أفريقيا ساحة صراع إيراني إسرائيلي

صورة من صحيفة ( www.economist.com )



تطرقت الإيكونومست في تقرير لها إلى السجال بين كل من إسرائيل وإيران واحتدام المنافسة على النفوذ بينهما في القارة الأفريقية.

وقالت إنه لدى وصولك إلى العاصمة السنغالية دكار يسترعي انتباهك طراز جديد من سيارات الأجرة المستخدمة هناك من صنع إيراني يتم تجميعها في مصنع خوردو في السنغال في إشارة إلى تعاظم النفوذ الإيراني في دول جنوب الصحراء الأفريقية.

 

يعتبر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عراب تعزيز العلاقات الإيرانية الأفريقية, وفي هذا السياق جال الدبلوماسيون الإيرانيون والعسكريون علاوة على الرئيس أنحاء القارة الأفريقية في العام الماضي سعيا لتعزيز الأواصر التجارية والعسكرية والدبلوماسية، وعقد صفقات مع الدول الأفريقية.

 

ليس من الصعب فهم الدافع وراء هذا التوجه, فإيران تسعى لحشد التأييد لبرنامجها النووي في أوساط الحكومات التي ما زال من السهل اجتذابها, وفي أميركا اللاتينية استغل الرئيس نجاد مشاعر العداء لأميركا المتفشية هناك في دول مثل فنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا, أما في أفريقيا حيث هناك علاقات قوية مع الغرب فقد ركزت إيران على تركيز عرى الترابط مع المسلمين هناك بعرضها تزويدها لهم بالنفط والمساعدات.

خذ السنغال مثالا، فرغم أنها دولة فقيرة صغيرة في عدد السكان تبلغ نسبة المسلمين فيها 95%، إلا أنها ذات نفوذ دبلوماسي قوي في مجموعة الدول الفرانكفونية في أفريقيا والأمم المتحدة, ومن هنا سارعت إيران إلى غمرها بمبادرات حسن النوايا, فعلاوة على مصنع خوردو لصناعة السيارات وعدت إيران بصناعة الجرارات، وإقامة مصفاة للبترول ومصانع كيمياوية بالإضافة إلى تزويدها بالنفط بأسعار رخيصة.

استقبل الرئيس السنغالي عبد الله وادي تلك المكارم بامتنان شديد وقام بأربع زيارات رسمية لإيران، وأعرب أثناء استقباله الرئيس نجاد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي علنا عن تأييده حق إيران في الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية، علما أن الرئيس نجاد زار غامبيا تلك الدولة ذات النظام الاستبدادي، وكذلك سعت إيران إلى تعزيز نفوذها داخل موريتانيا ونيجيريا في غرب أفريقيا.

 

أما في شرق أفريقيا, فقد مدت إيران يد العون إلى السودان ووقع الطرفان اتفاقا للتعاون العسكري في العام 2008، ناهيك عن محاولة إيران استمالة بعض الدول الأقل احتمالا للتحالف مع إيران، حيث زار الرئيس نجاد كينيا ذات الغالبية المسيحية، ووقع صفقة لبيع كينيا أربعة ملايين برميل من النفط الخام سنويا، وتسيير رحلات جوية مباشرة بين طهران ونيروبي، فضلا عن أن إيران تقيم مراكز ثقافية حيث توجد لها سفارات، ناهيك عن محاولة استمالة أوغندا التي اكتشف فيها النفط مؤخرا، وأعلن رئيسها يوري موسيفيني أثناء زيارته مؤخرا طهران أنه يفكر في تكليف إيران ببناء مصفاة لتكرير النفط ومد خط أنابيب النفط.

وكذلك تم التودد إلى الرئيس الزمبابوي روبرت موغابي, أما جنوب أفريقيا التي تشارك إيران دعم الفلسطينيين ضد إسرائيل، فقد تعززت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إيران عن طريق تزويدها بالنفط الإيراني منذ سنين عديدة، علاوة على قيام العديد من الشركات الجنوب أفريقية باستثمارات ضخمة في إيران, وفي هذا السياق امتنعت جنوب أفريقيا عن التصويت لصالح قرار في الأمم المتحدة يدين انتهاك إيران لحقوق الإنسان هناك، ناهيك عن رفضها فرض المزيد من العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.

