صحيفة أميركية: الجزيرة تتألق بتونس

لم يشد شيء انتباه المشاهدين العرب للاضطرابات التي شهدتها تونس مؤخرا مثلما شدته تغطية قناة الجزيرة لهذا الحدث, حتى وصف البعض هذه القناة بأنها الصوت البارز لمعارضة عربية لا تزال في طور التبرعم, وإن كانت حكومات المنطقة تتهمها بالتحيز. هذا ما ورد في تقرير لمراسل صحيفة لوس أنجلوس تايمز في القاهرة.
وهكذا -يقول جيفري فليشمان- تمكن ملايين العرب في المقاهي والمجالس في شتى أنحاء الشرق الأوسط من متابعة تفاصيل الإطاحة بدكتاتور تونس من خلال التقارير المتواصلة لصحفيي قناة الجزيرة الذين حبسوا أنفاسهم وواصلوا ليلهم بنهارهم لتوفير المعلومات عن تونس أولا بأول.
فكما فعلت في حرب العراق وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي, واصلت الجزيرة تغطيتها على مدار الساعة للثورة التونسية في منطقة من الدول الاستبدادية التي نادرا ما تسمح لوسائل إعلامها بأن تظهر مشاهد الاضطرابات, ولذلك مثلت الجزيرة خروجا على هذا الوضع, مما أثار غضب الملوك والرؤساء.
متنفس الثورات
وإذا كان الإنترنت وفر للمثقفين والشباب العرب متنفسا لثوراتهم فإن الجزيرة ظلت منذ سنوات عديدة الخيار الأول للجماهير العربية الباحثة عن نظرة ثاقبة وأكثر عمقا للعالم المحير الذي يعيشون فيه.
وهذا ما عبر عنه المصري أحمد سند وهو في مقهى يتابع برنامج "ما وراء الخبر" إذ يقول "لقد مكنتني الجزيرة حقا من أن أفهم ما يدور في تونس"، مضيفا "لم نكن نعرف الكثير عن السياسة في تونس ولم نكن نهتم بها, لكن في الوقت الحالي الكل يريد أن يعرف المزيد عن تونس, والجزيرة تقوم بعمل رائع لمساعدتنا في تحقيق ذلك".
فالجزيرة بقناتيها الإخباريتين العربية والإنجليزية تستخدم -حسب المحللة السياسية الأردنية رندة حبيب- تغطيتها "لتمرير بعض الرسائل عبر البحث عن جمل تجعل الناس يقارنون ويستخلصون العبر من دروس تونس".
ونبهت رندة إلى أن العصر الحالي وفر الإمكانيات لمشاهدة الثورات حية على الهواء مباشرة. وقالت إن تغطية الجزيرة ظلت في معظم وقتها قوية ومتماسكة، "إلا أن الزعماء العرب يشعرون بالقلق من كونها تؤجج المشاعر وتدفع بالناس إلى الشوارع".
ولا شك أن هذا التأثير يزعج الأنظمة التي غدت غير قادرة بشكل متزايد على صياغة الأحداث في وسائل الإعلام نظرا لسرعة تدفق المعلومات وصعوبة مواكبة الرقابة وقوات الأمن لذلك.
ومن خلال تغطيتها لثورة تونس تكون الجزيرة التي تتلذذ بفضح السياسات الأميركية والإسرائيلية (والكلام للكاتب)، إضافة إلى مؤسسات إعلامية أخرى كبيرة، قد أظهرت استعدادها لفضح المزيد من تجاوزات الحكام العرب.
انزعاج
ويتجلى انزعاج الحكومات العربية من تغطية الجزيرة في حوادث عدة لعل من آخرها إغلاق مكتب القناة في الكويت بعد أن بثت شريط فيديو يظهر ضرب الشرطة لنشطاء سياسيين, إذ اتهمتها الحكومة الكويتية بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
ووصل غضب مصر من الكيفية التي تغطي بها الجزيرة أخبار البلد حد قيام صحيفة الأهرام المملوكة للدولة بنشر قصة عام 2010 زعمت فيها أن عددا من مذيعات الجزيرة تعرضن للتحرش الجنسي واختارت الأهرام لذلك التقرير عنوان "جزيرة التحرش".
وتتهم السلطات في القاهرة وعمان وعواصم أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الجزيرة ببث تقارير منحازة ضد أنظمتهم بينما لا تفعل شيئا يذكر للكشف عن خطايا دول الخليج العربي وخاصة قطر.
وينظر هؤلاء المسؤولون للجزيرة بوصفها أداة لتعزيز الطموحات السياسية لدولة قطر على حساب مراكز النفوذ التقليدية في المنطقة.
ويلاحظ بعض المحللين أن الجزيرة ركزت على الجانب الديني من الملحمة التونسية, خصوصا أن بن علي كان حليفا للولايات المتحدة في قمع ما يسمى "التطرف الإسلامي"، إذ سجن النشطاء السياسيين المعارضين له وأجبرهم على العيش في المنفى كما فعل بزعيم حزب النهضة الإسلامي راشد الغنوشي.
ورغم أن البعض اتهم الجزيرة بالتحيز للإسلاميين في تغطيتها على حساب القوى الأخرى, فإن ثمة من يؤكد أنها كانت متوازنة في عرضها للأحداث.
وهذا ما يراه أستاذ الصحافة والاتصال الجماهيري في الجامعة الأميركية في القاهرة حسين أمين، حين يعلق على تلك التغطية قائلا "لقد أدت عملا ممتازا, وكانت تغطيتها موضوعية شملت وجهات نظر مختلفة".
وخلافا لبعض منافسيها، فإن قناة الجزيرة -التي يقدر عدد مشاهديها بـ50 مليون مشاهد في جميع أنحاء العالم- تفضل سرعة الأداء.
ويرى بسام السبتي في مقال له بموقع ميدل إيست بوست أن الجزيرة "قدمت درسا للأميركيين في الإعلام"، ويضيف "لقد تمكنت من متابعة تغطية الجزيرة للثورة التونسية دقيقة تلو الأخرى من خلال جهاز آي فون".
ويقول إن لدى هذه القناة "تطبيقات آي فون آب التي تمكن من متابعة نشرات الأخبار حية على الهواء، بالإضافة إلى وجودها على فيسبوك وتويتر ومدونات الجزيرة"، وختم بقوله إن الجزيرة "كانت ببساطة في كل مكان ومجانا!"