها:
• برفع الحصار
• وحل الخلافات بالحوار القائم على الاحترام المتبادل
• وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول
فمسألة التعايش وحسن الجوار بين الدول منفصلة عن أي قضايا أخرى".

بدأ العام الجديد والأمور في الأزمة الخليجية ساكنة، بل وصلت إلى مرحلة تبدو لا أثر فيها لطريق عودة أو خط رجعة، وليس ذلك تشاؤما بقدر أن ظواهر الأمور والأحداث والأشياء خلال هذا العام والذي قبله لا توحي للمتابع أن انفراجة قريبة ستحدث للأزمة.
بل إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أراد أن يجمع أطراف الأزمة لحلحلتها لم يجد إلى الآن أي بوادر تدعوه إلى التحرك بحماس، سواء عن قناعة من لدن نفسه أو بفعل ضغوط شخصية من بعض رموز دول الحصار عليه، وهو ما يدفعه إلى التأجيل مرة بعد أخرى، خصوصا أن مشاكل الولايات المتحدة الداخلية تعددت في وجهه، ومشاكلها الخارجية تنوعت وتعمقت في الوقت ذاته، وبالتالي لا يرى أي مراقب للأحداث أن أزمة الخليج ستلفت أنظار البيت الأبيض عن تلك المحدقة به من كل حدب وصوب.
لذلك -وخلاصة لهذا الحديث- لن يكون تجاوز الأزمة حتى بعد انفراجها أمرا سهلا على القطريين الذين قد يحتاجون لسنوات من العمل الإعلامي التوعوي المنظم والمكثف لمحو آثار وإفرازات الحصار من الأذهان، لا سيما الأذهان الفتية الشابة، وبذل جهود كبيرة بمعية مؤسسات مجتمعية عديدة لطمس وإزالة أو تعديل الصور الذهنية السلبية الكثيرة التي ارتسمت في أذهانهم عن زعماء ومنفذي أحداث حصار قطر.