درب الساعي في قطر.. استحضار الماضي لغرس العادات
عماد مراد-الدوحة
وقف الطفل القطري فيصل حمد وسط مجموعة من الأطفال ليستمع إلى حكايات عن "النديب" قديما، الذي كانت مهمته إيصال رسائل مؤسس دولة قطر الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني إلى الداخل والخارج مستخدما الهجن، ويسلك طريقا يعرف باسم "درب الساعي".
عندها علم فيصل سر تسمية مقر احتفالات اليوم الوطني في قطر باسم "درب الساعي"، وصار ينتظر من عام إلى آخر موعد الاحتفال باليوم الوطني في 18 ديسمبر/كانون الأول، ليذهب إلى هذا المكان لما يحتويه من فعاليات محببة للأطفال.
فيصل استهوته حكايات النديب ومغامراته في الطرق الوعرة، وكيف كان هؤلاء الرجال الذين توكل لهم مهمة النديب يتميزون بالولاء والطاعة والشجاعة والفطنة للقيام بهذا الدور الهام في أصعب الأوقات وأخطرها.
المعاني التي وصلت إلى فيصل من وراء حكايات النديب، هي المغزى الأساسي من الفعاليات التي تقيمها قطر في "درب الساعي" خلال الاحتفال باليوم الوطني سنويا، والتي تهدف إلى تعريف الجيل الحالي بالعادات والتقاليد القديمة لأهل قطر، وكيف استطاع الأجداد تذليل الصعاب للحفاظ على البلاد وشعبها.
قطر القديمة
"درب الساعي" يحاكي في الشكل المدينة القطرية القديمة، وهو عبارة عن مساحة كبيرة من الأرض مقسمة إلى عدد كبير من الخيام، في كل خيمة توجد فعالية مختلفة، ولكن جميع تلك الفعاليات تستهدف ربط الجيل الحالي بحياة الأجداد وتعريفهم بشكل حياة القطريين قديما.
وتحرص المؤسسات القطرية كافة على أن يكون لها خيمة في "درب الساعي" تفعيلا لمبدأ المسؤولية الاجتماعية، فهناك خيمة المرور التي تعرض السيارات القديمة وثوب رجال المرور، كما توجد خيمة المطافئ وحمد الطبية ومؤسسة قطر، بالإضافة إلى عروض الهجن والخيل وألعاب الأطفال.
فعاليات "درب الساعي" التي تبدأ قبل اليوم الوطني بستة أيام وتنتهي بعده بيومين، تتضمن العديد من المسابقات التراثية التي تستهدف الأطفال، بالإضافة إلى مزاد لبيع المقتنيات من القطع القديمة مثل العملات والأواني و"الدلال النحاسية" والأجهزة الكهربائية القديمة وغيرها من القطع التي كانت تستخدم في منازل قطر قديما.
ومن أكثر الفعاليات التي تجد صداها لدى جمهور "درب الساعي" فعالية "المقطر" التي تقدم صورة حية ومشاهد واقعية يتلمس من خلالها الزائرون طبيعة وملامح حياة البادية في قطر قديما.
بيوت الشعر
و"المقطر" مجموعة من بيوت الشعر والمجالس التي تحاكي نمط حياة البادية قديما، بحيث يتعرف الزوار على مجالس الحياة اليومية للعائلة القطرية، ومجلس النساء، وبيت العقيد، وبيت القناص. وقد أصبحت هذه الفعالية التي يشرف على تنظيمها مركز "نوماس" التابع لوزارة الثقافة والرياضة القطرية، علامة مميزة لفعاليات "درب الساعي".
ويعتبر أحمد جاسم الكواري نائب مدير مركز "نوماس" أن فعاليات "درب الساعي" أدوات تثقيفية لنقل التراث القطري القديم بعاداته وتقاليده إلى الأجيال الجديدة، وغرس قيم الصدق والكرم والشهامة والأمانة لدى هذه الأجيال.
ويضيف الكواري في حديث للجزيرة نت أن ضغوطات الحياة المدنية والتزاماتها تشغل الأسرة عن الاهتمام بغرس هذه القيم في أبنائها، الأمر الذي يدفع الدولة ومؤسساتها إلى الحرص على قيم وعادات وتقاليد الأجيال الجديدة من خلال مجموعة من الفعاليات التي تنظم بشكل مكثف في "درب الساعي" كل عام.
ويرى أن فعالية "المقطر" من أهم هذه الفعاليات لكونها تنقل الماضي كما كان، فهناك مجسم لبيت شيخ القبيلة أو كما كان يسمى في قطر "بيت العقيد"، حيث يجتمع حوله الشعراء والمثقفون من البادية ليستمعوا إلى عزف الربابة وحكايات الراوي الذي يتمتع بحفظ الكثير من القصص التاريخية التي تحفظ التراث، ومن تلك القصص تستخلص العبر والحكم.