باول يختبر ردود العواصم العربية

باريس – وليد عباس
تمحورت المواضيع الرئيسية في الصحف الفرنسية الصادرة اليوم حول قضايا داخلية اجتماعية وسياسية، بدءاً من انتخابات المجالس المحلية في فرنسا، ومرورا بقضايا الأمن والحوار بشأن منع استهلاك المخدرات الخفيفة مثل الحشيش، وانتهاء بالجدل الحاد حول أساليب التصدي لظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال.

ويثور جدل حاد حول أساليب التصدي لظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال لأن القضية تمس مؤسسات أساسية في المجتمع الفرنسي بما في ذلك الكنيسة، حيث يواجه حاليا أحد القسيسين القضاء بعد اتهامه من قبل عدد من عائلات أطفال اعتدى عليهم أثناء أداء مهمته كرجل دين.
والأمر الذي يدفع بهذا الجدل إلى الصفحات الأولى في الصحافة اليومية يتعلق في حقيقة الأمر بموقف الكنيسة من هذا القسيس ومن التصدي للظاهرة، حيث "يحاكم أسقف بسبب صمته" كما قالت صحيفة ألفيغارو في عنوانها الرئيسي في إشارة لمحاكمة أخرى جاءت كنتيجة للأولى، ذلك أن الأسقف بيير بيكان -أسقف منطقة بايو ليزييه والذي كان مسؤولا عن القسيس المذنب- علم بميوله الشاذة وما يرتكبه من أفعال خلال عملية الاعتراف الديني، ثم تلقى شكوى من مجهول تفضح ما يحدث، إلا أنه اكتفى بعزله في أحد الأديرة لفترة من الوقت قبل أن تعود إدارة الكنيسة لتعينه في مكان آخر.

إعلان

هل يمكن الحديث عن احترام أي نوع من الأسرار عندما يتعلق الأمر بجرائم شذوذ ضد الأطفال؟

ألفيغارو

ولم يبلغ الأسقف سلطات الأمن عن جرائم القسيس، فـ"هل يمكن الحديث عن احترام أي نوع من الأسرار عندما يتعلق الأمر بجرائم شذوذ ضد الأطفال؟!" تساءلت صحيفة ألفيغارو في إشارة إلى احتماء الأسقف بيير بيكان وراء واجبه في احترام سر الاعتراف الديني.
ونقلت الصحيفة تعليق محامي الضحايا وجمعيات حماية الطفولة والذي قال "الأسقف مذنب لأنه غطى حقائق كان على علم بها"، بينما يشير محامي الأسقف إلى أن قرار الادعاء بتقديم الأسقف إلى المحاكمة يكشف بوضوح عن المشكلة القائمة بين ضرورة احترام الأسرار المهنية وواجب حماية الأطفال.
ويعيد المحامي طرح السؤال الذي طرحه المدعي العام في طلبه لمحاكمة الأسقف: "هل ينبغي على أسقف أن يسلم أحد قساوسته للعدالة ؟"، ولكن ربما "حان الوقت لكي نستمع إلى الضحايا" كما قالت صحيفة فرانس سوار في عنوانها الرئيسي فوق صورة لعيني طفل حزين.
ورأت الصحيفة أنه وبصرف النظر عن صمت البعض وتسترهم على هذا النوع من الجرائم، وبصرف النظر عن التبريرات التي قد يقدمها آخرون حول مرحلة الستينيات في فرنسا والتي ساد فيها شعار "من الممنوع.. أن نمنع"، رأت الصحيفة أنه بصرف النظر عن هذه الحقائق فإن المهم هو "أن معاناة الضحايا أصبحت -أخيرا- تؤخذ بعين الاعتبار. وبين صمت البعض ومقولات متهورة لآخرين فإن التسامح مع هذا النوع من الجرائم أصبح أمرا غير مقبول".
وخصصت الصحيفة ملفا لهذه القضية نقلت فيه شهادات ضحايا تعرضوا للاعتداء الجنسي عندما كانوا أطفالا أو أطباء نفسيين أو رجال دين.

