الشباب الكردي يفر من المجهول إلى المجهول

يقول شيرزاد إبراهيم، صاحب إحدى شركات السفر والسياحة، في أربيل إن "نسبة اﻹقبال على طلب الحصول على التأشيرات قد ارتفعت في الآونة الأخيرة أضعاف ما كانت عليه قبل أحداث كركوك وما تلاها".
ويتابع "ولكن الآن وبعد أحداث كركوك والمناطق المتنازع عليها ارتفعت بشكل لافت نسبة الراغبين بالسفر تحت اسم السياحة، وهي معلومة لدينا أن أصحابها يسافرون لغرض الهجرة النهائية عن الإقليم، وتضاعف اﻹقبال على السفر عن الفترة التي سبقت الأحداث".
وردا على سؤال عن ماهية الطبقات الاجتماعية أو الفئات العمرية التي تقبل على الهجرة أكثر من غيرها، قال إبراهيم "من كل الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية، ولكن كما تعلمون نسبة الشباب هي اﻷكثر بينهم بطبيعة الحال".
ويقول سيروان إلياس (18عاما) من أربيل "أنا لا أفهم بالسياسة، ولكن بعد الأحداث الأخيرة أشعر بأن كل شيء ضاع، وأن المخاطر تحدق بنا من كل صوب، ولهذا قررت الهجرة".

ويتابع سيروان قصة حياته البائسة هنا فيقول "أنا من عائلة نازحة، أجبرت على الدراسة هنا باللغة العربية لأنني كنت في سنجار أدرس بإحدى المدارس العربية، وطوال دراستي في تلك المدرسة كنت أواجه بأسئلة من قبل عدد من المدرسين العرب والمسلمين: لماذا لا تعرف اللغة العربية؟ لماذا لا تصلي؟ لماذا لا تغير دينك وتصبح مسلما مثل زملائك؟".
ويضيف "سئمت من الدراسة ومن كل شيء هنا، أترك عائلتي للمجهول وأود البحث عن مستقبلي في أي مكان في العالم".
وتقول لارا سليمان (20عاما) من مدينة دهوك "ما شاهدناه في الفترة الأخيرة يدل على أن العراق لم ولن يتغير، وحال الكرد لن يتغير لأن العالم يخذلنا كل مرة، لهذا، قررت عائلتي الهجرة، وها نحن نهم بترتيب أوضاعنا وبيع كل ما نملك والهجرة إلى أوروبا".
وردا على سؤال عن دراستها الجامعية ومستقبلها كشابة في مقتبل العمر؟ تجيب لارا متسائلة "عن أية مستقبل تتحدثون؟"، وتضيف "الأحداث الأخيرة أصابت الجميع بالصدمة والخيبة، ولا يوجد أمل بالبقاء هنا، خاصة ونحن جيل لم نتعود العيش مع الاحتلال أو الحشد الشعبي أو ما شابه، لذا أترك أرضي التي لا تحميني من المحتلين".

وعن طرق الهجرة غير النظامية كان لابد من التحدث مع أحد المهربين حيث قال المهرب (ع. خ) الذي يعمل بتهريب الراغبين بالهجرة غير النظامية منذ العام 2003 وحتى اليوم، "قبل الأحداث الأخيرة كانت الغالبية الساحقة من المهاجرين وخاصة بعد مجيء داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)، من الإيزيديين والمسيحيين، أما الآن فيأتي الناس من كل مدن كردستان، وحتى خارج كردستان، وهم من العرب السنة من مناطق الرمادي والفلوجة وتكريت وبالتأكيد من الموصل".
وعن طريقة التهريب قال "إننا نملك شبكة كاملة من المهربين في كل الدول التي تقع على طريق التهريب وصولا إلى أوروبا الغربية، وهم يتواصلون فيما بينهم عن طريق الشبكات الاجتماعية، فيهربون المواطن من هنا ليستلمه شريكه في الدولة الثانية، وهكذا إلى أن يصل المهاجر إلى وجهته المفضلة".
وعن المبالغ المالية التي يتقاضونها من المهاجرين قال "حسب الدولة التي يود المهاجر الوصول إليها وطريقة التهريب، ولكن على العموم يتفاوت المبلغ بين ألفي دولار للطرق البحرية والخطرة وصولا إلى 12 ألف دولار للشخص الواحد بالطرق البرية أو الجوية الآمنة والمضمونة".
ويقول الباحث الاجتماعي هفال عبدالسلام عن عودة ظاهرة الهجرة إن "عودة ظاهرة هجرة الناس من كردستان مرتبطة في غالبيتها بالوضع السياسي المتردي، والخوف والصدمة التي أصابت المواطنين هنا، فالجميع يخافون على حياتهم ومستقبل عائلاتهم".

ويضيف أن "ظاهرة الهجرة من كردستان قديمة قدم الحركة السياسية والحروب والمقاومة في كردستان، فلكل مرحلة سماتها، فقبل الأحداث الأخيرة وأيام المقاومة المسلحة كان الناس هنا يهاجرون بحثا عن الحرية وعن حياة كريمة".
ويتابع "أما الآن فعودة ظاهرة الهجرة مردها إلى الانتكاسة التي تعرضت لها كردستان، وشعور الناس بالخيبة من الوضع السياسي وكذلك من خذلان المجتمع الدولي للأكراد".
ويشير عبد السلام إلى أن "الهجرة الحالية تأتي من خيبة الأمل"، وأن "هناك ظاهرة اجتماعية يجب أن نلتفت إليها وهي أن الكرد وفي جميع مراحل الهجرة كانوا معجبين بالغرب وأوروبا وقيمها بشكل كبير، ولكن الآن يذهبون ويلجؤون إليها وهم مصابون بخيبة الأمل من الغرب وأوروبا والقيم النبيلة التي طالما أعجبوا بها".
ويضيف، "الظاهرة الأخطر من الهجرة وخيبة أمل المهاجر هو شعور جميع المواطنين هنا بالنكسة والفشل وخيبة الأمل، وشعورهم بأن وطنهم أصبح في وضع غير معروف، وهذا له تأثيرات نفسية واجتماعية خطيرة على المجتمع وعلى كل المدنيين".