الحركة المغربية لحقوق الإنسان.. بين الإجماع والالتزام

كامبردج بوك ريفيوز
يعتبر هذا الكتاب من أبرز الدراسات الميدانية الاجتماعية – السياسية التي نشرت في فرنسا حول حركة حقوق الإنسان في المغرب, وهو من تأليف الباحثة الفرنسية مارغوريت روليند، المكلفة ببرامج البحوث في معهد أوروبا – المغرب بجامعة باريس 8- سان دوني.

ويقع الكتاب في 506 صفحات منها حوالي 100 صفحة ملاحق خصصت لنصوص الحوارات التي أجرتها مع نشطاء (حاليين وسابقين) في مجال حقوق الإنسان في المغرب.. وقد أقامت هذه الباحثة في المغرب بين 1978 و1981 مما سمح لها بمعايشة أحداث 1981.

 

 


undefined-اسم الكتاب: الحركة المغربية لحقوق الإنسان: بين الإجماع الوطني والالتزام المواطني
المؤلف: مارغوريت روليند
-عدد الصفحات: 506
-الطبعة: الأولى 2002
الناشر: كارتالا/معهد أوروبا-المغرب، باريس

 

الحركة والأحزاب والملك
ايرصد هذا الكتاب تطور حركة حقوق الإنسان في المغرب منذ عهد المحمية الفرنسية حتى تعيين حكومة التناوب (الأولى من نوعها في تاريخ البلاد) في مارس 1998. وقد حاولت الكاتبة دراسة دينامية التفاعل المستمر بين مفهومين؛ القومية (المغربية) وفكرة حقوق الإنسان.. وتعطي دراستها صورة كاملة عن الحركة الجمعوية المغربية والعلاقة بينها وبين السلطة الملكية والمؤسسة الحزبية.

 

بدأت حديثها بأول الاهتمامات بحقوق الإنسان في المغرب قائلة إن أول قمع يشير إليه المؤسسون الأوائل لحركة حقوق الإنسان في المغرب هو قمع المحمية الفرنسية التي أوجدت نظامين متوازيين على مستوى المؤسسات والحريات العامة والتعليم مفرقة بين "الأهالي" المحرومين من كل شيء والأجانب الذين لهم كل شيء.

 


خلال الستينيات والسبعينات تميزت الحياة السياسية في المغرب بالصراع بين العرش والمعارضة حول ملفات عديدة، كحرية العمل السياسي، والمعتقلين السياسيين، ومحاكمة اليساريين، والمفقودين حيث ناضلت بعض أحزاب المعارضة في سبيل الإفراج عن هؤلاء

اكتشاف مبكر
وقد اكتشف المغربيون أفكار حقوق الإنسان وتبنوها بفضل الأفكار التي كان يحملها النشطاء الكاثوليك واليساريون والعلمانيون إبان المحمية وكذلك باحتكاكهم بالتيارات الإصلاحية العربية التي كانت في القاهرة ودمشق.. وكان لهذه الأخيرة أثراً في نصوص الوطنيين المغربيين لا سيما "خطة الإصلاح" أو "البيان" لحزب الاستقلال.

إعلان

وتقول الباحثة إن النضال من أجل الاستقلال حمل في طياته النضال من أجل حقوق الإنسان وإن كانت هذه الأخيرة لم تأخذ شكلاً واضحاً.. وأشارت إلى سياسة فرق تسد للاستعمار الفرنسي الذي ميز بين البربر والعرب عبر الظهير البربري (مايو 1930) جاعلاً المناطق البربرية تحت سلطة الإدارة الاستعمارية قانونياً فيما تبقى المناطق العربية خاضعة للسلطان.. كانت هذه السياسة مبنية على أساس أن البربر ليسوا مسلمين حقاً وعليه يمكن تمسيحهم.. وقد أثار هذا الظهير موجة احتجاج واسعة في المغرب.

ثم تتحدث المؤلفة عن النضال المغربي من أجل الاستقلال وكيف امتزج بالمطالبة باحترام حقوق الإنسان.. لتنتقل بعد ذلك إلى مرحلة الاستقلال وكيف تكون الإجماع الوطني حول الملك وكيف جعله حزب الاستقلال رمزاً للنضال من أجل الاستقلال.

