إن أردت ألا تشيخ أبدا..

إن أردْتَ أن لا تَشيخَ أبداً..
إن أردت ألا تشيخ أبدا فازرع القدس زهرا في قلبك واسقها بالغضب.
 
تعلّق بجذع زيتونها، وبأجنحة طيرها حلق في حاراتها وزقاقها وفوق مآذنها، واسجد طويلا في محرابها.

سر فيها كل يوم، واكتب على جدران الذاكرة أنها لك، نعم هي لك رغم كل ما يحدث، رغم إعتام الحلم الأبيض، رغم فقر الضحكات.. هي لك.

رغم برد الأمّهات واشتعال جمر قلوبهن وهن يمسدن الوجه المعفر بالدّم.. هي لك.

نزفها دليل حياة.

فلا تمنن عليها أن ضمدت جراحها المنسابة من كل الجسد.

لا تمنن عليها بكثرة العشاق الذين ذهبوا إليها ولم يعودوا.

لا تمنن عليها بعشقك ولا بحرفك فهي التي تمن عليك أن هداك الله إليها.

يا قدس أخبريهم بأن الغلة التي كنا نراهن عليها أكلها السوس وظهرت حقيقتها، الغلّة كانت مجرد وهم، فالقدس لن تعود إلا بأكف رجالها

امدد كفك نحوها حتى يخضر كما اخضر زيتونها فلا يسقط أبدا، وأرسل زيتك إليها حتى يضيء قلبك قبل أن تضيء قناديلها، فللقدس بركة لن يتذوقها إلا من زرعها في مآقيه فأبصر بها.

يا قدس أخبريهم بأن الغلة التي كنّا نراهن عليها أكلها السوس وظهرت حقيقتها، الغلّة كانت مجرد وهم، فالقدس لن تعود إلا بأكف رجالها.

يا قدس..

أنت الكاشفة..

كشفت الوجوه.. رفعت أقواما وأسقطت آخرين.. ذابت مساحيق التجميل عن الوجوه اللامعة البرّاقة ليظهر الوجه الحقيقي الذي يخفونه منذ عشرات السنين.

هذه الوجوه تحمل ملامحنا ذاتها وتسجد لقبلتنا ذاتها وتتلو مثلنا آي القرآن، لكنها تزرع خنجرا كان بالأمس في الظهر.. وغدا الآن في الصدر.

يا قدس..

احكي لهم..

أن مثل هؤلاء لا نراهن عليهم، إنهم لا يساوون شيئا في الميزان.. إنهم المرجفون.. المثبطون..

فالأوطان عندهم كالنياشين على الصدور وليست في حجرات القلوب، وما كان على الصدر وليس في داخله سيخلع عند أول باب.

يا قدس هؤلاء لا يصنعون الحكاية ولا يقفون على أسوار العزة والكبرياء، فالتحرير يصنعه ثلة على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، ذخيرتهم روح تعرف أن الخلود لمن يحمل الرصاص.

يا قدس لو عرفوا أن جرحك هو أم الجراح ما تركوك، لن تلتئم جراح أوطاننا من المحيط إلى الخليج إلا إذا التأم جرح القدس

يا قدس لا تحزني..

فالأنظمة لا تملك قرارها لتملك مصيرك، الأنظمة لن ترسم خريطتك كما تشاء ولن تحمل مفاتيحك، فمن صدح بـ"إنا لن ندخلها" كان مصيره التيه.

لن يحصلوا على هذا الشرف، فمن ينشغل بإشعال النار في خيمة أخيه لن ينجو من النار التي أشعلها، ولن يستدل على طريقك إلا من تيقن أن المعركة الحقيقية هي معركة القدس وأن النار لا تشعل إلا في خيم الأعداء.

يا قدس لو عرفوا أن جرحك هو أم الجراح ما تركوك، لن تلتئم جراح أوطاننا من المحيط إلى الخليج إلا إذا التأم جرح القدس، فافتحي ذراعيك لنا، وأمطرينا قبلات وبركات فنحن على مقربة والعودة قاب قوسين وغبار العاديات يملأ طرقات العودة.

ها هي جنين القسام تملأ جرارها بالنور والترتيل والتكبير لتسكبها على أسوارك دفئا يذيب الصقيع الذي تمادى.

ها هي السنابل التي أثقلها التنسيق الأمني والخيانة، ها هي تنثر قمحها دما يعيد للأرض صوتها الحر فيخرج العدو صاغرا ويركع الاحتلال بكامل عدته وعتاده.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان