هل هذا ثمن تراجع النظام العربي؟

تساءل أستاذ العلوم السياسية الأميركي مارك لينش بشأن الاضطرابات والمظاهرات الأخيرة في العالم العربي، وخاصة الأحداث التي تشهدها تونس والهجوم على الكنيسة في مصر وتعرض النواب الكويتيين للضرب والاضطرابات في الأردن، فكتب مقالا نشرته له مجلة فورين بوليس الأميركية جاء فيه:
اندلعت خلال الأسابيع الأخيرة احتجاجات واسعة النطاق في تونس ضد فساد نظام بن علي المزعوم والحكم الفردي والإخفاقات الاقتصادية, كما شُنت هجمات انتحارية رهيبة مروعة على كنيسة مسيحية قبطية في مدينة الإسكندرية في بداية العام الجديد مما تسبب في تصعيد المخاوف والقلق في البلاد بشأن العلاقات المسيحية الإسلامية في مصر.
وبينما حاولت أجهزة الأمن الأردنية خلال الأيام القليلة الأخيرة السيطرة على أعمال الشغب التي اندلعت في مدينة معان في جنوب الأردن، وهي أحدث حلقة من التوجه المقلق والمتزايد نحو العنف والاشتباكات الداخلية, فإن السياسة الكويتية ما زالت تحت تداعيات ما وقع يوم 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي في الكويت حينما هاجمت قوات الأمن أستاذ القانون عبيد الوسيمي وجماعته من الأكاديميين وأعضاء البرلمان. فما الرابط المشترك بين تلك الأحداث جميعها؟
تشد هذه الأحداث الأربعة التي تبدو غير مرتبطة ببعضها بعضا، الأنظار إلى الاضمحلال المتزايد لدور أركان المؤسسات وتمزق واهتراء النسيج الاجتماعي في العديد من الأنظمة العربية المسماة بالمعتدلة والمؤيدة للغرب. ويبدو أن الرابط بين تلك الأحداث الأربعة، رغم الاختلاف الواضح بينها, هو أنها جاءت نتيجة للتشبث بالحكم الفردي وعدم الوفاء بالوعود الاقتصادية وصعود الطائفية على المستوى الشعبي والإحباط العميق المتزايد في أوساط الجيل الصاعد.
" التشبث بالحكم الفردي والسياسات الفاشلة يلعبان دورا في اضمحلال الدور المؤسساتي " |
ضعف الموسسات
وما زالت قوات الأمن في تلك البلدان الأربعة قوية ومتنفذة, وبالطبع ورغم أنه من غير المرجح سقوط أي من تلك الأنظمة قريبا رغم ما يبدو من حماسة زائدة لدى بعض المحللين نحو آفاق التغيير في تونس، وحتى وإن تمكنت تلك الأنظمة الفردية من العض بالنواجذ بقوة على السلطة, فإن هناك شعورا قويا بأن تلك الحوادث من نتاج التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي فشلت مؤسساتهم الضعيفة في التعامل معها.
من المؤكد أن التشبث بالحكم الفردي والسياسات الفاشلة يلعبان دورا في اضمحلال الدور المؤسساتي, وفي ظل إثبات النخبة المتشبثة بالحكم قدرتها على التلاعب بالانتخابات من أجل إحكام قبضتها على الحكم, وعلى ضوء فشل الحركات المعارضة في إيجاد وسائل فعالة لتنظيم تحديات جدية كذلك, فقد أجرت كل من مصر والأردن مؤخرا انتخابات برلمانية تعتبر مخيبة للأمل ومدعاة للإحباط, وهو الأمر الذي دعا إلى مقاطعتها من جانب قطاعات سياسية رئيسية، علاوة على أنها لم تحظ سوى بحماس قليل حتى في أوساط أولئك الذين شاركوا فيها.
وتأتي موجة الاحتجاجات المؤثرة في تونس رغم الغياب شبه الكامل لمؤسسات ديمقراطية ورغم القمع الحكومي الشرس للحريات العامة, وربما كانت الكويت أكثر الدول في منطقة الخليج استمرارا في الاحتفاظ بمؤسسات ديمقراطية, وفي الواقع فإن مساعي برلمانها لتحميل الحكومة مسؤولية الهجوم على أعضائه من شأنها أن تدعم التوجه الإقليمي بدلا من إضعافه للدور الذي تلعبه البرلمانات المنتخبة والمؤسسات السياسية الرسمية.
وحصلت هذه الأحداث في نفس الوقت تقريبا, وعلى الرغم من الاختلافات فيما بينها فإنها بلورت شعورا يزداد منذ أمد طويل بأن هذه الأنظمة فشلت في التعامل بشكل صحيح مع تلك الموجة المتزايدة من الاضطرابات, حيث شدد محللون عرب وأجانب وعديد من النشطاء السياسيين منذ سنوات على الحاجة الملحة والضرورية للإصلاحات في الوقت الذي تتكون فيه مثل تلك المشاكل وتنتشر.
" أدت مظاهر الإحباط في أوساط الشباب إلى اندلاع احتجاجات اجتماعية في تونس وإلى عنف في الأردن ومصر يقرع ناقوس الخطر " |
إحكام القبضة
واعتادت معظم الحكومات العربية على التغني بالحاجة لمثل تلك الإصلاحات, في الوقت الذي كانت تجرد فيه التشكيلات الديمقراطية وبقسوة من أي قدرة لها على تحدي إحكام القبضة على السلطة من جانب الحكومات. فالإصلاحات الاقتصادية بغض النظر عن مدى سحرها على الورق، ساعدت في زيادة عدم المساواة وقوضت الحماية الاجتماعية وساعدت على استفحال الفساد وفشلت في خلق وظائف قريبة في عددها من الأعداد التي تمس الحاجة إليها.
وحاولت الحكومات الغربية من خلال وسائل عديدة المساعدة في الترويج للإصلاح ولكن ليس بالوسائل الديمقراطية، وذلك خشية الإطاحة بالأنظمة الموالية للغرب من السلطة عبر الانتخابات, وهو ما يشكل قمة النفاق في مساعي أميركا للترويج للديمقراطية، وهو الأمر الذي يدركه كل عربي.
ورغم كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما العلني عن الديمقراطية والذي يبدو الهاجس الأكبر للعديد من معارضيه, فإنه لن يساعد في الحقيقة ولن يجدي نفعا.
وسيكون أمرا جيدا إن كانت تلك الحوادث شكلت دعوة لصحوة الأنظمة العربية, ولكن من غير المحتمل أن تكون كذلك. فمن المرجح أن تستمر الرغبة الجامحة لها في التمسك بالسلطة، والوقوف في طريق إجراء الإصلاحات الإستراتيجية اللازمة من أجل استقرار بعيد المدى.
كما سيؤدي تزايد مظاهر الإحباط في أوساط الشباب إلى اندلاع احتجاجات اجتماعية كالتي نراها الآن في تونس, وكذلك إلى اندلاع العنف الاجتماعي الذي شاهدناه في الأردن ومصر ويقرع ناقوس الخطر.