تراجع النفط والعقوبات يكبحان طموح بوتين
وبينما أسهم ارتفاع إنتاج موسكو من النفط -بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية- في "تلطيف" تأثير تدهور أسعاره على الاقتصاد الروسي، أرجأت الحكومة خططا لتقليص إنتاج النفط هذا العام، ويبدي مديرون تنفيذيون لشركات نفط روسية مخاوفهم من تمديد هذا الإرجاء، خاصة أن عائدات النفط تخول لموسكو تمويل تدخلات بوتين الخارجية، بدلا من استثمارها في التنقيب عن حقول جديدة.
وعن هذا يقول المدير التنفيذي لشركة "لوك أويل" الروسية الحكومية إنهم "سيخفضون النفقات مما يؤدي إلى خفض الإنتاج".
وتشكل عائدات النفط والغاز نصف إيرادات حكومة روسيا الاتحادية، وتشكل الصادرات ثلث الناتج القومي، وتتابع الصحيفة الأميركية أن عائدات الطاقة مركزية في سياسة بوتين الذي دخل في مواجهة مع الغرب على خلفية أزمة جزيرة القرم الأوكرانية في 2014، وتدخله العسكري أواخر سبتمبر/أيلول الماضي في سوريا لدعم نظام الأسد.
وبحسب الصحيفة، فإن هذه العائدات تسمح لبوتين بمنح قروض بفوائد قليلة لزعماء مفضلين لديه، وتمويل "مغامراته العسكرية" في الخارج.
وتوضح الصحيفة أنه بعد ارتفاع إنتاج النفط وصعود أسعاره عام 2000، زاد بوتين الإنفاق الاجتماعي لتحسين حياة الروس، وعزز موقعه كديكتاتور، وحظي وقتذاك بدعم شعبي زاد على 80%.
ووصل إنتاج روسيا من النفط في عهد الاتحاد السوفياتي في 1987 إلى 11.4 مليون برميل مقابل 6.1 ملايين برميل عام 1996.
منافس جدي
وتواجه عائدات الطاقة الروسية تحديا جديدا يتمثل في دخول واشنطن كمنافس جدي لموسكو (ثالث مورد غاز للقارة العجوز) على السوق الأوروبية، إذ من المتوقع وصول أولى شحنات الغاز الأميركي المسال لأوروبا الربيع المقبل، إلا أن المسؤولين الروس يؤكدون أن الغاز الأميركي لا يستطيع المنافسة بسبب غلاء أسعاره.
وأرهقت العقوبات الأميركية والأوروبية التي فرضت على موسكو منذ 18 شهرا القطاع النفطي الروسي، خاصة بعد توقف "الاستثمارات الغربية في اكتشاف حقول نفط جديدة في المحيط الأطلنطي والزيت الصخري في سيبيريا.
إلا أن "وول ستريت" نقلت عن خبراء أن تأثير هذه العقوبات ضعيف على بوتين، ويضيفون أن العقوبات أثرت بشكل سلبي على الحقول الجديدة فقط، وأوضحوا أن العقوبات في 2014 فرضت عندما كانت الأسعار تلامس مئة دولار، وهناك مخاوف عالمية من تراجع الإمدادات.
وتشير الصحيفة إلى أن الصين (لم تفرض عقوبات على روسيا) باعت موسكو المعدات المطلوبة لزيادة إنتاج حقول النفط الموجودة، مما أدى إلى رفع الإنتاج من 10.58 ملايين برميل يوميا في 2014 إلى 10.73 ملايين العام الماضي.
وبينما يتوقع وزير الطاقة الروسية بقاء إنتاج النفط في مستوياته الحالية حتى 2035، تقول وكالة الطاقة الدولية إن ارتفاع إنتاج النفط بروسيا يتوقف هذا العام، ويتراجع عام 2020 إلى 10.5 ملايين برميل يوميا في 2020، ويتدهور إلى تسعة ملايين في 2040.
وتلفت الصحيفة إلى أن شركات النفط الروسية استفادت من ثلاثة عوامل قد تتغير مستقبلا، هي: نظام ضريبي مثالي للصناعة، وكلفة استخراج رخيصة، وانخفاض سعر الروبل.
وشكل النظام الضريبي درعا لشركات النفط تفادت به الأسوأ بعد انهيار أسعار برميل النفط، وتربط الحكومة الضرائب المفروضة على استخراج المعادن وعمليات التصدير بالأسعار، وتراجعت حصة الحكومة العام الماضي من بيع النفط إلا أن الشركات ربحت بعد دفع ضرائب نحو 13 دولارا بالبرميل، وفقا لتقرير صادر عن "سيتي غروب".
وتتجه الحكومة الروسية لتغيير هذا النظام بفرض مزيد من الضرائب على شركات النفط، وقال وزير المالية إن الدولة تستطيع الحصول منها على نحو 3.6 مليارات دولار، ولكن هذه التغيير قد يخفض الاستثمارات، ويؤدي إلى خفض إنتاج النفط، خاصة إذ لم تتعاف أسعار النفط.
مخاوف مستقبلية
وفي موضوع رخص كلفة الإنتاج، فإن بعض الشركات "كروسنفت" متفائلة بزيادة الإنتاج، ويقول الرئيس التنفيذي للشركة إن الأخيرة تحقق أرباحا حتى لو هبط سعر البرميل إلى 15 دولارا، لأن معظم النفط الروسي على الشاطئ ويمكن استخراجه بسهولة.
أما كيف يؤثر انهيار سعر الروبل (وصل إلى 86 روبلا للدولار مقابل 35 قبل التدخل الروسي في شبه جزيرة القرم والعقوبات الغربية على روسيا) إيجابا على إنتاج النفط، فترى الصحيفة الأميركية أن الشركات الروسية تبيع النفط بالدولار وتدفع لموظفيها بالروبل. وأخبرت شركة "لوك أويل" المستثمرين أن كلفة استخراج النفط تراجعت إلى الثلث في أول تسعة أشهر من العام الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من 2014، وهي الفترة الذي خسر فيها الروبل نحو 40% من قيمته.
وقال مهندس في شركة "روس نفت" إننا "كنا في السابق نبيع شحنتي نفط روسية مقابل واحدة غربية، فالآن نستطيع أن نبيع أربعا مقابل الشحنة الغربية".
ورغم كل ما تقدم، تتحدث "وول ستريت" عن مخاوف من تراجع إنتاج هذه الحقول لأن الكميات التي تسحب منها كبيرة جدا، خاصة أن موسكو كانت تعول على الزيت الصخري لخلق خط إنتاج جديد خلال السنوات العشر القادمة، ولهذا وقعت عقودا مع شركات أجنبية للاستفادة من التكنولوجيا المتطورة لديها، لكن العقوبات أوقفت هذه العقود.