طه عبد الرحمن يقارب الأسس الائتمانية لمواجهة التطبيع

قال الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن إن المقاربة الائتمانية توجب رد الإيذاء الإسرائيلي للفلسطينيين إلى روح هذا الإيذاء المتمثل في "إيذاء الإله وإيذاء الإنسان".
وأوضح عبد الرحمن -في محاضرة نظمها أمس السبت مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني بـ الرباط بعنوان "الأسس الائتمانية للمرابطة المقدسية "- أن الاحتلال الإسرائيلي للأرض المقدسة في فلسطين هُوَ منازعة للإله في صفة المالك.
ولفت إلى أن احتلال الإرث الفطري تجلى في درجتين إحداهما قلب القيم الذي يؤدي إلى اختلال علاقة الفلسطيني بالزمان والمكان، والثانية سلب الفطرة الذي يؤدي إلى التطبيع، مبرزا أن حقيقة التطبيع هي أنه "تضييع للطبيعة وللروح وتضييع للقداسة والحياء".
أصالة الفطرة
لذلك يؤكد الفيلسوف المغربي أن المقاربة الائتمانية توجب رد ملكية الأرض المحتلة إلى روحها وهي القداسة ورد ذاتية الفطرة المحتلة إلى روحها وهي الأصالة.

وبين عبد الرحمن أن المرابطة المقدسية هي استرجاع قداسة الأرض التي دنسها الاحتلال الإسرائيلي، واسترجاع أصالة الفطرة التي زيفها التطبيع، مبرزا أن تصدي المرابطين المقدسيين لتدنيس الأرض يمر عبر رفع المالكية الإسرائيلية عن أي شيء في الأرض المقدسة بدءًا بالدولة وانتهاء بالوجود، ثم ترسيخ ثقافة الائتمان وتشمل التفكر في الآيات التكليفية وحفظ الموروث الروحي وشهود الإرادة الإلهية في العالم وتقديم الوفاء بالواجب على استيفاء الحق، وبعدها استرداد الأمانة المسلوبة.
واسترداد الأمان أمر لن يتم – وفق الفيلسوف المغربي- إلا عبر حفظ مبدأ الأمانة نفسه، وأن يكون منهج المرابطين مسنودا إلى القوة الروحية، وعدم الوقوف عند القوة المادية ثم التعاطي مع كل الكيفيات الممكنة والابتكار الدائم لها، وتعميم الرباط على الأرض كلها وعدم تخصيصه بأرض فلسطين.
أما تصدي المرابطة المقدسية لتزييف الفطرة المؤذي للإنسان وهو التطبيع، فيستند -كَمَا أوضح عبد الرحمن- إلى ميثاق الشهود الملكوتي، وهو على ثلاث مراتب من بينها: مقاومة تجليات الإرادة الإسرائيلية على الحاكِم المطبع وذلك ببيان خيانته لأمانة العدل ثُمَّ توعية المجتمع المكره على التطبيع.
ونبه المحاضر إلى أن ذروة التطبيع هي خضوع الحاكِم لإرادة الإسرائيليين، وأن الحاكم المطبع يكون في هذه الحالة خائنا لنفسه وللمحكومين، وبسببه يقع المجتمع تحت "ظلمين: ظلم تعبيد الحاكم نفسه للإسرائيليين وظلم تعبيد الشعب لهم، إذ إن الأمانة التي في ذمته هي حفظ العدل، وهو لم يعدل مع شعبه ولا عدل مع نفسه" وفق تعبير الفيلسوف المغربي.
تعبد الحاكم
وبسبب تعبد الحاكم للإرادة السياسية للإسرائيليين فإنه "يمارس ظلمه سواء على أبناء شعبه أو أبناء شعوب أخرى استطاعت أن تمتد يده إليهم مكمما الأفواه ومشتريا الضمائر وعاقدا الصفقات ودافعا الرشاوى ومعطيا البيعة لمن لَا يُبايَع لا شرا ولا عقلا، كل ذلك تحت مرأى ومسمع من العالم لأن يد إسرائيل ترعاه" يوضح عبد الرحمن.
لذلك، يقول المحاضر، فإن الحاكم المطبع ليس له من الإنسان إلا صورة العربي أو المسلم، أما روحه فهي الإرادة الإسرائيلية، ولن يخلصه من هذه العبودية والخيانة إلا مرابط مقدسي، هذا الأخير ينبغي أن يكون -وفق عبد الرحمن- مقتنعا بأن التطبيع لا يقل شره عن شر الاحتلال بل يزيد عليه، وأن واجب دفع التطبيع مقدم على واجب دفع احتلال الأرض، نظرا لأن التطبيع هو احتلال للفطرة واحتلال الأرض بعد احتلال الفطرة أيسر.
وأشار المحاضر إلى طور جديد من أطوار التطبيع لم يسبق له مثيل وهو تطبيع الأنظمة العلني، فضلا عن أن بعض هذه الأنظمة تتخذ التطبيع وسيلة لترسيخ دعائم ظُلْم حكمها، مستخفة بشعوبها.
لذلك يجعل عبد الرحمن أن من واجب المرابط المقدسي القيام بواجب توعية الحاكم بخطر التطبيع على حكمه بدءا بعزله عن شعبه واحتلال أرضه، ثم واجب توعية المجتمع المكره على التطبيع بمدى الضرر الذي يلحقه بكيانه وذلك بإعادة تأسيس القيم على الصفات الإلهية، وإعادة تأسيس الإسلام على الصفة المقدسية وإعادة تأسيس الروح على القرب الإلهي.