وتقول إن الملكية أخذت بعداً دينياً إسلامياً واضحاً.. فالملك "أمير المؤمنين" وأصبحت أطروحة المغرب التاريخي ووحدته الترابية مقدسة. وهكذا تشكلت المبادئ الثلاث المقدسة المؤسسة للملكية المغربية؛ الله، الملك والوطن، وسيرى البعض أن هذا التقديس يشكل عقبة فيما بعد أمام إنفتاح الحقل السياسي في المغرب.

لكن سرعان ما ظهرت محاولات لكسر المحرمات الملكية ("الله، الملك، الوطن") حيث حدث انشقاق في حزب الاستقلال (المتحالف مع العرش) وأنشأ جناحه الراديكالي بقيادة مهدي بن بركة وعبد الرحمن بوعبيد في سبتمبر 1959 حزب "الاتحاد الوطني للقوى الشعبية"، وطالب مؤسسوه بالعمل من أجل "إقامة ديمقراطية حقيقة تضمن لكل المواطنين المشاركة في تسيير الشؤون السياسية على المستوى الوطني والمحلي وفي إطار ملكية دستورية تحت راية محمد الخامس. وسرعان ما دخل هذا الحزب في صراع مع السلطة وأقبلت الحكومة على حجز جريدته "التحرير" لعدة مرات.

وتضيف الكاتبة أن الضغط على المعارضين في مطلع الستينيات دفع ببعضهم مثل من بركة لاختيار المنفى فيما اعتقل الفقيه البصري وعبد الرحمن اليوسفي ليفرج عنهما بسرعة. أما الحزب الشيوعي المغربي فكان محظوراً.

إعلان

 


لما أحست الدولة المغربية بوطأة الشعارات الحقوقية عملت على الاستحواذ على خطاب حقوق الإنسان لتحويله لصالحها

صراع العرش والمعارضة
تتوقف المؤلفة مطولاً عند الصراع بين العرش والمعارضة, وأوضحت كيف أدى الصراع السياسي بين العرش والمعارضة تدريجياً إلى التشكيك ثم العمل على إعادة النظر في المبادئ التأسيسية للملكية :"الله، الملك، الوطن".

ودخلت المعارضة في صراع طويل مع العرش فكان مصير أقطابها إما المنفى وإما الاعتقال.. ورغم تنظيم الانتخابات البرلمانية في ربيع 1963 (والتي فاز بها حزب الاستقلال بثلث المقاعد)، أنشأت آلة أمنية بقيادة محمد أوفقير مدير الأمن الوطني، هذه الآلة سرعان ما استهدفت أحزاب المعارضة والطلبة والنقابين وبدأت مصالح الأمن المختلفة تعمل بطريقة غير قانونية.

وتقول الكاتبة إنه خلال الستينيات والسبعينات تميزت الحياة السياسية في المغرب بالصراع بين العرش والمعارضة حول ملفات عديدة؛ كحرية العمل السياسي، والمعتقلين السياسيين، ومحاكمة اليساريين، والمفقودين حيث ناضلت بعض أحزاب المعارضة في سبيل الإفراج عن هؤلاء.

 

وتقول المؤلفة إن سنة 1970 تشكل نقطة تحول في نشاط المعارضة المغربية لأنها تبنت ولأول مرة وبصفة علنية وواضحة مفهوماً جديداً لحقوق الإنسان فدخل القاموس السياسي للأحزاب.. إذ نادت أحزاب "الكتلة الوطنية" (الاتحاد الوطني للقوى الشعبية، حزب الاستقلال – الذي دخل في المعارضة منذ 1963 – والحزب الشيوعي المغربي)، والتي تشكلت في يوليو 1970، في ميثاقها بـ "النضال من أجل احترام حقوق الإنسان".. كما حددت النضال من أجل "الحريات الأساسية، خاصة حرية الانتماء السياسي، وحرية الاجتماع، وحرية الصحافة كأولوية. وتضيف أن "ميثاق الكتلة يشكل مرحلة هامة في الاعتراف بفكرة حقوق الإنسان في الحقل السياسي المغربي في انتظار وضع بنى مكلفة بالدفاع عنها". وترى أن تفسير هذا التطور يكمن في أن الموقعين على هذا البيان هم أول المعنيين بهذا المطلب خاصة وأنهم محرومون من كل الحقوق. كما أن الإشارة إلى حقوق الإنسان كانت أيضاً رد فعل المعارضة على السياسة الحكومية. وتلاحظ أن للعامل الخارجي دوره في هذا التطور، فبحضورها محاكمة بعض المعارضين المغربيين واتصالاتها المستمرة مع مسؤولين سياسيين في المعارضة مثل اليوسفي، وبوعبيد، مارست المنظمات الدولية بعض النفوذ.

