"ألاقي زيك فين يا علي".. تخليد الشهيد بالمسرح

تحكي مسرحية "ألاقي زيك فين يا علي" قصة الفدائي الفلسطيني علي طه، الذي استشهد عام 1972 في مطار اللد، إثر عملية خطف طائرة "سابينا" البلجيكية، رحلة رقم 571، وانتهت باستشهاده ورفيقه عبد الرؤوف الأطرش، واعتقال تيريز هلسة وريما عيسى اللتين شاركتا بالعملية.
تصعد رائدة طه، ابنة الشهيد علي، على خشبة المسرح بثوب أزرق غامق، تحيط عنقها قلادة بإطار ذهبي تتوسطه صورة والدها، فتقدم "مونودراما" ملحمية، تحكي سيرة العائلة بأسلوب روائي مطعّم بالسخرية، فتارة تمتلئ عيونها بالدموع وتكتسي نبرة صوتها الحزن والغضب، وأخرى تنفلت ضاحكة وتهزأ من واقع لم تختره عندما رحل والدها وتركها في عمر سبع سنوات.
في عملها المسرحي السادس كفنانة مسرحية هاوية، عرّفت رائدة طه في ستين دقيقة الجمهور المقدسي الذي غصت به قاعة المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) في القدس، كيف تعيش عائلة شهيد خلف وراءه أربع إناث وزوجة مكلومة في مخيم برج البراجنة، يواجهن مصاعب الحياة ويقابلن المتسلقين والانتهازيين إلى جانب الأصحاب الأوفياء، ولم تنس الإحاطة الأبوية التي غمرها بها الرئيس الراحل ياسر عرفات.
"سهيلة" تقابل "كيسنجر"
تتقمص رائدة شخصية والدها "أبو نضال" بوفاء حقيقي لابنة لم تهنأ بحنان والدها، كأنه هو الذي يقف على المسرح ليسرد روايته، لكنها فعليا ما زالت تبحث عنه ولم تجده إلا في شخصيتها، وهو الجواب على سؤال مسرحيتها "ألاقي زيك فين يا علي".

اعتمدت "رائدة" على ذاكرتها في كتابتها لنصها الملحمي، وذاكرة والدتها "فتحية" والعمة "سهيلة" التي شكلت عصب المسرحية بعد أن احتجز الاحتلال جثمان شقيقها في جليد ثلاجاته لمدة عامين، فكابدت عنجهية الاحتلال طوال هذه الفترة، حتى تمكنت في أحد الأيام من مقابلة "هنري كسينجر" أبرز وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية.
قابلت "سهيلة" الوزير في فندق "ماميلا" في القدس المحتلة بعد أن كسرت أبجديات العرف الدبلوماسي، وأعطته رسالة طلبت من أحدهم كتابتها بالإنجليزية، وجاء الرد في اليوم نفسه، بأنها ستعيد جثمان شقيقها إلى دفء الأرض، لكن الاحتلال ينغص كل شيء، فأجبرها على دفنه في مدينة الخليل بدلاً من القدس.
تمثل "سهيلة" و"فتحية" ورائدة من بعدهما، دور المرأة الفلسطينية التي تحكي الرواية وتنقلها من جيل إلى جيل، تقول رائدة "عشت في ظل نساء عظيمات، جنديات مجهولات دون شعارات رنانة، واجهنا الحياة بكل تفاصيلها معا وببساطة".
عرض مسرحية "ألاقي زيك فين يا علي" في القدس هو الرابع ضمن جولة عروض المسرحية في فلسطين، وتشمل بيت لحم، والخليل، ورام الله، وبيرزيت، وحيفا ، وفي القدس المدينة التي قدم روحه فداءً لها، "هو استشهد من أجلها، خطفت قلبه وحياته، عندما خرج منها لم يستطع التحمل، ليستشهد من أجل الحياة".

رسالة ونقد
في عرض القدس التقت "رائدة" عمتها "سهيلة"، وهي اليوم امرأة سبعينية أقعدها المرض، حضنا بعضهما طويلا بعد العرض الذي استرجعا خلاله مرارة 46 عاما، سنوات لم ينته فيها الاحتلال ولم يتوقف نهر الدم.
نضال "سهيلة" لاسترجاع جثمان شقيقها كان دافعاً لأهالي الشهداء الذين احتجزت جثامينهم في ثلاجات الاحتلال، هكذا عبر والد الشهيد بهاء عليان الذي كان بين الحضور، هو وباقي الأهالي، أما "رائدة" فوقوفها أمامهم جعلها تفهم الشعور أكثر.
"ألاقي زيك فين يا علي" ليست مسرحية عابرة، بل هي عمل أرادت كاتبته -وشخصيته الرئيسية "رائدة"، ومخرجته لينا أبيض- أن توصل رسائل تشير إلى ضرورة نقل الرواية الفلسطينية وتعميمها لتبقى حية، ونقل قصص الإصرار على استرجاع الحقوق، ولفت النظر إلى الأخطاء التي ترتكب بحق أبناء الشهداء وغياب "الأنسنة" عن قصصهم.