بان يدق ناقوس خطر انهيار عالمي شامل

كتب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون مقالا في صحيفة غارديان البريطانية أعرب فيه عن تخوفه من تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية على كل بلدان العالم, مشيرا إلى أن أخشى ما يخشاه هو انفجار مدو لأزمة سياسية شاملة تغذيها القلاقل الاجتماعية وضعف الحكومات وغياب ثقة الجماهير في قادتهم ومستقبلهم.
وتكمن أهمية قمة العشرين التي تعقد اليوم في لندن في كونها مفصلية بالنسبة للعالم أجمع إذ هي التي ينصب عليها الأمل في بعث التفاؤل لدى الناس بدل القنوط وتحفيز الإنعاش الاقتصادي بدل تعميق الركود, حسب رؤية مون.
" الدول الفقيرة التي لم يكن لها دور في صناعة الأزمة الحالية تواجه خطر المعاناة أكثر من غيرها بسبب تداعيات هذه الأزمة " |
ويستطرد الأمين العام للأمم المتحدة مبينا أن تحول الأزمة من مالية إلى اقتصادية عالمية جعل الكل يدرك بشاعة التغير السريع, مشيرا إلى أن الركود مؤذ للجميع لكنه أكثر إيذاء للفقراء الذين يمثلون غالبية سكان العالم ولا يملكون بيوتا حتى يفقدوها ولا مدخرات حتى يخسروها، والذين ينفقون في بعض البلدان أكثر من 80% من دخلهم على الغذاء وغالبا ما يفتقرون إلى أساسيات الرعاية الصحية والماء والصرف الصحي.
وهذا يستدعي العمل سوية من أجل الوقف الفوري للانزلاق الاقتصادي الحالي, فالتنمية الاجتماعية والاقتصادية تنجز في أوقات الرخاء بخطى متثاقلة أما عندما تتداعى في أوقات الشدة فإن ذلك يكون بسرعة مفزعة.
وليس ثمة فاصل كبير بين الجوع والمجاعة ولا بين المرض والموت ولا بين السلام والاستقرار وبين الصراعات والحروب التي تمتد عبر حدود الدول لتؤثر علينا جميعا مهما بعدنا أو قربنا, مما يعني أننا إن لم نتمكن من بناء نظام يستطيع انتشال العالم أجمع من هذا الركود فإننا نواجه شبح كارثة تنموية بشرية, على حد تعبيره.
وينبه مون إلى أن هذا ما سيقوله لزعماء العالم في قمة العشرين، ولذلك سيضغط من أجل عمل مشترك عاجل وملح يؤمن تعزيز التنمية على المستوى الدولي، مما يجعل الناس يستمسكون بثقتهم في مستقبلهم.
ويحث على أن علينا أن نعترف بتداخل مصالحنا وبأنه لا يمكن لأي بلد أن يحلم بتحقيق الأمن الاقتصادي ما لم يأخذ في عين الاعتبار رفاهية الآخرين, مما يعني أن ما نحتاجه هو خطة تحفيز اقتصادية حقيقية وشاملة, وهذه تتطلب ما بين الوقت الحاضر ونهاية العام القادم ما لا يقل عن تريليون دولار، لتتوفر السيولة، كما تتطلب توفير موارد على المدى الطويل من أجل الاستثمار الإنتاجي وبناء شبكة أمان للدول الأكثر فقرا والأكثر هشاشة.
ويرجح الكاتب أن تتخذ قمة العشرين خطوات تضمن توفير السيولة للبلدان النامية عبر صندوق النقد الدولي, وهو ما يراه مهما لأن هذه البلدان تعيش أزمة ائتمان دمرت تجارتها وخفضت وتيرة نموها, كما ينتظر أن يوافق الزعماء كذلك على تعزيز فرص الاقتراض عبر البنك الدولي والبنوك الأخرى, الأمر الذي يرى أنه مهم في ظل تقلص التمويل الخاص لمشاريع البنى التحتية بشكل حاد.

ويشير إلى أن الدول الفقيرة وإن لم يكن لها دور في صناعة الأزمة الحالية فإنها تواجه خطر المعاناة أكثر من غيرها بسبب تداعيات هذه الأزمة, داعيا الدول التي تعهدت بزيادة مساعداتها في مؤتمر غلينإيغلز عام 2005 أن تعيد تأكيد التزامها بذلك وتزيد مخصصاتها للدول الفقيرة.
ويشدد مون على أن الجميع مطالبون بمقاومة الضغوط التي تنم عن قصر النظر والتي قد تقوض أو ربما حتى "تدمر التقدم الذي نحققه في لندن", وهو ما يعني حسب رأيه قول: "لا للحمائية".
ويذكر الأمين العام زعماء العشرين بتعهدهم الصريح في اجتماعهم الأخير بواشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 بعدم وضع قيود جديدة على التجارة, قائلا "منذ ذلك الحين نكث 17 منهم في ذلك التعهد, وعلينا أن نقلب ذلك".
فقمة لندن, حسب رأيه, فرصة للدول الأقوى للتصرف سوية وإظهار التضامن مع جيرانهم الأقل حظا على كوكبنا الصغير الذي ما انفك يزداد هشاشة, فنحن نشهد عبر العالم تسريحا بالجملة للعمال كما أن عددا كبيرا من الذين سيفقدون وظائفهم هم شباب جائعون وكثير منهم كان يعمل في بلدان أجنبية ويحول الأموال لذويه لشراء الغذاء والدواء ودفع الرسوم الدراسية.
ويشير إلى أن هذه الحوالات تمثل نِسبا كبيرة من الدخل القومي لبعض البلدان "وانهيارها هو في الواقع تدمير لصمامات أمان اجتماعية بالغة الخطورة".
ويختم مون بالتقليل من شأن المبلغ الذي يطالب المجتمعين بتوفيره قائلا "لا يعد تريليون دولار مبلغا كبيرا إذا ما أخذنا في الاعتبار العواقب المترتبة على عدم توفيره, وقد يسمي البعض ذلك التزاما أخلاقيا ملحا, لكن إذا كان هدفنا هو التغلب على الركود العالمي فإن توفير مثل هذا المبلغ هو سياسة اقتصادية مضمونة النتيجة"، على حد قوله.