 


أخذت بعداً كبيراً حركة حقوق الإنسان في المغرب في التسعينيات وتتميز بالحضور المتنامي والقوي لجيل ما بعد الاستقلال المتعلم

وفي رأي الكاتبة فإن ميلاد جمعيات حقوق الإنسان كان أساساً نتيجة لمواصلة الشعور بالضغط وتقزيم الأحزاب السياسية والحركة الطلابية لا سيما اليسارية فيما زج بمدبري الانقلاب العسكري في سجن تازمامرت، إذ أن إنشاء الرابطة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يظهر كردود فعل ضد العنف والضغط.. وبما أنهما أنشئتا بمبادرة أو إيعاز من الأحزاب السياسية فهي تعكس مواقفها طارحة مسألة حقوق الإنسان بالطريقة وفقاً لتصور هذه التيارات السياسية لها.

وتقول إن القضايا الجدلية المحورية لهذه الجمعيات هي : حقوق المرأة، ومكانة الدين في مواجهة أصولية الدولة والسلفية والتيارات الإسلامية التي بدأت في الظهور (والتي تدخل في تنافس مع اليسار الراديكالي حول التحكم في الشباب) وأخيراً "القضية الوطنية" أي الصحراء الغربية.. هذه الأخيرة مختلف عليها بين الأحزاب الشرعية والسرية وتثير اختلافات بين جمعيات حقوق الإنسان.. وتلاحظ المؤلفة أن قضية المعتقلين السياسيين استقطبت عمل النشطاء في مجال حقوق الإنسان مما ترك أثراً على تطور حقوق الإنسان في المغرب إذ أن العديد من قيادي هذه الجمعيات هم من المعتقلين السابقين.

تلاحظ المؤلفة أن النواة الأولى لجمعيات حقوق الإنسان تشكلت بفضل أحزاب وصحف سرية مثل جريدة "إلى الأمام" (التي انفردت برفضها دعم الموقف الملكي في خصوص الصحراء الغربية باسم الكفاح ضد الإمبريالية) التي ظهرت عام 1972 و"23 مارس" (التي اختلف أصحابها بشأن الصحراء الغربية) التي أنشأت في 1973 بعد خلاف بين مؤسسي "إلى الإمام".

وكان المغرب يعيش آنذاك تنامي التيار الإسلامي (لاسيما جمعية الدعوة والإصلاح) الذي دخل في صراع مع أصولية الدولة وسلفية حزب الاستقلال والتيار اليساري والعلماني لا سميا في الجامعات.. وقادت المواجهات المتواصلة بين الإسلاميين واليساريين إلى اغتيال عمر بن جلون القيادي في الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية في ديسمبر 1975.. وقد شهدت السبعينيات تنامي تيار إسلامي دخل في صراع مع السلطة خلال العقد الموالي بزعامة عبد السلام ياسين وتوج باعتقاله.

إعلان

وفي مطلع الثمانينيات عرف المغرب أزمة اقتصادية وارتفاعاً في مديونيته فكان أن تدخل صندوق النقد الدولي الذي فرض عليه شروطاً قاسية مست الشعب المغربي ففجر ذلك اضطرابات في البلاد لا سيما في مايو 1981 عقب رفع أسعار المواد الغذائية الضرورية.. ثم قامت السلطة بإنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ودعم إنشاء الجمعيات المحلية.. أما جمعيات حقوق الإنسان فدخلت في الثمانينيات في مرحلة أزمة لا سيما بالنسبة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان التابعة للحزب الاشتراكي والتي عرفت حالة شبه غيبوبة بين 1983 و1988 بسبب نزاعات داخل قيادتها والضغط السلطوي الذي منعها من تنظيم مؤتمرها واعتقال العديد من أعضائها في 1984 مما أخفت أصوات مسانديها لمدة من الزمن.. فعزف عنها هذا الحزب وأنشأ في نهاية الأمر المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في 1988 والتي لقيت ترحيباً من بعض المثقفين الذين عابوا على الجمعية الأولى تسيسها.

