رغم وجعها.. القدس تستقبل رمضان بحلة من نور
رغم كل الألم الذي مرت وتمر به مدينة القدس يصر المقدسيون على استقبال شهر رمضان هذا العام كما في الأعوام السابقة، فاكتست البلدة القديمة من القدس حلتها الرمضانية التي تضفي جمالا وبهاء ورونقا على زقاق المدينة وحواريها.
وتأخذ اللجان الشبابية في أحياء البلدة القديمة على عاتقها مسؤولية تزيين وإضاءة الأزقة المؤدية للمسجد الأقصى المبارك، محاولة ترجمة أفكار جديدة بما يتماشى مع الأجواء الروحانية التي تسود المدينة المحتلة والمسجد الأقصى.
ماهر الترياقي واحد من عشرات من الشبان المسؤولين عن تزيين حارات القدس، ويؤمن بأهمية العمل التطوعي والتعاون بين أبناء البلدة القديمة الذين يشاركون بأفكار إبداعية حين يُلبسون مدينتهم ثوبها الجديد كل عام.
ترحيب وتجديد
ويوضح أنه تم تزيين الطرق المؤدية للأقصى بكرات زجاجية مضيئة تحمل أسماء المحافظات الفلسطينية، ووضعت بشكل عمودي بحيث ترافق المصلين بدءا من طريق باب حطة حتى وصولهم للمسجد الأقصى.
وذكر الترياقي أن هذه الكرات أُحيطت بفوانيس ولافتات كُتب عليها "أهلا بضيوف الرحمن" و"صلوا على النبي"، وكانت تلك إحدى الأفكار التي طرحها أطفال شغوفون بانتظار الشهر الفضيل.
لا يتمكن المارة من طريق الواد من صرف نظرهم عن حانوت المقدسي عصام الزغيّر الذي ازدان بالفوانيس النحاسية على مختلف أحجامها، وقال للجزيرة نت إنه يبدأ باستيرادها من مصر قبل حلول رمضان بشهرين.
وللرجل المقدسي حكاية طفولة مع الفوانيس كبرت معه، وهنا يستذكر أن الأطفال في القدس كانوا يصنعونها بأيديهم مستعينين بمعلبات المواد الغذائية التي كانوا يحفرونها ويضعوا أسفلها شمعة.
وأضاف "لم تكن الإنارة تتوفر في المسجد الأقصى قديما، وكان الناس يحملون معهم قناديلهم ويعلقونها على الأشجار في الساحات لتأدية صلاة العشاء والتراويح على إضاءتها الخافتة".
لا تقتصر الطقوس الرمضانية في القدس على المحلات التجارية وتزيين الأزقة، بل تمتد لمنازل القدس العتيقة، التي يعيش ساكنوها أجواء روحانية فريدة من نوعها لقربهم من المسجد الأقصى المبارك.
وتقول المقدسية لمياء سالم إن أطفالها يطالبونها قبيل رمضان من كل عام بشراء ملابس جديدة لهم ليتوجهوا بها لأداء الصلاة بالأقصى، بالإضافة لمطالبتها بطهو أكلات معينة خلال هذا الشهر.
وتطرقت سالم لتجمع النساء المقدسيات لتحضير المخللات التي يعتبر وجودها على سفرة رمضان شيئا أساسيا، إلى جانبها العصائر الرمضانية كالسوس والخروب والتمر الهندي التي لا يكاد منزل في المدينة يخلو منها خلال الشهر الفضيل.
وأضافت أن أكثر ما يميز هذا الشهر هو قدوم الأقارب والأصدقاء من الضفة الغربية إلى القدس، مما يتيح الفرصة للاجتماع معهم على موائد رمضان ومرافقتهم لأداء صلاة العشاء والتراويح في المسجد الأقصى.
وببراءة الطفولة قال كرم وشقيقه مصعب عبيد إن أكثر ما يسعدهما في شهر رمضان هو مراقبة انطلاق المدفع وسماع صوته إيذانا بحلول موعد الإفطار، بالإضافة لتوقف اقتحامات المستوطنين للأقصى خلاله.
الماضي والحاضر
عن شهر رمضان بين الماضي والحاضر، يقول المسن المقدسي عاشور جويلس "الله يرحم أيام زمان كانت حياة الناس بسيطة بلا هموم بخلاف الحال اليوم".
ويشكو عاشور جوليس من كثرة الهموم الأمنية والسياسية والاقتصادية، لكنه يبدي ارتياحه لاستمرار عادة العزائم (الولائم) الرمضانية حيث تجتمع العائلة عند الإفطار.
وخلافا لسنوات سابقة، يحل شهر رمضان هذا العام على القدس المحتلة وسط إجراءات أمنية مشددة اتبعتها شرطة الاحتلال في المدينة منذ اندلاع الهبة الشعبية الأخيرة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث كثفت من وجودها العسكري على كافة مداخل البلدة القديمة المؤدية للأحياء السكنية وللمسجد الأقصى المبارك، ويأمل المقدسيون أن يتمتعوا هذا الشهر بالأمان الذي افتقدوه في مدينة السلام.