 

عقبات أمام إيران

لكن المساعدات الإيرانية لأفريقيا ما زالت متواضعة قياسا إلى المساعدات الأميركية والأوروبية ناهيك عن الصين مع العلم أنه من غير المرجح أن تضحي السنغال بعلاقاتها مع الغرب عن طريق تعزيز علاقاتها مع إيران التي لم تقترن أقوالها بالأفعال في بعض الحالات, فالرحلات الجوية المباشرة بين كينيا وطهران لم تبدأ بعد، أما مصنع خوردو لإنتاج سيارات الأجرة فهو يعمل بنصف طاقته الموعودة وربما كان من الصعب على إيران الشيعية ممارسة نفوذ قوي داخل أفريقيا ذات الغالبية الإسلامية السنية.

 

إسرائيل ونفوذها

يعتبر الوضع أكثر حرجا بالنسبة لإسرائيل حيث تتناقص الروابط السياسية مع الدول الأفريقية بسبب التدخل الإيراني هناك, فعلى سبيل المثال أقدمت موريتانيا على إعلام إسرائيل بإغلاق سفارتها في نواكشوط بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي لها، كما أعلنت إيران أنها ستقوم باستكمال بناء المستشفى الذي تشيده إسرائيل في نواكشوط، ووعدت بإرسال أطباء أكثر مما وعدت به إسرائيل, وينسحب الحال على السنغال حينما عرضت إسرائيل على سكان المدينة الصوفية (طوبى) بناء نظام لتزويدها بالماء ونظام الصرف الصحي، ولكن المفاوضات انهارت فجأة بعدما وعدت إيران بالقيام بنفس المشروع وزيادة في المنح المقدمة للبلدة ناهيك عن تزويدها بمضخات الماء.

 

تقوم الجالية الثرية اللبنانية ذات النفوذ في المهجر بدور لها في هذه اللعبة عن طريق قيام أفرادها في كل من الكونغو وغينيا والسنغال بجمع الأموال من أبناء الطائفة الشيعية لمساعدة امتداد النفوذ الإيراني.

 

ردا على ذلك تحاول إسرائيل استعادة نفوذها الذي كان قائما في الخمسينات والستينات في أفريقيا، ولكن العلاقات الدبلوماسية قطعت مع غالبية تلك الدول بعد حربي 1967 و1973 وبعد الانتفاضة الفلسطينية في الثمانينات، وفي هذا السياق قام وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأول زيارة لوزير خارجية إسرائيلي إلى أفريقيا منذ عقود، شملت إثيوبيا وغانا وكينيا ونيجيريا وأوغندا، وكان الهدف الرئيسي منها مواجهة النفوذ الإيراني في القارة.

 

ما زال العديد من الدول الأفريقية بحاجة إلى الخبرة الإسرائيلية في مشاريع الري، ناهيك عن التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية مثل إثيوبيا التي تحارب متمردين إسلاميين، وأصبحت أكبر مشتر للمعدات العسكرية الإسرائيلية وأوثق حلفاء إسرائيل في أفريقيا, وكذلك كينيا التي تشعر بالقلق من المقاتلين الإسلاميين في الصومال المجاورة, أما نيجيريا فقد ابتاعت أسلحة إسرائيلية بمبلغ خمسمائة مليون دولار، خاصة الطائرات بدون طيار خلال السنوات القليلة الماضية.

 

وتمضي الإيكونومست بأن من المحتمل أن يكرر ليبرمان زيارته لأفريقيا هذا العام خشية من رغبة إيران في تعزيز علاقاتها مع كل من السودان وإريتريا، مما قد يشكل تهديدا للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، والخشية من تهريب الأسلحة إلى حركة حماس الفلسطينية، حيث قامت إسرائيل في العام الماضي بقصف وتدمير قافلة في شرق السودان قيل إنها كانت تحمل أسلحة إيرانية إلى حماس.

المصدر : إيكونوميست

إعلان