لكن لما أحست السلطة المغربية بوطأة الشعارات الحقوقية عملت على الاستحواذ على خطاب حقوق الإنسان لتحويله لصالحها.. وتتحدث الكاتبة عن تطور الوضع الداخلي خاصة سعي الملك الاستحواذ على ملف حقوق الإنسان من خلال المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وانفتاحه النسبي على المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال مثل منظمة العفو الدولية التي زار وفد منها المغرب في فبراير 1990 واستقبله الحسن الثاني.. وتقول إن هذه الإستراتيجية تهدف إلى البحث عن شرعية خارجية لأن وضع حقوق الإنسان في المغرب كان متدهوراً والبلد مستهدف من قبل الخارجية الأمريكية بسبب خرق هذه الحقوق، فيما بدأت الصعوبات الاقتصادية تظهر بعد انضمام البرتغال وإسبانيا لأوروبا.

وقد عمل المغرب على تحسين صورته خارجياً بتنظيم تظاهرة رسمية في فرنسا في 1991، لكن جمعيات حقوق الإنسان الفرنسية والجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية العمال المغربيين في فرنسا، نظمت تظاهرة مضادة.

تلاحظ المؤلفة أن حركة حقوق الإنسان في المغرب أخذت بعداً كبيراً في التسعينيات وتتميز بالحضور المتنامي والقوي لجيل ما بعد الاستقلال المتعلم. وتضيف أن العفو الملكي لعام 1994 أعطى دفعاً قوياً لهذه الحركة بفسح المجال للانضمام لهذه الجمعيات.. وظهر جيل جديد من المنخرطين لا يحددون أنفسهم حتماً من خلال اللعبة الحزبية وترتبط اهتماماتهم باحترام الحقوق الاجتماعية – الاقتصادية والثقافية خاصة وأن المغرب يعرف تفاقماً للمشاكل الاجتماعية والثقافية.. إلا أن هذا لم يضع حداً للتداخل بين النشاط الحزبي والعمل في مجال حقوق الإنسان بسبب الخلفية السياسية-التاريخية لزعماء ونشطاء هذه الجمعيات، إذ أن "أغلبية النشطاء في مختلف جمعيات حقوق الإنسان تنتمي في الوقت نفسه لحزب سياسي، وعليه فمن الصعب رسم الحدود التي تفصل بين العمل السياسي والعمل في سبيل حقوق الإنسان. هذا التناقض أدى ببعض قدماء النشطاء في اليسار المتطرف إلى رفض العمل الحزبي والعمل في إطار حركة حقوق الإنسان للتركيز على نشاطاتهم المهنية، وانتهى بالبعض منهم بتقلد مناصب عليا في المخزن (السلطة) تقول الكاتبة.

 


تطور حركة حقوق الإنسان ساهم في خلق دينامية اجتماعية لقيت دفعاً قوياً مع تشكيل حكومة تناوب في 1998 وتربع محمد السادس على العرش في 1999

وعلى وجه العموم تلاحظ الكاتبة أن تطور حركة حقوق الإنسان ساهم في خلق دينامية اجتماعية لقيت دفعاً قوياً مع تشكيل حكومة تناوب في 1998 وتربع محمد السادس على العرش في 1999، مما فتح صفحة جديدة في علاقات نشطاء حقوق الإنسان بالسلطة بل إن العديد منهم يتقلدون مناصب وزارية (عبد الرحمن اليوسفي رئيس الحكومة أحد مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وعمر عزيمان وزير العدل، ومحمد أوجار وزير مكلف بحقوق الإنسان، وعائشة بلعربي كاتبة الدولة لدى وزارة الشؤون الخارجية…). فيما فضل آخرون العودة إلى العمل السياسي بإنشاء أحزاب سياسية.. وقد سمح هذا التطور بميلاد جمعيات مغربية في مختلف المجالات (البيئة، التنمية…) وهذا مؤشر على تحرك المجتمع المدني. يقوم بعض هذه الجمعيات بمهام تعود في الأصل إلى الدولة التي عجزت ضمانها.

وتختم المؤلفة كتابها بالحديث عن ما يكمن أن نسميه بتحديات حركة حقوق الإنسان في المغرب. أولها أن هذه الحركة التي شهدت تطوراً ملحوظاً في التسعينيات بفضل نوع من انفتاح مجال النشاط والتعبير في البلاد خاصة بعد موجات الإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة معارضين من المنفى.

المصدر : غير معروف

إعلان