سياسات أميركا "المعيبة" في العراق

قال الكاتب ريدر فيزر -في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز- إن الأميركيين سيتركون العراق وهو بلد غير مستقر سياسيا ويتصاعد فيه العنف بشكل مستمر ومهدد بالانزلاق إلى حرب أهلية تشبه تلك التي اندلعت بين عامي 2006 و2007 وقتل فيها الآلاف.
فيزر الكاتب المتخصص بشؤون العراق والباحث في المعهد النرويجي للشؤون الدولية، لام الأميركيين على زرعهم نظام حكم يستند إلى المحاصة الطائفية بدلا من إرساء دعائم حكم وطني وإسلامي معتدل.
السبب الوحيد في عدم قدرة المالكي على منح حصانة للمدربين الأميركيين بعد انسحاب الجيش الأميركي، هو أن إرادته حبيسة ومرهونة لدى الإسلاميين الشيعة المؤيدين لإيران |
وفيما يعترف الكاتب بأن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد أشرف على بناء قوة عسكرية عراقية، إلا أنه عاب عليه ترؤسه لحكومة ناقصة التمثيل بشكل صارخ، وتتكون غالبيتها من إسلاميين شيعة مؤيدين لإيران.
ويستمر الكاتب في توجيه اللوم للسياسة الأميركية في العراق ويقول: "إن تلك السياسة (المحاصة الطائفية) المعيبة كان لها الثقل الأكبر في تكوين العراق الحالي، وهو ثقل أكبر من ثقل القوات التي اجتاحت العراق عام 2003، وأكبر من وقع وثقل فضيحة إساءة معاملة السجناء في سجن أبو غريب عام 2004، وأكبر من ثقل قوات الدعم التي وصلت العراق عام 2007. وتلك السياسة هي المسؤولة عن ترك الولايات المتحدة اليوم للعراق وهو يعاني من عدم الاستقرار.
ويسرد الكاتب في مقاله -التاريخ السياسي للعراق منذ الغزو الأميركي عام 2003- ويقول إن تبني الأميركيين لنظام المحاصة الطائفية، قد وسع من التصنيف الفئوي في الساحة السياسية للعراق، فبعد أن كان الأمر يقتصر على عرب وأكراد، أضافوا إليه البعد المذهبي، الأمر الذي أدى بقسم من العراقيين المعتزين بعروبتهم لأن يشعروا بأنهم غرباء داخل وطنهم.
ويتهم الكاتب واشنطن بالعمى السياسي، ويقول في عام 2009 تجمع الساسة الشيعة المؤيدون لإيران في العاصمة الإيرانية طهران وعلى رأسهم مقتدى الصدر، وبدؤوا بتنظيم صفوفهم سعيا إلى تكتل شيعي نقي يمتص في المستقبل المالكي نفسه، وجعلوا من أولوياتهم الأولى إقصاء المسؤولين السنة في الحكومة.
وبدلا من فهم الصراع الدائر بين "أتباع الصدر الطائفيين" والشيعة المعتدلين المؤمنين بهوية العراق المتنوعة، استمرت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما برمي كامل ثقلها وراء القضايا التي تتعلق بالمثلث العراقي الذي خلقوه هم، أي الشيعي-السني-الكردي، وبهذا فقد عمّقت من التوتر الطائفي بدلا من أن تساعد في تخفيفه.
يترك الأميركيون خلفهم عراقا يائسا ومفككا يشبه ذاك الذي كان عام 2006، وليس العراق المتفائل الذي كان في الصورة في أوائل عام 2009 |
وفي انتخابات عام 2010 بدل المالكي من ثوبه، وتبنى خطا شيعيا ليضمن فوزه بولاية ثانية، ومرة أخرى فشلت الولايات المتحدة في إدراك تحول المالكي.
كما فشل الأميركيون في انتشال المالكي من نهجه الطائفي ليشكل تحالفا ولو صغير الحجم مع قائمة العراقية العلمانية، الأمر الذي كان سيضمن للعراقيين العرب حكومة فعالة ومستقرة، ويترك الأكراد ليتدبروا أمورهم بأنفسهم.
وبدلا من ذلك كله، شكلت في أواخر عام 2010 حكومة عراقية لا تتمتع بشعبية في الأوساط العراقية، ولكنها مدعومة من واشنطن.
ويرى الكاتب أن السبب الوحيد في عدم قدرة المالكي على منح حصانة للمدربين الأميركيين بعد انسحاب الجيش الأميركي، هو أن إرادته حبيسة ومرهونة لدى الإسلاميين الشيعة المؤيدين لإيران والذين يعتمد على دعمهم للبقاء في الحكم، بينما السنة والعلمانيون مهمشون. إن حكومة المالكي الحالية كبيرة جدا ولكن أضعف من أن تنفذ سياسات متماسكة أو تدرأ النفوذ الإيراني عنها.
ويختم الكاتب مقاله بتوجيه لوم آخر للأميركيين بالقول: إن الإصرار على اعتبار المالكي شيعيا وليس عربيا عراقيا، أدى بالمسؤولين الأميركيين إلى تضييع فرص كانت متاحة أمامهم وأضاعوها ولن تعود أبدا. وبفضل سياساتهم المعيبة فإن الأميركيين اليوم، يتركون خلفهم عراقا يائسا ومفككا يشبه ذاك الذي كان عام 2006، وليس العراق المتفائل الذي كان في الصورة في أوائل عام 2009.