القدس و"يهودية إسرائيل" على أجندة ترمب

السياسة الترامبية والوعود بدولة إسرائيلية يهودية عاصمتها القدس
وضع مدينة القدس في ظل حكم ترمب سيكشفه الفريق الذي سيختاره للعمل معه (الجزيرة)

حتى الرئيس الأميركي باراك أوباما دخل عالم التحليل السياسي في قراءته لما سيكون عليه حال السياسة الأميركية بعد استلام الرئيس المنتخب دونالد ترمب دفة القيادة، فالرجل بعد لقاء جمعهما قبل أيام توصل إلى نتيجة مفادها أن ترمب "ليس أيدولوجيا بل براغماتيا"، وهذا بنظر أوباما سيكون جيدا "إذا أحاط ترمب نفسه بأشخاص جيدين، وعرف بشكل واضح ما يريد".

لكن أول من أحاط ترمب نفسه بهم كان ستيف بانون اليميني المتطرف الذي عينه كبيرا للمستشارين وكبيرا للمخططين الإستراتيجيين في البيت الأبيض، وهو الذي قاده إلى الفوز بإستراتيجيته الدعائية القائمة على الشعبوية التي ميزت خطابات ترمب ومناظراته، بل إنه يوصف بأنه "غوبلز أميركا"، وغوبلز هو وزير الدعاية في عهد زعيم النازية أدولف هتلر.

هذه المخاوف حول براغماتيةٍ تعتبرها أوساط روسية كارثية لأن ترمب لا يمتلك خبرة سياسية، وصل صداها إلى قلب إسرائيل، إذ إن قسما كبيرا من الرأي العام والرأي الرسمي في إسرائيل اعتبر أن فوز ترمب سيكون بمثابة ضربة قاضية لإعلان الدولة الفلسطينية، وأنه سيفرش لهم السجاد الأحمر أمام إعلان دولة إسرائيل اليهودية وعاصمتها القدس.

وهناك من يعتقد في المؤسسة الدينية اليهودية أن ترمب هو "يوشع بن نون" الذي قاد -حسب المعتقدات الصهيونية- اليهود في معركة أدت إلى الانتصار والقضاء على العمالقة أجداد الفلسطينيين، حسب مزاعمهم. وكان واضحا أن ترمب حرص منذ انطلاق حملته الانتخابية على مغازلة إسرائيل وإظهار حبه العارم لها، وقال في أكثر من مناسبة إنه سيعلن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل لا يمكن تقسيمها في حال فوزه بالانتخابات، وسيكون أول من يتخذ قرارا بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

إعلان

كما أعلن الرئيس المنتخب خبر إنجاب ابنته طفلا "يهوديا جميلا" في خطابه أمام منظمة إيباك الصهونية بأميركا. كل ذلك كان قبل فوزه في الانتخابات، ولكنه وفي أول لقاء أجراه بعد الفوز مع "وول ستريت جورنال" قال إنه سيضع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على رأس جدول سياسته الخارجية بعد استلام منصبه في يناير/كانون الثاني القادم لإنجاز "اتفاق نهائي" بين الطرفين"، وأكد أنه سيكون "صانع صفقة" من أجل الإنسانية لوضع حد لهذه الحرب التي لا تنتهي. هذه التصريحات أثارت جنون الصحف الإسرائيلية التي رأت فيها تراجع ترمب عن وعوده السابقة لدولة إسرائيل.

ترمب سيقود أميركا بوصفه اقتصاديا لا سياسيا، وهذا ما دفع الرئيس أوباما لأن يصفه بالبراغماتية ويدعوه إلى إحاطة نفسه برجال جيدين. ولكن ترمب عين شخصية عنصرية كانت تدير موقعا إلكترونيا يؤيد عقيدة تفوق ذوي البشرة البيضاء، ومعاداة السامية، والمناداة بالعنصرية، ليتولى منصب كبير موظفي البيت الأبيض

براغماتية رجل أعمال
من الصعوبة بمكان التكهن بما ستؤول إليه الإستراتيجية التي سينتهجها الرئيس المنتخب دونالد ترمب تجاه "المعضلات والمآزق" التي يعيشها العالم اليوم. ولكن وأمام التناقضات التي تظهر للعلن في سياسة ترمب القادمة، يمكن أن نستخلص أن عالم اليوم سيكون أمام سياسة جديدة يمكن تسميتها "السياسة الترمبية" التي تنتهج "براغماتية مكيافيلي السياسية"، وبراغماتية رجل الأعمال الذي ينجز الصفقات بما يعود عليه بالربح بأي وسيلة كانت.

أي أنه سيقود أميركا بوصفه اقتصاديا لا سياسيا، وهذا ما دفع الرئيس أوباما لأن يصفه بالبراغماتية ويدعوه إلى إحاطة نفسه برجال جيدين. ولكن ترمب عين شخصية عنصرية كانت تدير موقعا إلكترونيا يؤيد عقيدة "تفوق ذوي البشرة البيضاء" ومعاداة السامية والمناداة بالعنصرية، ليتولى منصب كبير موظفي البيت الأبيض.

هذا التوجه -بشكل أو بآخر- يوجه ضربة قوية "للمسيحية الصهيونية" التي كان لها الذراع الطولى في الحزب الجمهوري وسياسة رئيسه السابق جورج بوش الابن وحتى بوش الأب. وطبيعي أن يصطدم رجل أعمال ومقاول مثل ترمب بمؤسسة دينية تقوم على "الوعود الإلهية" في تحديد النهج السياسي الواضح لأميركا، في مقابل نهجه البراغماتي الاقتصادي.

إعلان

هذا يعني أن مواقف الرجل الغائمة قد يحل بعض إشكالياتها الرجال الذين بدأ بإحاطة نفسه بهم، ولعل أبرزهم شخصية عنصرية متطرفة أنعشت آمال "اليمين المتطرف" في أوروبا أكثر مما فعلت لباقي التيارات السياسية التي تتحكم بمفاصل السياسة الدولية اليوم، أي أن عالم "العهد الترمبي" سيكون مختلفا عما كان عليه سابقا.

اليوم، حتى المؤسسة السياسية الأميركية بشقيها الجمهوري والديمقراطي تعيش تخبطا في فهم ما سيؤول إليها العالم، بالقدر ذاته الذي يعيشه ساسة أوروبا وساسة إسرائيل أنفسهم. ولكن على الساسة العرب تحديدا أن يفهموا أن مواقف ترمب تجاه إسرائيل "كحليف قوي" لن تكون على حساب التعاطف مع قضاياهم، ففي أكثر من تصريح يتضح أن هذا الرجل سيعمل على إثارة النزاعات والصراعات في الشرق الأوسط، بما يزيد من تدفق أموال الدول العربية الغنية لتحط في النهاية في الخزانة المالية الأميركية، خاصة أنه أطلق ذات مرة تصريحا هاما قال فيه إنه "سيكون الرئيس الأميركي الأكثر صداقة لدولة إسرائيل". ولا بد من القياس على هذا التصريح في أي تحليل يسعى لفهم مواقف "السياسة الترمبية" التي ستربك العالم ومراكز الأبحاث وقياس الرأي العام، كما فعل فوزه.

المصدر : الجزيرة

إعلان