وتناولت صحيفة ليبراسيون في صفحتها الأولى موضوعا اجتماعيا آخر تحت عنوان رئيسي قالت فيه "الخشخاش.. الممنوع الذي تجاوزه الزمن". وخصصت ملفا ضخما لجدل آخر يدور في فرنسا ويحتل موقعا أكثر أهمية حول السماح باستهلاك بعض المخدرات الخفيفة مثل الحشيش. وعلقت الصحيفة قائلة: بينما يتزايد استهلاك الفرنسيين للحشيش، وبينما تستعد البلدان المجاورة للسماح باستهلاكه، تحتفظ فرنسا بقوانين متشددة في هذا المجال".

إعلان

ونقلت صحيفة ليبراسيون آراء مختلف رجال السياسة من الأغلبية ومن المعارضة، وشهادات فرنسيين ينتمون إلى فئات اجتماعية وشرائح عمرية مختلفة، كما رسمت خريطة لسياسات البلدان الأوروبية المجاورة فيما يتعلق باستهلاك المخدرات.


سقوط اليمين في العاصمة باريس يمكن أن يصبح الحدث الرئيسي في انتخابات مجالس البلدية في الحادي عشر والثامن عشر من مارس/ آذار المقبل

لومانيتيه

وركزت صحيفة لومانيتيه في صفحتها الأولى على انتخابات المجالس البلدية المقبلة، وقالت في عنوانها الرئيسي "باريس تتحرر"، في إشارة إلى استطلاعات الرأي التي تؤكد أن تحالف اليسار سيكتسح اليمين الديغولي الذي يسيطر على مختلف دوائر العاصمة منذ عدة عقود، وعلقت على الأمر قائلة: إن سقوط اليمين في العاصمة يمكن أن يصبح الحدث الرئيسي في انتخابات مجالس البلدية في الحادي عشر والثامن عشر من شهر مارس/ آذار المقبل.

ونشرت صحيفة باريزيان صورة شرطي شاب في صفحتها الأولى تحت عنوان "مقتل شرطي في الضواحي"، حيث يثير مصرع الشرطي إرفي دنيس البالغ من العمر 25 عاما ليلة الخميس الماضي على يد مجنون في إحدى الضواحي غير الآمنة لباريس، مشاعر قوية لدى زملائه، ويطرح مشكلة تزايد عدد ضحايا الجريمة في صفوف رجال الشرطة الفرنسية وخصوصا في العاصمة.

وتميزت صحيفة لوموند بأنها الصحيفة الوحيدة التي أبرزت قضية خارجية في صفحتها الأولى تحت عنوان "كيف فشل كلينتون في إنهاء مستقبله بشكل ناجح؟" في إشارة إلى فضيحة المليونير مارك ريش الهارب من ملاحقة الضرائب الأميركية واللاجئ في سويسرا والذي حصل على عفو رئاسي من كلينتون قبل أن يغادر منصبه كرئيس للولايات المتحدة بساعات قليلة، وأوضحت الصحيفة أن هناك احتمالا بأن يكون مارك ريش قد حصل على هذا العفو مقابل منحة مالية للحزب الديمقراطي.

وفيما يتعلق بالقضايا العربية ركزت أغلب الصحف الفرنسية اليوم في صفحاتها الدولية على جولة وزير الخارجية الأميركي الجديد كولن باول في منطقة الشرق الأوسط.



إنه عالم عربي متحفز، تبرز فيه من الآن، مشاعر خيبة الأمل في إدارة بوش

ليبراسيون

وقالت صحيفة ليبراسيون في عنوان مقالها "شبح العراق يخيم على جولة باول". وقالت الصحيفة في بداية مقالها: إنه عالم عربي متحفز، تبرز فيه من الآن مشاعر خيبة الأمل في إدارة بوش، ذلك الذي ينتظر كولين باول.
وأضافت الصحيفة: إن القصف الأميركي بالقرب من بغداد أعاد لأذهان العواصم العربية أن مركز اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة هو العراق بينما تعتبر أغلب الدول العربية أن الأولوية تعود للصراع العربي الإسرائيلي لسبب أولي ركز عليه عدد من المثقفين العرب، وهو أن الانتفاضة الحالية أعادت تسييس الرأي العام العربي سواء على مستوى الشارع أو على مستوى النخبة، وهو الأمر الذي يثير قلق قادة هذه الدول.

إعلان

 وهذا ما أكدته صحيفة فرانس سوار في مقالها عن جولة باول قائلة: لقد غيرت انتفاضة الأقصى المعطيات في المنطقة ككل، وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى القاهرة قبل اشتعال الانتفاضة، والتي اعتبرها المحللون زيارة تاريخية تشير إلى بداية جهود للتنسيق بين البلدين اختفت نتائجها تماما بعد خمسة أشهر من المظاهرات في غزة والضفة الغربية، ذلك أن الرئيس المصري حسني مبارك يسعى لتحقيق التوازن بين جماهير مصرية متضامنة بشكل كامل مع القضية الفلسطينية، وسياسته للسلام مع الدولة العبرية، بينما يواجه بشار الأسد في سوريا مواقف تخل بتوازن سلطته من قبل العسكريين الراديكاليين الذين يصعدون التوتر في المنطقة بواسطة العمليات التي تتم في جنوب لبنان.

وأشار مقال صحيفة ليبراسيون إلى أن أغلب الدول العربية تعتبر أن إسرائيل هي أصل المشكلة في الشرق الأوسط وليست بغداد، ونقل المقال عن أحد السياسيين العرب قوله: لقد انسحب العراق من الكويت بينما تواصل إسرائيل احتلالها للأراضي العربية وقمعها للشعب الفلسطيني.
وقال المقال في الختام: إذا كانت الغارة ضد بغداد قد أثارت غضب القادة العرب والرأي العام العربي، فإنها تشكل هالة على رأس باول لدى وصوله إلى إسرائيل.

واتفقت صحيفة ألفيغارو مع تحليل صحيفة ليبراسيون حول انتقال مراكز اهتمام السياسة الأميركية في الشرق الأوسط من الصراع العربي الإسرائيلي إلى العراق، مشيرة إلى أن جورج بوش الابن ذكر اسم صدام حسين أربع مرات وكلمة العراق ثماني مرات في أول مؤتمر صحفي يعقده في البيت الأبيض، بينما لم يذكر إسرائيل أو الفلسطينيين أو شارون أو ياسر عرفات مرة واحدة. ولاحظت صحيفة ألفيغارو أن بوش أزال غموضا أميركيا استمر طوال السنوات العشر الماضية عندما أكد أن العقوبات الدولية لا تهدف لإركاع العراق وإنما لإجبار صدام حسين على التصرف

إعلان

مهمة باول خلال جولته في المنطقة هي إعطاء دفعة جديدة لنظام العقوبات عبر اختبار ردود الفعل في القاهرة ودمشق وعمان والرياض بشأن نظام جديد للعقوبات

ألفيغارو

بشكل مسالم مع جيرانه.

 وفسرت الصحيفة الأمر بأن واشنطن تعلن أنها لا تسعى لتغيير النظام في بغداد وإنما لمنعه من التزود بأسلحة كيماوية أو جرثومية أو ذرية.
ورأت الصحيفة أن مهمة كولن باول خلال جولته في المنطقة هي إعطاء دفعة جديدة لنظام العقوبات وذلك عبر اختبار ردود الفعل في القاهرة ودمشق وعمان والرياض بشأن نظام جديد للعقوبات يمكن أن يطرح فيما بعد للحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي.
ورأت الصحيفة أن الأمر يتعلق بحصار انتقائي يضيق الخناق على الفئة الحاكمة في العراق ويحرم بغداد من إمكانية بناء ترسانة أسلحة جديدة دون أن يؤدي إلى حرمان الشعب العراقي من المواد الغذائية الضرورية.

المصدر : الصحافة الفرنسية

إعلان